الأمة بين مشروعين.. المشروع الصهيوني ومشروع ملالي إيران

واجهت أمتنا مشروعين في قرنين الأول هو “المشروع الصهيوني” مطلع القرن العشرين والثاني هو “مشروع ملالي إيران” في مطلع القرن الحادي والعشرين، وسنلقي الضوء على هذين المشروعين، ونبين آثارهما على أمتنا، كما سنوضح جوانب الاتفاق والاختلاف بينهما.

لقد انطلق المشروع الصهيوني في نهاية القرن التاسع عشر في بازل 1897، وتعاون مع الدول الغربية -آنذاك- وأبرزها إنجلترا وفرنسا، وكانت أبرز إنجازاته عدة أمور، منها: اتفاقية سايكس بيكو التي وقعها عام 1916 وزيرا خارجية فرنسا وإنجلترا، ومنها: وعد بلفور الذي أعطاه بلفور وزير خارجية إنجلترا في رسالة وجهها في 2 نوفمبر/تشرين الثاني 1917 إلى روتشيلد الزعيم الصهيوني، ومنها:
محادثات الشريف حسين مكماهون، وقيام الثورة العربية عام 1916، ودخول العرب إلى جانب الحلفاء ضد الخلافة العثمانية، ثم انتهت الحرب العالمية الأولى بانسحاب الجيوش العثمانية من كل بلاد الشام والعراق واليمن والحجاز، وعودتها إلى تركيا وإنشاء الجمهورية التركية بزعامة كمال أتاتورك.

وكانت أبرز نتائج المشروع الصهيوني الغربي في مطلع القرن العشرين في منطقتنا، هي استعمار بلاد الشام، وتجزئتها إلى أربع دول (سوريا، لبنان، فلسطين، الأردن)، وإحياء الدول الطائفية في كل من لبنان وسوريا، فتكونت دولة سوريا من دولة العلويين في جبل العلويين، ودولة الدروز في جبل الدروز، ودولتين للسنة في حلب ودمشق، مع إعطاء دولة للمسيحيين في لبنان.

وبدأت إنجلترا بتنفيذ وعد بلفور بجعل فلسطين وطنا قوميا لليهود، فمكنتهم من سرقة الأرض الفلسطينية، وساعدتهم على إنشاء المؤسسات التي ستكون عماد دولتهم، ثم كانت ذروة التطورات والإنجازات للمشروع الصهيوني الغربي هو قيام دولة إسرائيل في 15 مايو/أيار 1948 بعد إنهاء الانتداب الإنجليزي على فلسطين، ثم جاء اعتراف الدول الكبرى بقيام إسرائيل وعلى رأسها الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأميركية.

وبعد أن عجز المشروع الصهيوني عن تحقيق كل أهدافه، جاء “مشروع ملالي إيران” ليساعد المشروع الأول في استكمال تحقيق أهدافه، فقد انطلق مشروع ملالي إيران في القرن العشرين بعد دخول الخميني إلى الحكم 1979، لكن أبرز إنجازاته كانت في القرن الحادي والعشرين، بعد تعاونه مع الولايات المتحدة الأميركية عام 2001 ومساعدتها في احتلال أفغانستان، ثم مساعدتها عام 2003 في احتلال العراق، ومن ثم أصبح يملك نفوذا وسيطرة على أربع عواصم هي بغداد، دمشق، بيروت، صنعاء. فما جوانب الاتفاق بين المشروع الصهيوني ومشروع ملالي طهران؟ وما جوانب الاختلاف بينهما؟

أ‌- جوانب الاتفاق بين المشروعين
الأول: يتفق كلا المشروعين بأن المحرك لهما دوافع دينية، فالمشروع الصهيوني تحركه أوهام توراتية خرافية في إنشاء “إسرائيل من الفرات إلى النيل”، ومشروع ملالي إيران تحركه أوهام “ملالي إيران” في تحويل الأمة الإسلامية إلى أمة ذات “صبغة طائفية شيعية”.

الثاني: يتفق كلا المشروعين على تفتيت المنطقة وتجزئتها بالتعاون مع المشروع الغربي، فالأول قسم بلاد الشام إلى أربع دول: سوريا والأردن ولبنان وفلسطين، كما جزأ سوريا بشكل ما إلى أربع دول وهي: دولة العلويين، ودولة الدروز، ودولة حلب، ودولة دمشق، أما مشروع ملالي إيران فقد جزأ العراق عمليا إلى ثلاث دول هي: دولة الكرد في الشمال، ودولة السنة في الوسط، ودولة الشيعة في الجنوب، ويسعى إلى تجزئة وتقسيم سوريا إلى عدة دول: دولة للعلويين والشيعة، ودولة للأكراد، ودولة للدروز، ودولة للسنة، ويسعى إلى تجزئة اليمن إلى دولتين: واحدة في الشمال، والثانية في الجنوب.

الثالث: المستفيد الأساسي والرئيسي من المشروعين هي إسرائيل، وهذا جلي وبين، فقد كانت حصيلة سقوط الخلافة، وانتداب إنجلترا وفرنسا على سوريا ولبنان والأردن وفلسطين والعراق هي قيام دولة إسرائيل عام 1948.

أما مشروع ملالي إيران فمن الواضح أن إسرائيل هي المستفيد الأكبر من إنجازاته، وأبرز مثال على ذلك هو تقسيم المنطقة وتجزئتها فهو يصب في خانة إسرائيل، كما أن تدمير السلاح الكيميائي في سوريا يصب في مصلحة إسرائيل، وتم بترتيب بين روسيا وإيران وسوريا وإسرائيل من أجل تجنيب نظام الأسد ضربة أميركية.

وكذلك فإن الاتفاق الدولي الذي وقعته إيران مع دول خمسة زائد واحد في 14 يوليو/تموز 2015 بخصوص إنهاء البرنامج النووي الإيراني وإيقاف التخصيب يصب في مصلحة إسرائيل، لأنه سيجعل إسرائيل الدولة النووية الوحيدة في المنطقة والتي تمتلك في ترسانتها أسلحة نووية.

ب‌- جوانب الاختلاف بين المشروعين
الأول: لقد تنبهت الأمة مبكرا إلى خطر المشروع الصهيوني منذ أن بدأت تتكون ملامحه في القرن التاسع عشر في أوروبا، وتصدت له القيادات السياسية والاجتماعية والفكرية، ودعت إلى مواجهته، لذلك دعوا إلى عدم التفريط بالأراضي وعدم بيعها للصهاينة.

وقد جاءت الأرض التي حصل عليها الصهاينة في فلسطين من الحكومة الإنجليزية التي أعطت الصهاينة الأراضي التي كانت تابعة للدولة من العهد العثماني.

وعلى العكس من ذلكلم تتبين الأمة خطورة مشروع ملالي إيران بل استقبله بعض المشايخ والدعاة والعلماء والجماعات بالترحاب، ظانين أنه سيكون في خدمة الأمة، لكنهم اكتشفوا متأخرين خطأ تعاملهم مع هذا المشروع، وأبرز هؤلاء المشايخ الذين يمكن أن نضرب بهم المثل على ذلك هو الشيخ يوسف القرضاوي، الذي اعترف مؤخرا بانخداعه بهم، وخطئه في التعامل معهم.

الثاني: لقد صاغت قيادات الأمة مشاريع لمواجهة المشروع الصهيوني منذ اللحظة الأولى، وكان على رأس هذه المشاريع المشروع السياسي الذي قاده الحاج أمين الحسيني عندما عقد المؤتمر الإسلامي العام في القدس عام 1931، ودعا إليه علماء من مختلف أنحاء الأرض من أجل مواجهة الخطر الصهيوني في ابتلاع فلسطين والقدس.

وكان هناك مشروع جهادي قاده الشيخ عز الدين القسام الذي اتخذ من مسجد الاستقلال في حيفا منبرا من أجل جمع الأتباع، وحشد المسلمين لمواجهة الحركة الصهيونية بالقتال، وكان من أثر ذلك ثورة 1936 وغيرها من الثورات في مختلف أنحاء فلسطين.

ثم التقى المشروعان في إطار واحد تحت قيادة الحاج أمين الحسيني بعد ذلك، وتمثل ذلك في “الهيئة العربية العليا” التي كان لها دور بارز في الصراع مع الصهاينة بعد الحرب العالمية الثانية إلى عام 1948 تاريخ قيام دولة إسرائيل، كما استمر دورها القيادي إلى حين قيام منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964 التي أنشأها مؤتمر القمة العربي التابع لجامعة الدول العربية.

لكن مشروع ملالي إيران لم يواجه بمشروع مقاوم، والأرجح أن أبرز محاولة قامت لصياغة مشروع لمواجهته كانت في نهاية عام 2015، عندما اجتمعت نخبة من العلماء تحت عنوان “مؤتمر إنقاذ الأمة” وصاغت مشروعا لمواجهته سمته “مشروع إنقاذ الأمة”.

الثالث: الاختلاف الثالث بين المشروعين هو أن الأمة كانت مجمعة على معاداة المشروع الصهيوني لكنها ليست مجمعة على معاداة مشروع ملالي إيران، وذلك بسبب السياسات المخادعة التي قام عليها، من قبيل: وحدة المسلمين، ومعاداة الغرب والاستكبار، ونصرة قضايا المستضعفين، والدعوة لمقاتلة إسرائيل وتأييد الفصائل الفلسطينية التي تقاتل إسرائيل.. إلخ.

وبكل أسف ما زال قطاع من المشايخ والدعاة والجماعات والأحزاب مخدوعين بإيران وأقوالها، ومعسول كلامها، مع أنه لم يبق عذر لأحد بعد أن ساهم مشروع ملالي إيران في تدمير العراق بلدا، وتدمير جيشه الذي كان أهم جيش في الجبهة الشرقية في مواجهة إسرائيل، وهو الجيش الوحيد القوي الذي بقي لمواجهة إسرائيل بعد انسحاب مصر من الصراع معها إثر اتفاقية “كامب ديفيد” التي عقدها السادات مع إسرائيل عام 1979.

كذلك لم يبق عذر لأحد في مناصرة مشروع ملالي إيران بعد أن وقف هذا المشروع إلى جانب الظالم والديكتاتور في سوريا، الذي قتل 400 ألف شخص من السوريين، وهجر12 مليون.

لقد انكشف هذا المشروع وتعرى، وخسر مصداقيته، وتبين أنه مشروع “أقوال لا أفعال”، وأنه مشروع عدو، فهو ينادي بـ”موت إسرائيل”، لكنه يدمر الجيوش التي ستقاتل إسرائيل، كما حدث مع الجيش العراقي، وهو ينادي بنصرة المستضعفين والمظلومين، لكنه يناصر “الظالم القاتل” ويساعده على قتل شعبه كما حدث مع بشار الأسد والشعب السوري، وينادي بـ”وحدة المسلمين” لكنه يعمل على تجزئة وتقسيم بلاد المسلمين كما حدث في العراق ويحدث في اليمن وسوريا.

لقد انكشف مشروع ملالي إيران وبانت سوأته، بعد أن سقطت ورقة التوت التي كانت تغطي عورته في كل من سوريا والعراق واليمن، ولم يعد هناك عذر لأحد في مناصرة هذا المشروع العدو للأمة.

الخلاصة: هنالك مشروعان قاما لتغيير واقع أمتنا، هما المشروع الصهيوني، ومشروع ملالي إيران، وقد جاء الثاني استكمالا للأول، ويتفق المشروعان في أنهما يعيشان أوهاما دينية مريضة، وأنهما استهدفا تجزئة المنطقة، واتفقا على خدمة إسرائيل. ويختلفان في أن مشروع ملالي إيران خدع قسما من علماء الأمة ومشايخها وجماعاتها وأحزابها، لكنه لم يعد مقبولا الاستمرار في الانخداع والتعامل معه، بعد الجرائم الفظيعة التي ارتكبها في كل من العراق وسوريا.

رابط المقال من موقع الجزيرة نت الأمة بين مشروعين

اترك رد