من سقوط القدس إلى سقوط بغداد: هل يمكن أن نجعل القرن الحادي والعشرين قرن نهوض؟

دعا “المحافظون الجدد” وأبرزهم ديك تشيني نائب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، ورامسفيلد وزير الدفاع، وكوندليزا رايس مستشارة الأمن القومي في حكومة بوش إلى جعل القرن الحادي والعشرين أمريكياً، كما كان القرن العشرون أمريكياً أيضاً، ومن قبله كان القرن التاسع عشر انكليزياً، والقرن الثامن عشر فرنسياً.

وقد تجاوب معهم جورج بوش وتبنّى دعوتهم وسياستهم، وهم من أجل تحقيق استراتيجيتهم تلك وضعوا عدة قواعد، أبرزها: الضربة الاستباقية التي تقوم على عدم انتظار مبادرة الخصم بالاعتداء على أمريكا، بل يجب ضرب الخصم وهو في مرحلة التفكير، وقبل أن يعد عدته وهو ما طبقه “المحافظون الجدد” في عدوانهم على العراق في العشرين من مارس/آذار 2003م.

والآن بعد أن نجح “المحافظون الجدد” في إسقاط النظام العراقي، ونجحوا -بالتالي- في إرساء الخطوة الأولى من أجل جعل القرن الحادي والعشرين أمريكياً، هل نستطيع – نحن – بالمقابل أن نجعل القرن الحادي والعشرين قرن نهوض؟ وما هي الخطوات المطلوبة لنحقق ذلك النهوض؟

        الخطوة الأولى من أجل تحقيق النهوض هي أن نعترف بأن القرن العشرين كان قرن سقوط بالنسبة لأمتنا، بدأ هذا السقوط بسقوط القدس عام 1917م بأيدي القوات الانكليزية، وانتهى بسقوط بغداد عام 2003م بأيدي القوات الأمريكية، وبينهما وقعت النكبة عام 1948م وقامت دولة إسرائيل، ثم حدثت النكسة عام 1967م واحتلت إسرائيل الجولان وسيناء والضفة الغربية، ولم تتحقق الوحدة.

وقامت أنظمة استبدادية لم يعرف لها التاريخ مثيلاً، وبلغت الأمية في نهاية القرن 40٪ في العالم العربي، وتعثر بناء الاقتصاد المستقل، ودخلت كثير من شرائح المجتمع تحت خطر الفقر إلخ… يجب أن نعترف بكل هذا، إن هذا الاعتراف هو الخطوة الأولى في جعل القرن الحادي والعشرين قرن نهوض، لأن الاعتراف بالسقوط هو الذي يجعلنا نعي خطوات النهوض، ونحددها في القرن الحادي والعشرين.

        بعد هذا الاعتراف من الواجب أن تعيد التيارات الرئيسية في الأمة، ومن ضمنهم تيّاري القوميين والإسلاميين، النظر في كل المفردات التي تداولتها في القرن العشرين في مجال الأهداف والبرامج والوسائل إلخ… وتخضعها للنقد والتمحيص والغربلة لمعرفة موضع الخلل فيها من أجل الولوج في مرحلة جديدة ذات مفردات جديدة تكون مناسبة بشكل أوفى.

        ومن أبرز الملاحظات التي يمكن أن يسجلها الدارس على فترة السقوط السابقة في القرن العشرين، ضعف التحليل في دراسة ظواهر المجتمع العربي الإسلامي، وغلبة نقل الأحكام والمفاهيم والنظريات سواء من الحضارة الغربية أم من تراثنا القديم، وإلصاقها بتلك الظواهر، مما أدى إلى فشل في معالجة الواقع من جهة، وإلى زيادة أمراضه وسلبياته من جهة ثانية، لذلك يجب الاعتماد في القرن الحادي والعشرين على تحليل الظواهر، وتحديد العلاج المناسب لها بناء على هذا التحليل، والابتعاد عن نقل النظريات والمفاهيم والأحكام دون تحليل الواقع وغربلته وتمحيصه.

        ومن العناصر التي يجب إيلاؤها أهمية كبيرة في القرن الحادي والعشرين: الإنسان العربي المسلم، ورصد الأسباب التي يمكن أن تعيد له الفاعلية النفسية والاجتماعية والعقلية، وتضعه في مناخ الإبداع، فقد كان أحد الأسباب الرئيسية للسقوط في القرن العشرين هو عدم إعطائه العناية الكافية في دراسة أوضاعه، وفرز السلبي منها والإيجابي فيها، ومعالجة السلبي وزيادة الإيجابي، بل توجهت الأقلام والأفكار والجهود إلى بناء الدولة القطرية من أجل السيطرة على الإنسان العربي المسلم وكتم أنفاسه، ورصد تحركاته وسكناته.

        وفي كل مراحل بناء النهضة في القرن الحادي والعشرين يجب إعطاء عناصر الوحدة الثقافية في الأمة انتباهاً واهتماماً، ويجب عدم التفريط بها والمحافظة عليها لأنها ستكون رصيداً لأي بناء وحدوي تتجه إليه الأمة في المرحلة القادمة، ونقول ذلك لأن القرن العشرين شهد تفريطاً في عناصر الوحدة الثقافية وتمزيقاً لها، عندما أخدت بعض الحركات بايديولوجيا التغريب في بعض المجالات الثقافية والاقتصادية والسياسية، دون أن تكون هناك ظروف تستدعي ذلك.

        هذا هو التحدي الأكبر الذي يواجه أمتنا بكل شرائحها، أن تجعل القرن الحادي العشرين قرن نهوض بعد أن كان القرن العشرون قرن سقوط، فهل تستجيب لذلك التحدي؟ وهل يمكن أن تحقق ذلك؟ هذا ما نأمله ونرجحه.

اترك رد