وجّه الكاتب حازم صاغيّة في كتابه “وداع العروبة” الصادر عام 1999م عن دار الساقي انتقادات إلى العروبة، وبيّن أنّ عطل العروبة تجسد في أمرين:
الأول: مجافاتها للواقع الجغرافي السياسي.
والثاني: نظرتها إلى الدولة بصفتها ثمرة تجزئة استعمارية.
ووضّح أنّ العروبة انطوت على احتقار المشيئة الفردية والوطنية، وتحدث عن الأنظمة القومية الاشتراكية التي عززت سلطة الدولة التي كانت ألد أعداء الوحدة والدولة الحديثة في وقت واحد، وحملت في سلطويتها الفائضة أسوأ الاستبداد الشرقي إلى الاستبداد الحديث الذي تمثّل بالحزب الواحد.
وتحدث صاغيّة في فقرة “مفاهيم اللغة والثقافة” عن عقبتين أمام الفصحى، وهما: الأمية واللهجات العامية التي تصعد على حساب الفصحى.
وتحدث الكاتب في فقرة “النفسية التي بلبلتها القومية” عن دراسة المستعرب الإسرائيلي عمانوئيل سيفان عن الطوابع البريدية وأوراق العملات والتقاويم العربية التي في وسعها أن تزودنا بمعرفة مفيدة فيما خصّ الخطاب الرسمي للدولة والذي تريد به أن تضمن هيمنتها الايديولوجية على المجتمع الذي تحكم.
ثم تحدث صاغيّة في الفقرة السادسة عن ضمور دور مصر القومي وضمور الأحزاب القومية وضمور القضية الفلسطينية كقضية قومية ومركزية للعرب.
وأشار الكاتب في الفقرة السابعة إلى أنّ الوحدات تتم قصراً، والانفصالات أكثر بما لا يقاس.
كذلك تحدث الكاتب في الفقرة الثامنة عن الوحدة الاقتصادية والعلاقات الاقتصادية الصعبة بين الدول العربية.
ثم بيّن في الفقرة التاسعة ضعف جاذبية مصر بشكل عام وضعف قدرتها على جذب السودان بشكل خاص، وعن توطيد علاقات دول الخليج مع دول آسيا، وعن تمتين علاقات شمال أفريقيا مع أوروبا.
وبشّر صاغيّة في الفقرة العاشرة بعالم جديد تتعاظم فيه حركات البيئة والسلم ومعارضة التسلح ونمو حقوق الإنسان والعنصر الأخلاقي إلخ…
نلحظ في العرض السريع السابق لفقرات كتاب “وداع العروبة” أنّ السيد حازم صاغيّة رصد الظواهر التالية:
ويجب الاعتراف منذ البداية بأنّ الكتاب غني في مادته وإحصاءاته التي شملت الاقتصاد والسياسة والسلطة والأغنية والطوابع والفصحى والعامية إلخ….
لكن الكاتب لم يركز تحليله عند رصده لمظاهر تعثر الفكر القومي العربي وإفرازاته السلبية على بنية هذا الفكر وظروف نشأته التي يستحسن أن تكون منطلقاً في هذا التحليل.
لكننا نجد أن الكاتب قد أشار إليها إشارات سريعة في بعض الأحيان، ويكمن التعثر والآثار السلبية في القياس الخاطئ الذي اعتمده المفكرون القوميون عندما قاسوا المنطقة العربية على ألمانيا، وقالوا بوجود أمة عربية تلتقي مع الأمة الألمانية في عنصري تكوينها وهما: اللغة والتاريخ.
ولكن نسي هؤلاء المفكرون القوميون العرب وأبرزهم ساطع الحصري، الفارق في هذا القياس وهو أثر الدين الإسلامي في تكوين الأمة المكوّنة في المنطقة العربية، وإنّ تجاهل دور الدين الإسلامي في تكوين الأمة، يعني تجاهل عنصر رئيسي كان فاعلاً في الماضي والحاضر.
ويمكن أن يفسّر لنا هذا التجاهل النتائج السلبية التي انتهت إليها ممارسات الفكر القومي العربي في مختلف مجالات حياة المنطقة والتي أشار حازم صاغيّة إلى كثير منها.
أما عن ظروف نشأة الفكر القومي العربي، فلم يأت هذا الفكر نتيجة حاجات المنطقة الاجتماعية والاقتصادية والفكرية والتاريخية إلخ…
وإنما جاء نتيجة ردود فعل سياسية لمواجهة الأتراك الذين كانوا يقودون الخلافة العثمانية، ومما يؤكد ذلك بروز الجانب الجنسي في الدعاوي القومية العربية على حساب الجانب الثقافي.
حيث أدى ذلك البروز إلى أن تخسر العروبة مواقع ثقافية لم تخسرها في أية مرحلة من مراحل تاريخها السابق.
بالإضافة إلى ما سبق أدى عدم تمييز السيد صاغيّة بين العروبة كفكر قومي وبين العروبة كواقع تاريخي إلى تحميله العروبة أوزاراً ليست مسؤولة عنها.
لأنّ العروبة واقع تاريخي كانت قبل الفكر القومي العربي ومازالت موجودة، وإنّ الذي فشل في تحقيق الوحدة بمعناها البسماركي هو الفكر القومي العربي.
وإنّ معظم الإفرازات السلبية التي سادت المنطقة في الفترة الماضية، والتي أشار إلى بعضها السيد صاغيّة لم تأت من العروبة إنما جاءت من ممارسات الفكر القومي.
لذلك علينا أن لا نستسلم لهذه الإفرازات السلبية بل علينا أن نعالجها بما يناسب هوية المنطقة وواقعها التاريخي.
لقد رسم السيد صاغيّة في نهاية كتابه صورة مشرقة للمستقبل البشري بعد انتشار العولمة، لكن المهم هو مدى حصتنا من هذا المستقبل المشرق.
وأظن أنّ علينا أن نعي الأسباب التي جعلت الفكر القومي العربي لا يضعنا على قطار النهضة لكي يتأكد لنا مستقبل مشرق واعد، وإنّ التعامل الصحيح مع العروبة هو شرط أساسي لتحقيق هذا النهوض.
وأظن أنّ واقع الحال يدعونا أن لا نقول مع السيد صاغيّة بـ “وداع العروبة” بل نقول بـ “وداع القومية العربية”.