مراجعات كتب الأرشيف – منبر الأمة الإسلامية https://www.al-ommah.com/tag/مراجعات-كتب/ منبر الأمة الإسلامية Sat, 11 Feb 2023 20:55:31 +0000 ar hourly 1 https://wordpress.org/?v=6.7.2 https://www.al-ommah.com/wp-content/uploads/2021/02/منبر-الأمة-الإسلامية.svg مراجعات كتب الأرشيف – منبر الأمة الإسلامية https://www.al-ommah.com/tag/مراجعات-كتب/ 32 32 171170647 كتاب بؤس الدهرانية عن النقد الائتماني لفصل الأخلاق عن الدين https://www.al-ommah.com/%d8%ac%d8%af%d9%8a%d8%af-%d8%b7%d9%87-%d8%b9%d8%a8%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%ad%d9%85%d9%86-%d8%b9%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%82%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%a6%d8%aa%d9%85%d8%a7%d9%86%d9%8a-%d9%84/ https://www.al-ommah.com/%d8%ac%d8%af%d9%8a%d8%af-%d8%b7%d9%87-%d8%b9%d8%a8%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%ad%d9%85%d9%86-%d8%b9%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%82%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%a6%d8%aa%d9%85%d8%a7%d9%86%d9%8a-%d9%84/#respond Mon, 28 Oct 2019 19:35:00 +0000 https://al-ommah.com/?p=2081 تميز المفكر المغربي الدكتور طه عبد الرحمن باطلاعه العميق والواسع على الحضارة الغربية، ورصده لتطوارتها، ورده الدقيق على انحرافاتها من خلال منظور إسلامي. ومما تميز به الدكتور طه عبد الرحمن ـ أيضا ـ هو لغته العربية الرصينة التي كتب بها دراساته، واشتقاقاته اللغوية ونحته لكثير من الألفاظ التي تقابل المصطلحات […]

ظهرت المقالة كتاب بؤس الدهرانية عن النقد الائتماني لفصل الأخلاق عن الدين أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
تميز المفكر المغربي الدكتور طه عبد الرحمن باطلاعه العميق والواسع على الحضارة الغربية، ورصده لتطوارتها، ورده الدقيق على انحرافاتها من خلال منظور إسلامي.

ومما تميز به الدكتور طه عبد الرحمن ـ أيضا ـ هو لغته العربية الرصينة التي كتب بها دراساته، واشتقاقاته اللغوية ونحته لكثير من الألفاظ التي تقابل المصطلحات الغربية، وهو في هذا أكد ولاءه لإحدى دعامات هويتنا، وهي اللغة العربية، وهذا ما يحسب له، ويبرز تميزه ككاتب إسلامي.

ومن أجل تقديم الشواهد على ما نقول بصدد اشتقاقه ونحته للألفاظ التي تقابل المصطلحات الغربية، وإبداعه في ذلك، نأخذ لفظ المصطلحات في مجال “العلمانية”، وهو محور كتابه “بؤس الدهرانية” الذي سنعرضه في السطور الآتية.

مصطلحان ودلالات

فقد اقترح الدكتور طه عبد الرحمن لفظ “الدنيانية” للعلمانية بشكل عام وهي تقابل مصطلح “Secularism” باللغة الإنجليزية، واقترح “العَلمانية” بفتح العين للعلمانية التي فصلت السياسة عن الدين، “والعِلمانية” بكسر العين للعلمانية التي فصلت العلم عن الدين، “والدهرانية” للعلمانية التي فصلت الأخلاق عن الدين، وقد ذكر أن هناك علمانيات أخرى: منها علمانية فصلت الفن عن الدين، وثانية فصلت التربية عن الدين، وثالثة فصلت الإيمان عن الدين، وهلم جرا.

ومن الجدير بالذكر أنه يمكن أن نعتبر الدكتور طه عبد الرحمن وعبد الوهاب المسيري أوسع كاتبين وأعمق كاتبين تحدثا عن العلمانية بشكل خاص، وعن الحضارة الغربية بشكل عام، ففيم اتفقا في شأن العلمانية؟ وفيم اختلفا؟

اتفقا على أن العلمانية تتطور باستمرار نحو الأسوأ، بدءا من نشوئها إثر الثورة الفرنسية عام 1789م، لكن عبر كل منهم عن موقفه من هذا الانحدارنحو الأسوأ بألفاظ وتعبيرات مختلفة.

فأطلق المسيري تعبير “العلمانية الجزئية” عن المرحلة الأولى من نشوء العلمانية، وأطلق “العلمانية الشاملة” على الصورة التي انتهت إليها العلمانية في وقتنا المعاصر، واعتبر “العلمانية الجزئية” التي فصلت قيم السياسة عن الدين، لكنها مازالت تعتبر الإنسان وما يتعلق به من بعض ألأخلاق، مثل: الرحمة والعدل والحق إلخ. مرجعا لها، أما “العلمانية الشاملة” فهي التي فصلت فصلاً كاملاً بين الإنسان وكل القيم من رحمة وأخلاق وعدل وحق الخ، واعتبرت أن الذات المادية للإنسان هي المرجع النهائي له، أو قل بصورة أدق إن “العلمانية الشاملة” هي التي نزعت القداسة عن كل شيء، وعن كل نشاط اجتماعي أو خلقي، وحوّلت كل ما في العالم إلى أدوات استعمالية، وأصبحت القوى والمصالح هي صاحبة القيمة، ومنها تستمد كل قيمة، فهي لا تخفي فقط القيم والأخلاق والحق والعدل بل تخفي الإنسان أيضا.

وهنا التقى المسيري مع الدكتور طه عبد الرحمن في توصيفه للعلمانية التي أطلق عليها “الدنيانية”، وفيما انتهت إليه من فصل الدين عن كل شيء بدءا من السياسة وانتهاء بالإيمان مرورا بالعلم والأخلاق والفن والتربية إلخ…

لكن الدكتور طه عبد الرحمن اختلف عن المسيري في أنه لم يقبل أي نوع من “العلمانية”، وبقي يدينها ويرفضها، ويوضح انحرافاتها وبعدها عن الدين الإسلامي، ويبين مساوئها وآثارها الضارة على البشرية، وقد اتضح هذا في عناوين آخر كتابين له عنها، وهما “بؤس الدهرانية” و”شرود ما بعد الدهرانية”، وتميز الدكتور طه عبد الرحمن بنقدها من خلال مفاهيم ومبادئ وقيم إسلامية، وطرح البديل عنها.

لكن الدكتور عبد الوهاب المسيري وقع في خطأ كبير عندما قبل “العلمانية الجزئية” ورفض “العلمانية الشاملة” فقط، وهو هنا ـ أي المسيري ـ اختلف مع الدكتور طه عبد الرحمن، وأرى أن الحق مع الدكتور طه عبد الرحمن فيما انتهى إليه، إذ أنه لا فرق بين “العلمانية الجزئية” و”العلمانية الشاملة” في أصل المشكلة، وهي فصل السياسة عن الدين في البداية، وكان هذا في بداية النشوء للعلمانية، وترافق هذا الفصل مع مواقف أخرى من الدين ومنها اعتبار حديث الدين عن الآخرة أوهاما وخيالات، واعتبار أن المادة أساس الكون، ونبذ رجال الدين وتصرفاتهم، وحصر نفوذهم ضمن الكنيسة، ولا عمل لهم خارجها إلخ…

ثم بدأت تتسع شقة الانحراف وزاويته حجماً وعمقاً، إلى أن وصل الفصل بين الإنسان وبين كل القيم، وهو ما سماه المسيري بـ “العلمانية الشاملة”، وقد رفض المسيري “العلمانية الشاملة” وقبل “العلمانية الجزئية” مع أن هذا الموقف خاطئ لأن كلا من “العلمانية الجزئية” و”العلمانية الشاملة” لا تختلفان في أصل الانحراف، لكنهما ـ كما ذكرنا ـ تختلفان في مداه وعمقه.

انحراف العلمانية

إن تصور الدكتور طه عبد الرحمن للإنحراف في “العلمانية” أدق وأوضح وأحق من عبد الوهاب المسيري، لذلك رفض “العلمانية” بكل صورها واعتبرها غير مقبولة في كل أحوالها، في حين أن الدكتور المسيري أخطأ وقبل صورة منها وهي “العلمانية الجزئية.”

لقد أطلق الدكتور طه عبد الرحمن مصطلح “الدهرانية” كما رأينا على قضية فصل الأخلاق عن الدين، وهو من أجل محاكمة هذا الفصل وتقويم بعده عن الصواب، والحكم على فشله في إيجاد أخلاق بديلة عن الأخلاق الدينية ألّف كتاب “بؤس الدهرانية: النقد الائتماني لفصل الأخلاق عن الدين” وبدأ ذلك الكتاب بأن رسم ثلاثة مسلمات في البداية، وهي:

الأولى: “مسلمة التبدل الديني” ومعناها أن الدين المنزل يأخذ صورتين: “الصورة الفطرية” و”الصورة الوقتية”، الأولى تكون صورتها الأصلية التي نزلت على النبي، والثانية تتكون من التغيير الذي يطرأ عليها من البشر مع مرور الزمن.

الثانية: “مسلمة التخلق المزدوج” بمعنى أن الأخلاق مع “الصورة الفطرية” للدين تنطلق من داخل الإنسان إلى خارجه، ولكن الأخلاق مع “الصورة الوقتية” للدين تنطلق من الخارج إلى الداخل.

الثالثة: “مسلمة الآمرية الإلهية” ومقتضاها أن ما أمر به الله تعالى من الأعمال خيرٌ وعدل وما نهى عنه شرٌ وظلم، وإن إتيان المأمورات يحقق تخلق الإنسان وإن إتيان المنهيات يحول دون تخلق الإنسان.

وقد اعتبر الدكتور طه عبد الرحمن أن هناك أربع صيغ من الدهرانية: وهي “الصيغة الطبيعية” ويمثلها روسو، “الصيغة النقدية” ويمثلها كانط، “الصيغة الاجتماعية” ويمثلها دوركهايم و”الصيغة الناسوتية” ويمثلها فيري.

وقد نقل الدكتور طه عبد الرحمن بعد ذلك موقف هذه الصيغ الأربعة من المسلمات الثلاث التي رسمها في البداية، وها نحن سننقل كلامه حول هذه الصيغ الأربع من المسلمات الثلاث التي طرحها وتحدثنا عنها سابقاً.

أولاً: صيغة الدين الطبيعي

ويمكن أن نعتبر الفيلسوف الفرنسي “جان جاك روسو” خير ممثل لهذا الدين وأخلاقه، وقد شرح أفكاره عن ذلك الدين في كتابه “إيميل” وعنونه باسم “عقيدة قسّيس سافُوَا”. وقد اعتبر روسو أن هناك تضاداً بين “الدين الطبيعي” و”الدين المنزل” وأقامه على ثلاثة شكوك: “إنكار الوحي” و”إنكار الملائكة” و”إنكار النبوة”.

ثانياً: صيغة الدين العقلي

لم يبلغ أحد مثل الفيلسوف الألماني “إيمانويل كانط” مبلغه في تأسيس الأخلاق على العقل وحده، ويقوم تصور كانط على أن العقل قادر على أن يتوصل إلى قوانين أخلاقية مطلقة، وأن كل قانون عقلي يكتسب قيمة كلية تلزم جميع الكائنات العاقلة.

ثالثاً: صيغة الدين الاجتماعي

وجدت بعض أفكار “كانط” في الأخلاق تطبيقاً في مجال التربية مع عالم الاجتماع “إميل دوركهايم” بعد أن أعاد صوغها في قالب علمي.

ومن الجدير بالذكر أن الجمهورية الثالثة الفرنسية اجتهدت في إقامة تعليم دهري للأخلاق بهدف الفصل بين الكنيسة والمدرسة، فأقرت تلقين التلاميذ في المدارس الابتدائية العمومية “الأخلاق الدهرية” وسنت لذلك قوانين محددة منها قانون 28 مارس أذار 1882، ووضعت برامج تعليمية مفصلة. وقد عرف دوركهايم “التربية الدهرية” بكونها التربية التي تأبى أن تقتبس المبادئ التي تبنى عليها الأديان المنزلة، فلا تعتمد إلا على الأفكار والمشاعر والممارسات التي تتبع العقل وحده في كلمة واحدة: “التربية العقلانية الخالصة”. 

رابعاً: صيغة الناسوتية الثانية

سعى الفيلسوف الفرنسي المعاصر “لوك فيري” إلى أن يضع أسس ناسوتية جديدة وسماها “الناسوتية الثانية” تمييزاً لها عن “الناسوتية الأولى” التي نشأت مع النهضة الأوروبية، ورسخت مع فلاسفة الأنوار، ثم ازدادت رسوخاً مع الثورة الفرنسية بسبب إقرارها بحقوق الإنسان، إلى أن جاءت التفكيكيات التي هدمت كثيراً من المثل التي انبنت عليها هذه “الناسوتية الأولى” وأصبحت هذه المثل بمثابة أوثان تفصلها عن الواقع.

وقد أشار “فيري” إلى عملية التأنيس الإلهي، والمراد به فعل التدهير ـ أو الدهرنة ـ الذي يأتي إلى الدين فيخرج على التدريج كل ما هو إلهي منه ويحوله إلى ما هو إنساني. وقد أكد “فيري” أن الفكر الفلسفي ساهم بقوة في إقامة “الدهرنة”، فقد ظل يجتهد في نقل المعاني الميتافيزيقية والقيم الأخلاقية التي تضمنتها الأديان إلى لغة العقل.

انتقل بعدها الدكتور طه عبد الرحمن لمناقشة موقف صيغ الدهرانية الأربعة من مسلمة الأخلاق، فنقل أن كانط اعتبر أن العلاقة الوحيدة التي تربط الإنسان بالله إنما هي العلاقة الأخلاقية ليس إلا، وبهذا الصدد يضع قاعدة أنه إذا استثنينا السلوك الحسن، فإن كل ما يعتقد الإنسان أنه يمكن عمله من أجل إرضاء الإله، هو مجرد جنون ديني خالص وتعبد للإله فاسد.

أما الأخلاق في الصيغة الاجتماعية، فقد اعتبر دوركهايم أنها تقوم على ثلاثة أركان هي: الأول: روح الانضباط، الثاني: التعلق بالجماعة، والثالث: استقلال الإرادة. وقد اتصفت الأخلاق الدهرية عند دوركهايم بأنها أخلاق خارجية وتجعل الداخل تابعاً للخارج وتلبس الداخل لباس الخارج.

أما الأخلاق في الصيغة الناسوتية فقد ميز “فيري” فيها بين نوعين من الأخلاق: الأول يسميه “أخلاق الواجب” والثاني يسميه “أخلاق الخلاص”.

ثم تحدث الدكتور طه عبد الرحمن عن موقف الصيغ الدهرانية للدين من مسلمة الآمرية الإلهية، فقد وجد أن روسو لا يقول بالأوامر الإلهية وينكر الوحي والرسالة أو على الأقل يشك فيهما، ولا يسلم بالشعائر المنزلة. وقد أسند إلى الضمير الصفات التي تسند للإله من عصمة وخلود وتأله وكمال وحكم على الأفعال، وقد اعتبر أن ضميره هو الذي يأمره وينهاه ويحكم على أفعاله إن خيراً أو شراً.

أما الأوامر الإلهية والصيغة النقدية فقد شغلت “كانط” مسألة تأسيس الأخلاق، واعتبر “كانط” أن الأخلاق تتأسس على الإنسان باعتباره كائناً حراً، ولم تعد الأخلاق بحاجة إلى فكرة كائن آخر أعلى لكي يعرف الإنسان واجبه، ولا تحتاج الأخلاق إلى الدين لكنها بفضل العقل العملي الخالص تكتفي بذاتها.

وقد أسند “كانط” إلى الإرادة ما يشبه ما أضفاه روسو على الضمير من صفات الكمال التي لا يستحق أن يوصف بها إلا الإله مثل “الخيرية المطلقة” و”الذاتية المطلقة” و”الخيرية الذاتية”.

أما الأوامر الإلهية والصيغة الاجتماعية فقد وجد “دوركهايم” ضالته في المجتمع باعتباره مستقلاً عن أفراده، ونسب دوركهايم إلى المجتمع كل صفات الجلال والجمال التي يختص بها الإله في أخلاق الدين المنزل، فقال إن المجتمع بالنسبة لأعضائه كالإله بالنسبة لعباده، فإن الإله هو قوة أعلى من الإنسان تأمر وتُتّبَع، فكذلك المجتمع له نفس العلو علينا.
 

أما الأوامر الإلهية والصيغة الناسوتية الثانية، لقد ذهبت الناسوتية الثانية إلى إقامة الإنسان مقابل الإله، بل جعلته يزدوج به، فقد وضع فيري مصطلحاً مركباً هو “الإنسان الإله” ليدل به على الأمر الآدمي مكان الأمر الإلهي.

لقد انتهى الدكتور طه في دراسته إلى أن الصيغ الأربعة اتفقت على رد الآمرية الإلهية إلى الآمرية الآدمية، واختلفت مضامين هذه الآمرية الآدمية من صيغة لأخرى، فالصيغة الطبيعية نسبت هذه الآمرية إلى “الضمير”، والصيغة النقدية نسبتها إلى “الإرادة”، والصيغة الاجتماعية نسبتها إلى “المجتمع”، والصيغة الناسوتية أسندتها إلى “الإنسان الإله”. وقد أوضح أن إنكار هذه الصيغ للآمرية الإلهية عائد إلى الجهل بالقدر الإلهي مصداقاً لقوله تعالى: ” وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى? بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ” (سورة الأنعام، الآية 91 ) .وقوله تعالى: ” وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ? سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى? عَمَّا يُشْرِكُونَ” (سورة الزمر، الآية 67).

وقد تمثل هذا الجهل بقدر الله في تصورات فاسدة عن علاقة الإنسان بالله، وقد حصرها الدكتور طه عبد الرحمن في أربعة تصورات هي: التصور الخارجي، التصور التجزيئي، التصور التسييدي، والتصور التجسيدي.

ثم عرض هذه التصورات ودلل عليها وأتى بالشواهد المناسبة، وبهذا دلل على بؤس فكري فاحش قام عليه هذا النموذج الدهراني الذي فصل الأخلاق عن الدين.

ثم عرض الدكتور طه عبد الرحمن الأنموذج الائتماني الذي يعتقد أنه يبرز اتحاد الأخلاق بالدين، وبيّن أنه يقوم على خمسة مبادئ وهي:

  • مبدأ الشاهدية: ومقتضى هذا المبدأ “أن الله يشهد عملية التخلق الإنساني باطنها وظاهرها”.
  • مبدأ الآياتية: ومقتضى هذا المبدأ هو “أن اتصال الدين بالعالم اتصال آيات لا اتصال ظواهر”، باعتبار العالم مجموعة من الآيات التكوينية والدين مجموعة من الآيات التكليفية.
  • مبدأ الإيداعية: مقتضى هذا المبدأ هو “أن الأشياء ودائع عند الإنسان”.
  • مبدأ الفطرية: إن مقتضى هذا المبدأ هو “أن الأخلاق مأخوذة من الفطرة”.
  • مبدأ الجمعية: إن مقتضى هذا المبدأ هو “أن الدين بجمعيته أخلاق”.

ثم تحدث الدكتور طه عبد الرحمن في الفصل الرابع عن ظلم الدهرانية لماهية الإنسان، فبين أن فصل الأخلاق عن الدين أدى إلى أن المفكرين الدهرانيين ظلموا الدين كما ظلموا الأخلاق.

ثم انتهى الدكتور طه عبد الرحمن إلى تحديد البواعث التي دعت المفكرين الدهرانيين إلى فصل الأخلاق عن الدين، فحددها بثلاثة عوامل هي: “التذمر من الدين المسيحي، والتذمر من الدين عموماً، واللجوء إلى العقلانية”. وكلها تقضي إلى إلغاء الدين المنزل واستبدال دين دهري مكانه، دين اتخذ صورة أخلاق عقلية مستقلة.

ثم تحدث الدكتور طه عبد الرحمن عن ظلم الدهرانية للأخلاق، في كون أحد مآلات عزلهم الأخلاق عن الدين هو إلغاء الأخلاق ذاتها. ثم تحدث الدكتور طه عبد الرحمن في الباب الثاني عن المفكرين المقلدين من أبناء ملتنا للدهرانيين، فتوصل إلى أنهم أشد بؤساً وأشد ظلماً للأخلاق، لأنهم يقلدونهم ويتبعونهم فيما لا ينبغي تقليدهم واتباعهم.

الخلاصة

لقد فصلت “الدهرانية” الأخلاق عن الدين في مرحلة تالية من بدء العلمانية في أوروبا إثر الثورة الفرنسية عام 1789م، وحاولت إيجاد أخلاق بديلة عن طريق فلاسفة كبار وهم روسو وكانط ودوركهايم وفيري، وقد استعرضنا تلك المحاولات جميعها، وأوضحنا تعثرها بل فشلها، لذلك نستطيع أن نجزم مع الدكتور طه عبد الرحمن بأنه لا يمكن أن تكون أخلاق بلا دين، وأن الدين المنزل هو الذي يولد أخلاقاً حقة تكون فعالة في دفع مسيرة المجتمع إلى الأمام.

رابط المقال من موقع عربي 21 كتاب بؤس الدهرانية.. عن النقد الائتماني لفصل الأخلاق عن الدين – د. طه عبد الرحمن

ظهرت المقالة كتاب بؤس الدهرانية عن النقد الائتماني لفصل الأخلاق عن الدين أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
https://www.al-ommah.com/%d8%ac%d8%af%d9%8a%d8%af-%d8%b7%d9%87-%d8%b9%d8%a8%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%ad%d9%85%d9%86-%d8%b9%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%82%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%a6%d8%aa%d9%85%d8%a7%d9%86%d9%8a-%d9%84/feed/ 0 2081
قراءة هادئة في كتاب عطب الذات.. وقائع ثورة لم تكتمل – د. برهان غليون https://www.al-ommah.com/%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%a1%d8%a9-%d9%87%d8%a7%d8%af%d8%a6%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%b9%d8%b7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%b0%d8%a7%d8%aa-%d9%84%d9%84%d8%af%d9%83%d8%aa%d9%88%d8%b1/ https://www.al-ommah.com/%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%a1%d8%a9-%d9%87%d8%a7%d8%af%d8%a6%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%b9%d8%b7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%b0%d8%a7%d8%aa-%d9%84%d9%84%d8%af%d9%83%d8%aa%d9%88%d8%b1/#respond Sat, 14 Sep 2019 19:46:00 +0000 https://al-ommah.com/?p=2084 ألف الدكتور برهان غليون كتابا تحت عنوان “عطب الذات: وقائع ثورة لم تكتمل، سوريا 2011 ـ 2012″، تحدث فيه عن وقائع الربيع العربي في سوريا، الذي بدأ عام 2011، وتحدث فيه عن دور العلمانيين في هذه الثورة، وكذلك عن دور الإسلاميين، وتناول جانبا من تاريخ البعث في سوريا، وعرّج على […]

ظهرت المقالة قراءة هادئة في كتاب عطب الذات.. وقائع ثورة لم تكتمل – د. برهان غليون أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
ألف الدكتور برهان غليون كتابا تحت عنوان “عطب الذات: وقائع ثورة لم تكتمل، سوريا 2011 ـ 2012″، تحدث فيه عن وقائع الربيع العربي في سوريا، الذي بدأ عام 2011، وتحدث فيه عن دور العلمانيين في هذه الثورة، وكذلك عن دور الإسلاميين، وتناول جانبا من تاريخ البعث في سوريا، وعرّج على “ربيع دمشق” عام 2001، و”إعلان دمشق” الذي نتج عن لقاء العلمانيين والإخوان المسلمين في هذا الإعلان، كما رصد مرحلة مهمة من مراحل ثورة سوريا عام 2011، التي ابتدأت سلمية، ثم رصد تحولها إلى مسلحة، كما تحدث عن المجلس الوطني الذي تشكل في أول تشرين أول (أكتوبر) 2011، وتحدث عن ترؤسه لهذا المجلس، وعن الأهداف التي اجتهد في تحقيقها في أثناء هذه الرئاسة، وعن فشله في تحقيق هذه الأهداف، وعن أهم الأسباب التي أدت إلى فشله وهي منازعة ومناكفة رفاقه العلمانيين له.

وفي الحقيقة أحسن الكاتب في رصد الأحداث ومتابعتها، وفي توضيح موقف الدول الكبرى من الثورة السورية، وتطور هذه المواقف، وعلى رأس هذه الدول روسيا وأمريكا، وجاء الكتاب غنيا في إجلاء مواقف هذه الدول وخذلانها للثورة السورية، وأحسن الكاتب أيضا عندما بيّن بعض مواقف العلمانيين السلبية، وأبرزها انحيازهم إلى نظام البعث، ووقوفهم إلى جانبه، واستفادتهم من سلطته.

لا أريد أن أستعرض كل الكتاب، ولكني أريد أن أناقش عدة أحكام أطلقها الكاتب على الإسلاميين والثورة السورية ومنها: خيانة الإسلاميين للثورة، سرقة الإسلاميين للثورة، هل الثورة إسلامية أم علمانية؟ أسلمة الثورة، وهل الأسلمة مسؤولة عن فشل الثورة؟ عسكرة الثورة ودور الإسلاميين في ذلك إلخ…، وأبيّن أين الصواب والخطأ في العناوين التي تحدث عنها الكاتب فيما سبق.

ثورة إسلامية

ويمكن أن تتحقق الإجابة على قسم كبير من الأسئلة السابقة إذا حررنا مسألة “إسلامية الثورة”، وناقشنا تلك المقولة. فمن البيّن أن الثورة التي انطلقت في 15 آذار (مارس) 2011 في سوريا هي “ثورة إسلامية”، وأوضح ما يكون ذلك في المراحل التالية، وقد جاء ذلك من وضوح غلبة الجمهور الإسلامي على الجمهور الآخر غير الإسلامي، على اختلاف تصنيفاته من علماني وقومي وشيوعي واشتراكي وليبرالي إلخ، وتأكد في اعتماد الإسلام كمرجعية بصورة من الصور لدى معظم الهيئات والتجمعات والفصائل التي خاضت غمار المواجهة والقتال مع النظام وحلفائه، وهذا الموضوع لم يُمار فيه أحد.

لكن اللبس الذي جعل بعض الكتّاب يتهمون الإسلاميين ببعض الأوصاف من مثل: “سرقة الثورة”، أو “خيانة الثورة”، هو أن بدايتها لم تكن إسلامية بشكل صرف، إنما كانت خليطا من الإسلاميين وغيرهم: في قيادتها وشعاراتها. 

وقد جاء غياب الإسلاميين عن القيادة الواضحة للثورة في بدايتها نتيجة العنف غير الطبيعي، الذي مارسه النظام ضد الإسلاميين خلال الخمسين عاما الماضية، والذي استأصل جزءا كبيرا من القيادات الإسلامية، فقتل بعضها، وشرّد بعضها الآخر، وأدخل عشرات الألوف السجون المختلفة، فكان من الطبيعي ألا يظهر الإسلاميون في بداية الثورة، لا في قيادتها ولا في صفوفها الأمامية ولا في شعاراتها، ولكن بعد مضي زمن بسيط على بداية الثورة، وانكسار القبضة الأمنية، وتدمير حائط المخابرات، وسماح الظروف للإسلاميين بالظهور، تبين رجحان أعداد الإسلاميين على الأعداد الأخرى العاملة في الثورة، وظهر ثقل الإسلاميين وتصدروا المشهد، وهذا الرجحان عبّر عن الحقيقة وليس غيرها.

أما اتهام الإسلاميين بـ “خيانة الثورة” بمعنى أنها كانت ثورة ذات مضمون ديمقراطي ليبرالي، ثم خانها الإسلاميون عندما طرحوا مضمونا إسلاميا، فهذا غير صحيح، فالثورة كانت عفوية في انطلاقتها كما هو مؤكد ومجمع عليه، وجاءت متأثرة بمناخ الربيع العربي الذي انطلق من تونس في 17 كانون أول (ديسمبر) 2010، ثم انتقل إلى مصر في 25 كانون ثاني (يناير) 2011، ثم تعدّاه إلى ليبيا في 17 شباط (فبراير) 2011، لذلك انعكست طبيعتها العفوية على شعاراتها، فكانت شعارات عامة، تدعو إلى التخلص من الاستبداد، والتحرر من القهر والكبت والظلم.

وعندما استمرت الثورة لأشهر، ودخل الشعب بمعظمه في أتون الثورة، اتضحت معالمها الإسلامية، وتأكدت إسلامية الثورة، فالموضوع ليس “موضوع خيانة” إنما “موضوع ثقل وموازين”، فعندما أخذت الثورة مجراها الحقيقي، وتفاعلت معها مختلف قوى الشعب السوري، اتضح أن الإسلاميين هم الأكثر جمهورا، والأقوى حضورا، والأكثر فاعلية، لذلك اتضح المضمون الإسلامي للثورة، وهذا متسق مع التاريخ السابق للثورات في سوريا منذ مجيء البعث عام 1963، فبعد أن صعد البعث إلى حكم سوريا عام 1963 قامت عدة ثورات كانت جميعها إسلامية دون استثناء، منها: ثورة جامع السلطان التي قادها مروان حديد عام 1964، والتي انتهت بتدمير جامع السلطان، وثورة الجامع الأموي عام 1965، التي انتهت بدخول الدبابات إلى الجامع الأموي، واحتلال العسكر له. ثم جاءت ثورة عام 1980، التي انتهت بتدمير مدينة حماة عام 1982، وقتل عشرات الألوف من سكانها المدنيين.

ومما يؤكد أنه لم تكن هناك “خيانة للثورة” من الإسلاميين، هو دراسة التاريخ التفصيلي للدولة “الوطنية القومية”، التي قامت بعد الحرب العالمية الأولى على أنقاض الخلافة العثمانية، ومعرفة المقاوم الرئيسي لهذه “الدولة الوطنية”. وعند الدراسة والتدقيق، نجد أن المقاوم الرئيسي لها هم “الإسلاميون” في مصر والعراق وبلاد الشام والسودان والجزائر، وقد جاءت “معارضة الإسلاميين” من أنهم يعبّرون عن “أمة إسلامية”، كانت مستهدفة من الفكر القومي الاشتراكي الذي غزا البلاد بعد الحرب العالمية الأولى والثانية، واستهدف إحداث تغيير نوعي في البناء الثقافي والفكري لهذه الأمة، وإحداث نهضة لهذه الأمة، لكنه لم ينجح في ذلك، وانحسرت موجته بعد نكسة عام 1967، وجاءت الصحوة الإسلامية، واضطرته إلى التنازل عن الاشتراكية، والإبقاء على الفكر القومي.

وقد جاءت ثورات الربيع في مطلع عام 2011 في البلدان العربية موجة من موجات هجوم الأمة على الحكام المستبدين المعادين لها، والمممثلين للتغريب الحضاري والسياسة الغربية في تجلياتها الأخيرة: الفكر القومي، والاقتصاد الرأسمالي، والنزعة الاستهلاكية إلخ…

وتأتي الثورة السورية في ذلك السياق، لأن الشعب السوري جزء من هذه الأمة، وعانى أكثر من غيره من عسف النظام البعثي، ومن ظلم العصابة الأسدية، لذلك فإن ثورته جزء من حركة الأمة الإسلامية في مواجهة هذا الطغيان، وهذا الإفساد، وتعبير عنها، وليس الموضوع “خيانة” للثورة، ولا غيرها من الأقوال.

قوة الإسلاميين

من العناوين التي أطلقها الدكتور برهان غليون في كتابه “قوة الإسلاميين”، وأشار إلى أن هذه القوة تأتي من كتاب مقدس، وحضارة ممتدة، ورموز تاريخية، ويردفها في العصر الحاضر تجربة الإسلاميين في الجهاد في بعض الساحات كساحة أفغانستان. لكنه حاول أن يهوّن من هذه القوة بأن الإسلام يمكن أن يفهم على ثلاثة معان:

  • الأول: وهو الإيمان بجملة العقائد والمقدسات التي تشكل مصدر إلهام للفرد، ويقوم عليها نمط من العبادات والمعاملات التي ينجم عنها تكوين جماعة سماّها “جماعة الإيمان”.
  • والمعنى الثاني: وهو المعنى السياسي، الذي يتجاوز المعنى القرآني، ويعنى بعلاقة “جماعة الإيمان” مع الجماعات الأخرى، وقد اعتبر الدكتور برهان غليون في هذه الفقرة أن الإسلام السياسي هو مذهب في إدارة الدولة، وليس عقيدة أو جزءاً من عقيدة دينية.
  • والمعنى الثالث: هو المعنى الاستراتيجي الذي يحدد علاقة الدولة الإسلامية أو جماعة المسلمين بالدول الأخرى.

واعتبر الدكتور برهان غليون أن التمييز بين المعاني المختلفة للإسلام ضروري لبلورة تعريف دقيق للأسلمة نفسها، لكنّه تجاهل أو جهل أن المعاني الثلاثة تجتمع في مفهوم واحد وهو مفهوم “الأمة الإسلامية” التي امتدت قائمة على مدى أربعة عشر قرناً، وهي ما زالت قائمة إلى اليوم، وهي التي واجهت التغريب على مدى قرنين، وطردت جيوش المحتلين المستعمرين، في مختلف أنحاء العالم الإسلامي.

وهي التي واجهت الطغاة المستبدين ذوي الانتساب القومي والاشتراكي، وتصارعت معهم، وقدّمت ملايين الضحايا في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، والأصل كما قلت إن المعاني الثلاثة منضوية في مفهوم “الأمة الإسلامية” التي ينتمي إليها “المسلم الفرد” حيثما كان، وهو ما بناه الإسلام في مفهومه الشامل لمعالجة كل جوانب الحياة من فكرية وثقافية واجتماعية وسياسية واقتصادية إلخ..، وهو ما جاءت العلمانية العربية المعاصرة لتحاربه، وكان على رأسها علي عبد الرازق في كتاب “الإسلام وأصول الحكم”، والذي أعلن فيه أن الإسلام إيمان ودعوة فقط، وأن الإسلام لا حكم فيه، وأن الحكم من اختراع المسلمين.

الإيمان الإسلامي

يشير الكاتب إلى دور “الإيمان الإسلامي” في حماية الفرد المسلم في سوريا وفي المحافظة على ذاته وهويته، وفي إعطائه الصبر والقدرة على التحمل، ووجود الأمل بالانتصار، في مواجهة الإجرام الأسدي، الذي قام على وضع المجتمع السوري في رعب كامل من خلال أجهزة المخابرات الأربعة عشر التي وضعها رقيبة على كل تصرفات الأفراد، والتي ربط كل معاملات الفرد بها، من أصغرها إلى أكبرها، وأنهى كل حياة مدنية ذات مؤسسات خاصة، وعطّل الحياة السياسية وجعلها مرتبطة بشخص الرئيس وأسرته.

لقد بيّن الكاتب دور الإيمان الفردي في انتشار بعض المظاهر الإسلامية في سوريا خلال الأربعين سنة الماضية، مثل: توسع ظاهرة ارتياد المساجد عند الشباب، والانتشار الواسع لظاهرة حجاب المرأة، وتحكيم الدين في العلاقات الاجتماعية بدلاً من العادات.

لكن الكاتب يعود فيخطّئ الإسلاميين عندما يعتبرون أن مثل هذه العودة إلى المظاهر الدينية هي تعبير عن تمسك الجمهور بالقيم والتطلعات الدينية كما تبلورها التيارات السياسية الإسلامية.

لا أدري لماذا يخطّئ الدكتور برهان الإسلاميين في تصورهم ذاك ووضعهم تلك الأحداث في مساقهم الذي يدعون إليه؟ أليس الحجاب وأداء الصلاة وإقامة الأحكام الشرعية وإقامة الدولة من أوامر الإسلام وواجبات المسلم؟ ليس من شك بأنها تنبع من مشكاة واحدة، وهي مشكاة الإسلام الذي يعالج أمور الدين والدنيا في وقت واحد.

ثم قفز بعد ذلك وقرر أنه لا يوجد تناقض بين الإسلام بالمطلق والعلمانية بالمطلق وإنما هو فقط بين الإسلاميين والعلمانيين، وهذا الكلام غير سديد فهناك تناقض بين الإسلام والعلمانية، وهناك تناقض بين الإسلاميين والعلمانيين، أما التناقض بين “الإسلام والعلمانية” فهو من أوضح الواضحات في الأصول وعشرات المجالات، وإن اتفقا على استخدام العقل واحترامه، ومن الطبيعي أن يكون اختلاف بين “الإسلاميين والعلمانيين”، ومن الممكن تجميد هذا الاختلاف واحتفاظ كل طرف بأيدولوجيته والتعاون لمصلحة الانتصار في مواجهة الاستعمار الغربي والصهيونية والحكام المستبدين، لكن العلمانيين يرفضون هذا التجميد، ويرفضون التعاون إلا إذا تنازل المسلمون عن جانب من أيديولوجيتهم.

وأما استشهاده بتجربة “النهضة” في تونس فيؤكد ما ذهبت إليه فلم يقبل العلمانيون في تونس الإسلاميين إلا بعد أن قدّموا تنازلاً أيدولوجياً، فقد اعتبرت “النهضة” أنه لا يوجد تعارض بين “الإسلام والعلمانية”، وقد عبّر راشد الغنوشي عن هذا الموقف في مقال نشره قبل عدة سنوات، وهو مخطئ في هذا، أما “الإخوان المسلمون” في مصر فلم يصالحهم العلمانيون، ولم يبقوا في الحكم لأنهم لم يرضوا أن يقدموا تنازلاً مماثلاً للعلمانية، لذلك كان مرسي مصيره السجن ثم كانت نهايته القتل.

وقد استعرض الكاتب محاولات المجلس الوطني استجلاب “الحماية للمدنيين” عند ابتداء الثورة بالمظاهرات السلمية، وكيف أنه فشل في ذلك، مع أن هناك قانوناً يخوّل الأمم المتحدة أن تتدخل، إذا كان هناك قمع للمدنيين من قبل الحكام، وتلزمها بحمايتهم، لكن هذا لم يحصل في سوريا، مع أن النظام استخدم كل وسائل الإجرام من: الأسلحة الكيماوية إلى الصواريخ البعيدة المدى، إلى البراميل المتفجرة إلخ….، والسؤال: لماذا لم يحصل التدخل الدولي في سوريا؟ السبب في ذلك أمران:

  • الأول: هو الحرص على بقاء النظام الأسدي لأنه أحسن وأميز وأخلص خادم لإسرائيل.
  • الثاني: البديل الواضح من النظام الأسدي عند تغييره هو الإسلاميون، ووصول الإسلاميين خط أحمر، كما حدث في مصر بعد وصول مرسي، وكما حدث في الجزائر عام 1989.

لذلك على الإسلاميين أن يستفيدوا من هذا الدرس، وأن يحرصوا على الاعتماد على قواهم الذاتية بالاستناد إلى أمتهم في أية محاولة قادمة للتغيير.

الخلاصة

أحسن الدكتور برهان غليون في عرضه جانباً من تاريخ الثورة عام 2011 في كتابه “عطب الذات”، كما أحسن في رصده لمواقف الدول الكبرى من الثورة السورية، وفي تصويره لمعاناة الشعب السوري، وقد أصدر بعض الأحكام الخاطئة في حق الإسلاميين وفي حق الثورة السورية وهو ما ناقشته فيه أثناء استعراضي لبعض مواد وأفكار الكتاب.

رابط المقاال من موقع عربي 21 قراءة هادئة في كتاب عطب الذات.. وقائع ثورة لم تكتمل – د. برهان غليون

ظهرت المقالة قراءة هادئة في كتاب عطب الذات.. وقائع ثورة لم تكتمل – د. برهان غليون أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
https://www.al-ommah.com/%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%a1%d8%a9-%d9%87%d8%a7%d8%af%d8%a6%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%b9%d8%b7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%b0%d8%a7%d8%aa-%d9%84%d9%84%d8%af%d9%83%d8%aa%d9%88%d8%b1/feed/ 0 2084
شرح كتاب “لماذا سقطت الخلافة العثمانية؟: قراءة في عوامل ضعف الأمة” https://www.al-ommah.com/%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d8%b6%d8%a7%d9%81-%d9%85%d9%86%d8%aa%d8%af%d9%89-%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%8a%d8%ae-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%83%d8%aa%d9%88%d8%b1-%d8%ba%d8%a7%d8%b2/ https://www.al-ommah.com/%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d8%b6%d8%a7%d9%81-%d9%85%d9%86%d8%aa%d8%af%d9%89-%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%8a%d8%ae-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%83%d8%aa%d9%88%d8%b1-%d8%ba%d8%a7%d8%b2/#respond Fri, 08 Apr 2016 22:46:45 +0000 https://al-ommah.com/?p=927 استضاف منتدى الكتاب الشيخ الدكتور غازي التوبة لإلقاء محاضرة وشرح كتاب “لماذا سقطت الخلافة العثمانية؟: قراءة في عوامل ضعف الأمة” وإليكم رابط الموضوع.

ظهرت المقالة شرح كتاب “لماذا سقطت الخلافة العثمانية؟: قراءة في عوامل ضعف الأمة” أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
استضاف منتدى الكتاب الشيخ الدكتور غازي التوبة لإلقاء محاضرة وشرح كتاب “لماذا سقطت الخلافة العثمانية؟: قراءة في عوامل ضعف الأمة” وإليكم رابط الموضوع.

ظهرت المقالة شرح كتاب “لماذا سقطت الخلافة العثمانية؟: قراءة في عوامل ضعف الأمة” أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
https://www.al-ommah.com/%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d8%b6%d8%a7%d9%81-%d9%85%d9%86%d8%aa%d8%af%d9%89-%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%8a%d8%ae-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%83%d8%aa%d9%88%d8%b1-%d8%ba%d8%a7%d8%b2/feed/ 0 927
القياس الأصولي والقياس المنطقي: أيهما أكثر صوابًا؟ https://www.al-ommah.com/%d8%a7%d9%84%d9%82%d9%8a%d8%a7%d8%b3-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b5%d9%88%d9%84%d9%8a/ https://www.al-ommah.com/%d8%a7%d9%84%d9%82%d9%8a%d8%a7%d8%b3-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b5%d9%88%d9%84%d9%8a/#respond Sun, 21 Feb 1999 04:46:00 +0000 https://al-ommah.com/?p=761 تعريف القياس الأصولي عَرَف الفقه الإسلامي القياس الأصولي الذي يقوم على أربعة أركان هي: الأصل والفرع وحكم الأصل وعلّة الحكم، وقد عرفه الأصوليون فقالوا: هو إلحاق واقعة لا نص على حكمها بواقعة ورد نص بحكمها، في الحكم الذي ورد به النص، لتساوي الواقعتين في علّة الحكم. ويمكن أن نمثّل على […]

ظهرت المقالة القياس الأصولي والقياس المنطقي: أيهما أكثر صوابًا؟ أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
تعريف القياس الأصولي

عَرَف الفقه الإسلامي القياس الأصولي الذي يقوم على أربعة أركان هي:

الأصل والفرع وحكم الأصل وعلّة الحكم، وقد عرفه الأصوليون فقالوا: هو إلحاق واقعة لا نص على حكمها بواقعة ورد نص بحكمها، في الحكم الذي ورد به النص، لتساوي الواقعتين في علّة الحكم.

ويمكن أن نمثّل على القياس الأصولي بالمثال التالي: شرب الخمر واقعة ثبت بالنص حكمها، وهو التحريم الذي ورد في قوله عز وجل: (إنما الخمرُ والمَيْسِرُ والأنْصابُ والأزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عملِ الشيطانِ فاجْتَنِبوهُ) (المائدة: 90) لعلّة هي الإسكار، فكل نبيذ توجد فيه هذه العلّة يُسوَّى بالخمر في حكمه ويحرم شربه.

القياس الأصولي مصدر للتشريع

وقد اعتبر القياس الأصولي في مرحلة لاحقة مصدراً من مصادر التشريع، وكان الشافعي أبرز العلماء الذين قننوا القياس الأصولي. وقد كان هذا القياس مثار شغب في الماضي والحاضر، ومن أبرز الذين شغبوا عليه:

وقد كان هذا الشغب لصالح قياس آخر هو القياس المنطقي الذي ينسب إلى أرسطو المعلم الأول.

الغزالي وابن حزم

فقد اعتبر الغزالي في كتاب “المستصفى” أنّ المنطق مقدمة العلوم كلها ومن لا يتقن المنطق فلا ثقة بعلومه، وكان ابن حزم قد سبق الغزالي في الدعوة إلى استخدام المنطق في كتاب “التقريب لحدود المنطق”.

وكان قد رفض القياس الأصولي لأنه يقوم على التعليل، وهذا الموقف استمرار لموقفه الظاهري الذي يقوم على أنّ أقوال الله عز وجل وأوامره غير قابلة للتعليل ولا حكمة فيها.

الجزم بالحكمة في أقوال الله

وقد نحا علماء آخرون منحى آخر فقالوا بخلاف ما قاله ابن حزم، وجزموا بالحكمة في أقوال الله عز وجل وأوامره ونواهيه وشرائعه، واستشهدوا على وجهة نظرهم ببعض الآيات التي ورد فيها مثل هذا التعليل كقوله عز وجل في بعث الرسل:

  • (رُسُلاً مُبَشِّرينَ ومُنْذِرينَ لِئَلاَّ يكونَ للناسِ على اللهِ حُجَّةٌ بعدَ الرُّسُل) (النساء: 165).
  • (وما أَرْسَلْناكَ إلا رَحْمَةً للعالَمينَ) (الأنبياء: 107).

وكقوله عز وجل في أصل الخلقة:

  • (وما خَلَقْتُ الجِنَّ والإِنْسَ إلا لِيَعْبُدون) (الذاريات: 56).
  • (الذي خَلَقَ المَوْتَ والحياةَ لِيَبْلُوَكُم أَيُّكُم أَحْسَنُ عَمَلاً) (الملك: 2).

وقد ذهب ابن القيّم الجوزية إلى صعوبة إحصاء الآيات والأحاديث التي ورد فيها تعليل الأحكام لكثرتها، وقد أخذ هذا الاتجاه مداه على يد الشاطبي في علم المقاصد حيث قنّن قواعده وفنونه في كتاب “الموافقات”.

تفنيد القياس المنطقي

وهناك عدد كبير من العلماء فنّدوا منطق أرسطو واعتبروه لا يضيف علماً، كما فنّدوا القياس المنطقي المنبثق عنه، ومن أبرزهم:

  • ابن تيمية في عدة كتب منها: “نصيحة أهل الإيمان في الرد على منطق اليونان”.
  • وسار على منواله تلميذه ابن القيّم الجوزية.

ومن المفيد في هذه المرحلة التي مازالت فيها أصوات تدعو لاعتماد القياس المنطقي وتهوّن من شأن القياس الأصولي، ومن ضمنهم الدكتور محمد عابد الجابري، من المفيد إجراء الموازنة بين القياسين:

الأصولي والمنطقي من أجل تقرير أيهما أكثر إفادة للعلم، وأيهما ساندته العلوم الحديثة.

قواعد القياس المنطقي

وقبل الولوج بالموازنة بين القياسين: الأصولي والمنطقي، سأوضح بعض القواعد التي قام عليها القياس المنطقي اعتماداً على كتاب “المستصفى” للغزالي، فقد بيّن فيه أنّ إدراك الأمور تبدأ من إدراك الذوات المفردة، ثم إدراك نسبة هذه المفردات بعضها إلى بعض بالنفي أو الإثبات.

كما تنسب القِدَم إلى العالم بالنفي فتقول: ليس العالم قديماً،

  • والأول: أي الذوات المفردة الذي يستحيل فيه التصديق والتكذيب،
  • والضرب الأخير: هو الذي يتطرق إليه التصديق والتكذيب.

وقد سمى المنطقيون معرفة المفردات تصوراً، ومعرفة النسبة الخبرية بينهما تصديقاً، فقالوا: العلم إما تصور وإما تصديق، ثم بيّن أنّ المطلوب من المعرفة لا يُقتنص إلا بالحدّ، والمطلوب من العلم الذي يتطرق إليه التصديق والتكذيب لا يُقتنص إلا بالبرهان.

وينتهي الغزالي إلى القول: “فالبرهان والحدّ هو الآلة التي تُقتنص بها سائر العلوم المطلوبة”. ووضح الغزالي حد الشيء فقال: هو حقيقته وذاته.

وفي قول آخر: هو اللفظ المفسّر له على وجه يمنع ويجمع. واعتبر أنّ برهان القياس المنطقي لابد له من مقدمتين:

الأولى يجب أن تحتوي معنى كلياً ثم مقدمة وسطى ثم تأتي النتيجة كقولنا:

كل إنسان فان، سقراط إنسان، إذن سقراط فان.

الملاحظات على القياس المنطقي

ويمكن أن توجّه الملاحظات التالية إلى القياس المنطقي ومنها:

أنه لا ضرورة للقضية الكلية وأنه ما من قضية كلية وتجعل مقدمة في البرهان إلا والعلم بالنتيجة ممكن بدون وجودها، وأنّ ما ثبت للكلّ فقد ثبت لكل واحد من جزئياته.

وإنّ المقدمة الوسطى لا ضرورة لوجودها أيضاً فإنّ أنماطاً من التصديقات لا وجود فيها للحد الأوسط منها: البديهي، والمتواترات، والمجرّبات. كما أنّ المقدمتين لا ضرورة لوجودهما في علم نظري فالدليل قد يكون من مقدمة واحدة وقد يكون من مقدمتين وقد يكون من ثلاث مقدمات.

ويوجه النقد إلى حد المناطقة بأنه لا يصور المحدود، إنما هو تصوير للماهية، والماهية تابعة لما يتصوره الذهن، وليست تابعة إلى الحقائق ذاتها في الخارج. وكل فرد يمكن أن يخترع ماهية في نفسه تغاير ما اخترعه الآخر، لذلك فإنّ الحد الأصولي أقرب إلى معرفة المحدود من حد المناطقة من جهة كونه يصوّر بالمشاهدة والمعاينة التي تؤدي إلى التمييز بينه وبين غيره، وهو في هذا أوجز وأجمع وأخصّ.

وأما القول بأنّ التصديق لا ينال إلا بالقياس فهذه القضية غير صحيحة لعدم وجود دليل على صدقها، وأنّ مدار الاستدلال على مادة العلم لا على صورة القياس.

الخلاصة

والخلاصة التي يمكن أن ننتهي إليها جواباً على السؤال الذي طرحناه كعنوان لهذا المقال وهو: أيهما أكثر صواباً: القياس الأصولي أم المنطقي؟ نجد أنّ الجواب على هذا السؤال مرتبط بسؤال آخر: هل العلم يأتي من القضية الجزئية أم القضية الكلية؟

الحقيقة إنّ العلم يأتي من القضية الجزئية، وفي المقدمة الكبرى التي ذكرناها في القياس المنطقي وهي “كل إنسان فان” فإنّ هذه المقدمة جاءت نتيجة للعلم بأنّ فلاناً مات، وبأنّ فلاناً الثاني مات، وبأنّ فلاناً الثالث مات، إلخ…

وهكذا حتى تتكون لدينا القاعدة الكلية: “كل إنسان فان”، إذن العلم بدأ بالقضية الجزئية وانتهى بالكلية، وهو ما أيدته العلوم الحديثة فقد بدأت أوروبا تتخلّى عن القياس المنطقي، وتضع أسساً تلتقي فيها مع الأسس التي يقوم عليها القياس الأصولي.

ظهرت المقالة القياس الأصولي والقياس المنطقي: أيهما أكثر صوابًا؟ أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
https://www.al-ommah.com/%d8%a7%d9%84%d9%82%d9%8a%d8%a7%d8%b3-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b5%d9%88%d9%84%d9%8a/feed/ 0 761
الكتاب والقرآن: قراءة معاصرة.. للدكتور محمد شحرور- دراسة وتقويم https://www.al-ommah.com/shah/ https://www.al-ommah.com/shah/#comments Thu, 26 Mar 1998 13:36:00 +0000 https://al-ommah.com/?p=915 ألّف الدكتور محمد شحرور كتاباً تحت عنوان (الكتاب والقرآن: قراءة معاصرة) زعم فيه أنه أراد حل مشكلة الجمود الذي سيطر على الفكر الإسلامي لعدة قرون، والذي دعاني إلى كتابة هذه الدراسة عدة أمور: الأول: تزكية روبرت بللترو – وكيل وزارة الخارجية الأمريكية السابق – لكتاباته ووجهات نظره، وقد جاءت هذه […]

ظهرت المقالة الكتاب والقرآن: قراءة معاصرة.. للدكتور محمد شحرور- دراسة وتقويم أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
ألّف الدكتور محمد شحرور كتاباً تحت عنوان (الكتاب والقرآن: قراءة معاصرة) زعم فيه أنه أراد حل مشكلة الجمود الذي سيطر على الفكر الإسلامي لعدة قرون، والذي دعاني إلى كتابة هذه الدراسة عدة أمور:

  1. الأول: تزكية روبرت بللترو – وكيل وزارة الخارجية الأمريكية السابق – لكتاباته ووجهات نظره، وقد جاءت هذه التزكية في تصريح أشاد فيه بثلاثة كتّاب هم: محمد سعيد العشماوي من مصر، ومحمد أركون من الجزائر، ومحمد شحرور من سورية.
  2. الثاني: تزويد القارئ المسلم بنموذج من صور الانحراف والضلال في بعض الكتابات التي تزعم التجديد في الإسلام دون استخدام الأصول والمنطلقات الصحيحة التي رسمها الإسلام.

وأود أن أنبه منذ البداية أنني لا أستطيع أن أرد على كل الأخطاء التي وردت في الكتاب وذلك لضخامة حجمه الذي يبلغ (819) صفحة من جهة، ولكثرة الموضوعات التي تحدث عنها الكاتب من جهة ثانية، ولكني سأرد على بعض النقاط التي أراها أكثر خطورة من غيرها، والتي يتّسع المقام للرد عليها.

اعتماد المنهج اللغوي في تحديد معاني الألفاظ

الدكتور محمد شحرور

الدكتور محمد شحرور

استعرض الدكتور محمد شحرور في بداية كتابه منهجه الذي أقام بناء كتابه عليه وهو اعتماد المنهج اللغوي في تحديد معاني الألفاظ، واعتماد عدم وجود الترادف في اللغة مستنداً على نظرية أبي علي الفارسي، وقد أحسست من دراستي للكتاب بأنه يظن أنه أول المكتشفين لهذا المنهج، ولكن الحقيقة أن المعتزلة سبقوه إلى هذا المنهج معتمدين على قوله تعالى: (وما أَرْسَلنا مِنْ رسولٍ إلا بلسانِ قومِهِ لِيُبَيِّنَ لهم فيُضلّ اللهُ مَنْ يشاء ويهدي مَنْ يشاء وهو العزيز الحَكيم) (إبراهيم: 4) فأوقعهم هذا المنهج في ضلالات متعددة أبرزها حصرهم معنى الكلمة بالمعنى اللغوي وحده، وقد ردَّ أبن تيمية عليهم معتمداً على منهج أهل السنة في النظر إلى هذه الألفاظ، فبيّن أنّ بعض الألفاظ مثل: الإيمان، الصلاة، الكفر إلخ..

نقلها الشرع من معناها اللغوي وأعطاها معنى آخر، فأصبحت مصطلحاً محدّداً وضّحه القرآن والسنة توضيحاً كاملاً، فمثلاً لفظ الإيمان يعني لغة التصديق لقوله تعالى: (وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ) (يوسف: 17) بمعنى وما أنت بمصدّق لنا، لكنه يعني في الشرع الإيمان بالله والملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر والقضاء والقدر، ويعني الإيمان بالله بصفاته التي وردت في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة، وكذلك قل بالنسبة لبقية الأركان التي دخلت في مسمّى الإيمان، وقد أجمل بعض علمائنا تعريف الإيمان فقالوا: الإيمان قول باللسان، وتصديق بالجنان، وعمل بالأركان.

وقد نتجت فروق رئيسية بين الإيمان عند المعتزلة وعند أهل السنّة نتيجة الخلاف في منهج التعامل مع كلمة الإيمان أبرزها: إدخال أهل السنّة العمل في مسمّى الإيمان وبالمقابل عدم إدخال المعتزلة له، فشتان ما بين الإيمان لغة واصطلاحاً.

وكذلك الصلاة في اللغة تعني الصلة والدعاء، لكن الصلاة في الشرع أصبحت مصطلحاً يدل على أعمال منها: القيام، والركوع، والسجود، وقراءة الفاتحة، والتسبيح إلخ… ويجب أن يسبق تلك الأعمال شروط منها: طهارة البدن، وطهارة الثياب، وطهارة المكان، ودخول الوقت إلخ…، ويجب أن يرافق ذلك أعمال قلبية منها: الخشوع، والاطمئنان، والتعظيم، والتذلّل إلخ… فشتان ما بين الصلاة لغة واصطلاحاً.

مناقشة الدكتور محمد شحرور

والآن بعد هذا التوضيح لمنهج أهل السنّة في التعامل مع المصطلحات الشرعية واختلافه مع منهج المعتزلة، نعود إلى مناقشة الدكتور محمد شحرور ونشير إلى الأمور التالية:

1- كرّر الدكتور محمد شحرور خطأ المعتزلة في عدم التمييز بين المصطلحات والألفاظ، فالألفاظ التي تعرض لها الدكتور مثل: الكتاب، والقرآن، والنبي، والرسول، وأم الكتاب، والسبع المثاني إلخ… لم تعد ألفاظ تحتاج إلى أن نستقرئ معناها اللغوي في المعاجم، بل علينا أن نستقرئ معناها في مصادر الشرع، لذلك فإنّ كل الفروقات والتمييزات والمعاني التي حاول أن يستنبطها الدكتور محمد شحرور من معاني الألفاظ المعجميّة وحدها إنما هو أمر لا طائل تحته، وكل النتائج التي بناها على التفريق بين الكتاب والقرآن، وأنّ القرآن هو الآيات المتشابهات والسبع المثاني إلخ… نتائج غير صحيحة لأن الشرع هو الذي حدّد مضمون هذه الألفاظ، وعلى كل من يريد أن يفهم الدين عليه أن يدخله من باب مصطلحاته الخاصة التي رسمها وحدّد معناها، وفي تقديري إنّ مثل هذه الخطوة طبيعية وهي من حق كل مذهب وعلم ودين أن يحدّد مصطلحاته الخاصة التي تكون مدخلاً له.

2- حمّل الدكتور محمد شحرور بعض الألفاظ معاني لا تسمح بها اللغة ولا سياق النص، ومن أمثلة ذلك تفسيره عبارة أم الكتاب التي وردت في ثلاث آيات كريمة برسالة محمد -صلى الله عليه وسلم- وأضاف إلى ذلك تحديد مضمون تلك الرسالة وهي الحدود والأخلاق والعبادات وتعليمات خاصة وعامة، ولو فسّرنا كلمة “أم الكتاب” معجميّاً لوجدناها تعني “أصل الكتاب”، ولو استقرأنا الآيات التي وردت فيها تلك العبارة لوجدنا أنها تحتمل معنيين:

  • الأول: الآيات المحكمات. وذلك لقوله تعالى: (وَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) (آل عمران: 7) وقد فصّلت كتب علوم القرآن تعريف المحكم وتعريف نقيضه المتشابه.
  • الثاني: اللّوح المحفوظ: وذلك لقوله تعالى: (يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ۖ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) (الرعد: 39) ولقوله تعالى: (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ) (الزخرف: 4).

وفي كلا الحالين يتّضح تحميل الدكتور محمد شحرور للفظ “أم الكتاب” معاني لا يحتملها التحليل اللغوي ولا سياق النّص، وممّا يزيد في اعتسافه أنه حدّد الآيات المحكمات بالحدود والأخلاق والعبادات، لكنّه يمكن أن تكون الآيات المحكمات في صفات الله تعالى، أو بعض آيات الجنّة والنّار إلخ… كقوله تعالى: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) (الصمد: 1)، وكقوله تعالى: (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ) (الصمد: 3)، وكقوله تعالى عن الجنّة: (لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ) (فاطر: 35) إلخ…

3- اعتسف الدكتور محمد شحرور في التفسير اللغوي لبعض الألفاظ، فهو قد اعتبر قول القائل “سبحان الله” إقراره بقانون هلاك الأشياء -ما عدا الله- نتيجة التناقض الذي تحويه داخليّاً، وهو قد استهزأ بكل التفسيرات التي تعتبر قول المسلم “سبحان الله” بمعنى تنزيه الله عن كل نقص وعيب، ووصفه -تعالى- بكل صفة كمال، وكانت حجّته في ذلك أنّ النقائص والعيوب تحمل مفهوماً نسبيّاً، ولا أدري ما الذي يضير المعنى عندما ينزّه المسلم الله عن كل عيب مطلق أو نسبي؟! ولكن هناك قضية أخرى بالإضافة إلى اعتساف الدكتور في مجال المعنى هي أنّ عبارة “سبحان الله” تتألّف من مضاف ومضاف إليه، والتي تعني إضافة شيء إلى ذات الله، والواضح أنّ صيغتها النّحويّة لا تسمح بتفسيرها إلا بالمعنى الذي قال به علماء التفسير وهو إضافة التنزيه لذات الله، ولا تسمح صيغتها النّحويّة بالمعنى الذي ذهب إليه الدكتور محمد شحرور.

رفضه للسنة

محمد شحرور

ومما زاد في خطأ استنتاجه وأحكامه في أحيان كثيرة رفضه للسنة كمبيّن ومقيّد ومفصّل لآيات القرآن الكريم، ليس هذا فحسب بل اعتباره تطبيق الرسول صلى الله عليه وسلم للإسلام هو اجتهاده غير الملزم لنا في شيء، وهو فهمه الخاص المرتبط بالمستوى المعرفي للجزيرة العربية، وهو فهم نسبي، وهو في هذا يلتقي مع كثير من الفئات المنحرفة التي عادت السنة المشرفة قديماً كالمعتزلة والخوارج، ويلتقي مع كثير من الشخصيات التي هوّنت من شأن السنة حديثاً ودعت إلى طرحها جانباً: كحسين أحمد أمين، ومحمد أبو القاسم حاج حمد إلخ…

وليس من شك بأن هذه الأقوال في التهوين من شأن السنة المشرّفة والدعوة إلى طرحها جنباً، تتناقض تناقضاً كاملاً مع أمر الله تعالى في عشرات الآيات الكريمة من القرآن الكريم بطاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى جانب طاعته سبحانه وتعالى، وقد أشار إلى جانب من ذلك الشافعي -رحمه الله- في بداية كتاب “الرسالة”، والتي تساءل فيها: من أين لنا أن نستدل على لزوم طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم؟

فأجاب بأن القرآن هو الذي وجّهنا إلى ذلك، وأوجب علينا ذلك، واستشهد بالآيات التي أمرت بطاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومنها قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ) (النساء: 59)، ومنها: (مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) (النساء: 80)، ومنها: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا) (الحشر: 7)، ومنها: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) (النور: 51) إلخ…

إنّ النظر إلى القرآن وحده دون الأخذ بالسنة معه هو الذي جعل الكاتب يخرج علينا بتفاسير غريبة لبعض الآيات الكريمة أو بعض المعاني القرآنية: كالقيامة والبعث والصور والساعة والسّبع المثاني إلخ… وسأمثّل لذلك بمثال واحد هو تفسيره للسّبع المثاني التي أورد ما جاء عن أصلها في مقاييس اللغة فقال: (المثناةُ : طرف الزمام في الخشاش) وإنما يثنى الشيء من أطرافه، فالمثاني إذاً أطراف السور وهي إذن فواتحها، فتوصّل إلى أنّ السبع المثاني هي سبع فواتح للسور، فإذن السبع المثاني هي الفواتح التالية:

1- ألم 2- ألمص 3- كهيعص 4- يس 5- طه 6- طسم 7- حم ثم نظر إلى الأحرف التي تتضمنها الآيات السبع السابقة فوجدها تتألف من 11 حرفاً، وأخذ الأحرف التي وردت في بداية سور أخرى ولم ترد في الفواتح السابقة فوجد أنها ثلاث هي:

1- القاف 2- الراء 3- النون. نجمعها مع الأحرف السابقة فصارت أربع عشر أحرفاً، وأشار إلى أنها أصبحت (7 × 2) وهي أيضاً سبع مثان.

وربط بين ما توصّل إليه وهو أنّ أحرف السور الفواتح بلغت أحد عشر حرفاً وبين قول علماء اللغويات واللسانيات من أنّ الحد الأدنى لأية لغة إنسانية معروفة في العالم هو أحد عشر صوتاً، واعتبر أنّ هذا هو الحد الأدنى اللازم من الأصوات لأي تفاهم بيننا وبين أية مخلوقات يمكن أن توجد في الكواكب الأخرى في المستقبل.

هذا ما أورده الدكتور محمد شحرور في تفسيره للسبع المثاني، ولنرَ ما ورد في السنّة عن تفسير السّبع المثاني لنرَ مدى ابتعاده عن الصواب لغة وشرعاً وعقلاً.

قال الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله تعالى- في مسنده عن أبي سعيد بن المعلّى رضي الله عنه قال: “كنت أصلّي فدعاني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلم أجبه حتى صلّيت، قال: فأتيته فقال: ما منعك أن تأتيني؟ قال، قلت: يا رسول الله إني كنت أصلّي قال: ألم يقل الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) (الأنفال: 24) ثم قال: لأُعلّمنّك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد. قال: فأخذ بيدي فلمّا أراد أن يخرج قلت: يا رسول الله إنك قلت لأعلّمنّك أعظم سورة في القرآن. قال: نعم “الحمد لله رب العالمين” هي السّبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته”. وقد وردت بعض الروايات تفسّر الفاتحة بالسّبع المثاني فقط، والآن: هل بعد تفسير الرسول صلى الله عليه وسلم للسّبع المثاني من تفسير؟

لا أظن أنه يجوز لمسلم بعد أن يسمع تفسير الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتطلع إلى تفسير آخر، وأحب أن أُنوّه بالإضافة إلى ما سبق إلى أنّ تفسير السنّة للسّبع المثاني أصوب من ناحية لغويّة مما ورد عند الدكتور محمد شحرور لأنه اختار كلمة مثناة وترك الأصل ثني، وقد جاء في مقاييس اللغة عن الأصل ثني ما يلي:

“الثاء والنون والياء أصل واحد وهو تكرير الشيء مرتين، أو جعله شيئين متواليين أو متباينين” والحقيقة إنّ هذا التعريف اللغوي أكثر انطباقاً على الفاتحة وهو أصل المعنى لأن الفاتحة سبع آيات تتكرّر وتثنى في كلّ صلاة، لذلك لم يأخذ به الدكتور محمد شحرور واختار كلمة أخرى هي “المثناة” ليجعلها أصلاً في دراسته، وليصوغ النتيجة التي يريد أن يتوصّل إليها وهي مطابقة الأحرف في فواتح السور مع أصل الأصوات في اللغات الإنسانية.

وقد انتبه خيار الصحابة إلى أنّ فهم القرآن الكريم دون ربطه بالسنّة قابل لكل التفسيرات، لذلك وجّه علي بن أبي طالب ابن عبّاس رضي الله عنهما أن يحاجج الخوارج بالقرآن الكريم والسنّة المشرفة معاً عندما أرسله لمناقشة الخوارج فقال له: لا تحاججهم بالقرآن وحده فإنّ القرآن حمّال أوجه، حاججهم بالسنّة.

فتح ثغرة في فهم المسلمين

محمد شحرور

حرص الدكتور محمد شحرور على فتح ثغرة في فهم المسلمين للنص القطعي الثبوت القطعي الدلالة، وهو في هذا يلتقي مع عدد من الكتّاب يركّزون على فتح هذه الثغرة في هذا الوقت من أمثال: عادل ضاهر، وحسين أحمد أمين، ونصر أبو زيد، ومحمد سعيد العشماوي إلخ…

وكل كاتب تناول بعضاً من هذه الآيات، فنصر أبو زيد تناول آيات صفات الله تعالى، وأحمد أمين تناول آيات الحدود، ومحمد سعيد العشماوي تناول آيات الحجاب والمرأة، وعادل ضاهر تناول النص القطعي الثبوت القطعي الدّلالة بشكل عام وضرورة فهمه فهماً جديداً مبايناً لكل الأفهام السابقة، وكل واحد منهم دعا إلى أن نطور فهمنا لهذه الآيات القطعية الثبوت القطعية الدلالة، ودعوا إلى عدم التوقف عند فهم الرسول والصحابة وعند فهم علماء المسلمين هذا الفهم الذي استمر على مدار ألف وأربعمائة عام بل يجب أن نفهمها على ضوء معطيات العصر الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، وحشد كل منهم حججه الخاصة، ولكن قبل أن أستعرض حجج الدكتور محمد شحرور أود أن أنبه إلى خطورة الانسياق في هذه الدعوة التي تنتهي إلى مسخ الدين، وجعله أُلعوبة بيد أصحاب الأهواء، وينتهي حينئذ ديننا إلى ما انتهت إليه الأديان السابقة بأن يكون مبرراً لكل انحرافات البشر وتابعاً لانحدارهم.

تناول الدكتور محمد شحرور كل النصوص القطعية الثبوت القطعية الدّلالة تقريباً فهو تناول آيات الحدود وآيات الربا وآيات الميراث وآيات الطلاق والزواج إلخ… المهم أنه انتهى من تناوله لكل الآيات السابقة إلى فهمها فهماً جديداً مخالفاً لكل الأفهام التي طرحت سابقاً، فهو بالنسبة للربا حرّم ربا أضعاف المضاعفة، وبالنسبة لآيات الميراث أباح التلاعب بالأنصبة التي حدّدها الشرع لكل فرد من أفراد الأسرة، وبالنسبة لتعدد الزوجات أباحه من الأرامل ذوات الأولاد، وبالنسبة لمعالجة الزوجة الناشز فقد ألغى بعض مراحل معالجة نشوزها إلخ…

وقد استند كل مَنْ تناول النص القطعي الثبوت القطعي الدّلالة على شبهة تطور المحيط البشري، فهناك الجديد المتطور باستمرار في العلم والأدوات والأشياء والوسائل إلخ.. وبالتالي يجب أن يكون هناك تطور بالأحكام مرافق للتطور المحيط بنا، ولكن نسي أولئك القائلون بذلك القول أنّ هناك أشياء ثابتة في كيان الإنسان إلى جانب الأشياء المتطورة والمتغيرة التي أشاروا إليها، وإنّ الإسلام عندما وضع آيات الحدود والميراث والزواج والطلاق والمرأة إلخ… ربطها بالجانب الثابت من الكيان الإنساني، فهناك التجاذب بين الذكر والأنثى، وهناك الأسرة، وهناك شهوة المال، وشهوة النساء، وشهوة الانتقام الخ.. وهي أمور ثابتة إلى قيام الساعة فلابد من حدود ثابتة مرتبطة بها، فكانت تشريعات الزواج والطلاق والميراث وأحكام الأسرة، وحدود السرقة، والزنى، والقتل.

وإنّ أكبر دليل على أنّ الإسلام دين الله العليم الخبير هو أنه راعى الثابت والمتحوّل في الكيان الإنساني والحياة البشرية، فأنزل الشرائع الثابتة للجوانب الثابتة في كيان الإنسان، وأعطى أُطراً عامة للأمور المتحولة في حياة الإنسان، فالإسلام مثلاً أعطانا أحكاماً عامة محدودة في مجال الحياة الاقتصادية فحرّم الربا وأحلّ البيع وأوجب الزكاة وفرض الميراث ولم يلزمنا بزراعة معيّنة ولا بطرق زراعيّة معيّنة ولا بموادّ معيّنة ولا بتجارة معيّنة ولا بصناعة معيّنة إلخ… إنما ترك ذلك لظروف الزمان والمكان.

ولقد حدّثنا القرآن عن أمور غيبيّة متعددة، فحدثنا الله تعالى عن ذاته وعن الجنّة والنار والملائكة وخلق الإنسان وخلق الكون إلخ… ومن الواضح أنّ قوانين عالم الغيب لا تنطبق بحال على عالم الشهادة، وإن معظم الضلال الذي وقع فيه الفلاسفة والمعتزلة جاء من قياس عالم الغيب على عالم الشهادة وسحب قوانين الشهادة على عالم الغيب، وقد وقع الدكتور محمد شحرور في هذا الخطأ، ومن أمثلة هذا قياسه كلام الله على كلام البشر، لذلك تخيّل أنّ القرآن الموجود في اللوح المحفوظ لابد له من الانتقال إلى صيغة لسانية عربية قبل إنزاله على محمد -صلى الله عليه وسلم- ليلة القدر وهي ليلة إشهار القرآن الكريم في نظره.

ولكن هذا القرآن الكريم الذي تكلّم الله به والذي كان موجوداً في اللوح المحفوظ، لا نعرف الكيفية التي تكلم الله بها لأننا نجهل ذات الله وبالتالي لا نستطيع أن نخوض في هذه التفصيلات لأنها ستكون بلا سند شرعي أو عقلي.

الفهم الخاطئ للقضاء والقدر

دندن الدكتور محمد شحرور كثيراً على الجبريّة في فهم القضاء والقدر، مع أنّ المسلمين الأوائل لم يفهموا القضاء والقدر بحال من الأحوال على أنّه السلبية والتواكل وسلب الإرادة، بل فهموا القضاء والقدر على أنه الإيجابية نحو الأحداث، والأخذ بالأسباب وثمّ التوكل على الله، كذلك كان فهم القضاء والقدر بتلك الصورة عاملاً إيجابياً في بناء الشخصية المسلمة على مدار التاريخ، وفي دفعها إلى الفعل والبناء وإعمار الكون، وجلّ الدَخَن الذي دخل فهم المسلمين للقضاء والقدر من ثقافات خارجية وأبرزها التصوف الذي رسّخ السلبية، ودعا إلى إسقاط التدبير والانشغال بالذات وترك الخلق للخالق.

وقد تجاوز المسلمون هذا الفهم الخاطئ للقضاء والقدر في العصر الحديث، وجاء ذلك نتيجة عاملين:

  • الأول: إبراز معظم الصالحين أوجه القصور في فهم القضاء والقدر الذي ورثناه في العصور المتأخرة، وإبراز الصورة الصحيحة لما يجب أن يكون عليه الإيمان بالقضاء والقدر.
  • الثاني: انحسار موجة التصوف التي كانت سبباً في رواج الفهم الخاطئ للقضاء والقدر.

لذلك فإني أرى أنّ دندنة الدكتور محمد شحرور حول القضاء والقدر ليست في محلّها بعد أن تجاوز المسلمون هذه الظاهرة في وقتنا الحاضر.

اعتماد د. محمد شحرور على عقله وحده في التفسير

محمد شحرور

اعتمد الدكتور محمد شحرور على عقله وحده في تفسير كثير من الآيات الكريمة فجاء بعجائب من التفسير، وهو أمر طبيعي لكل من اعتمد على العقل وحده دون المزاوجة بين العقل والنقل في فهم الآيات وتفسيرها، ودون الاعتماد على المأثور من الأقوال، ونستطيع أن نمثّل على مقولتنا بآيتين:

الأولى: قوله تعالى: (وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ) (فاطر: 24) فسّر النذير بالملاك، وقرّر أنّ الله كان يرسل ملائكة إلى البشر قبل نوح عليه السلام الذي اعتبره أوّل رسول إلى البشر، وزعم أنّ قوله تعالى: (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ) (الشعراء: 105)، وقوله تعالى: (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ) (القمر: 23) يعني أنّ تلك الأقوام كذّبت بنبيّهم وبالملائكة الذين أرسلوا إلى البشر يكلّمونهم ويدعونهم، ورفض التفسير الذي ذكرته معظم التفاسير وهو أنّ الله سبحانه بيّن أنّ تكذيب رسول واحد يعني تكذيب جميع رسله، لذلك جاءت كلمة الرسل بالجمع وليس بالمفرد لتشير إلى هذا المعنى.

الثانية: قوله تعالى: (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) (القصص: 88) فسّرها بأنّ هذا الكون يحمل تناقضاته، وأنّ المادة تحمل تناقضها معها، لذلك فإنّ هذا الكون سيتدمّر وسيتبدّل وسيهلك، ولكن هلاكه سيحوّله إلى مادة أخرى، وهذا هو تفسيره ليوم القيامة، وهو يعتبر أنّ الجنّة والنار غير موجودتين وستوجدان عند تحوّل هذا الكون إلى مادة أخرى، وهو في هذا يرفض الأحاديث الشريفة التي قرّرت وجود الجنّة والنار، ولا أريد أن أسرد عشرات الآيات والأحاديث التي تدحض تفسيره للآية السابقة، ولكنّي أريد أن أسأله بمنطقه اللغوي الذي اعتمده: كيف يمكن أن يوفّق بين المدلول اللغوي للآية الكريمة السابقة وهو الذي يعني بكل بساطة فناء المخلوقات الأخرى وهلاكها وبين تحوّلها إلى مادة أخرى؟ فأين هو إذن الهلاك للمادة؟

التأويل أحد مباحث علوم القرآن، ويحتوي على عدة أقسام مقبولة منها: التأويل بمعنى تحقيق الشيء، ومنها: التأويل بمعنى التفسير، ولكن علماءنا حذّروا من أحد أقسامه التي تقوم على صرف ألفاظ الآية المؤوّلة عن المعنى الراجح إلى معنى مرجوح لا تسمح به اللغة، وقد جاء تحذيرهم ذلك نتيجة استخدام الفِرَق المنحرفة له في خدمة أهوائها وضلالاتها، ولأنه أدّى إلى ضياع حقائق الدين ومعالمه التي رسمها محمّد -صلى الله عليه وسلم-، فهل أخذ الدكتور محمد شحرور بهذا التأويل؟ نعم لقد أخذ به، ليس هذا فحسب، بل دعا وقَنَّن له، ولن أعرض لكل تلك التأويلات لكن سأعرض لواحد منها.

قال تعالى في سورة الفجر: (وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ) (الفجر: 1-3)، فسّر الدكتور محمد شحرور الآيات السابقة بما يلي:

“فالخلق الأول بدأ بانفجار كوني هائل حيث قال: (وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ) حيث إنّ الفجر هو الانفجار الكوني الأول “وليال عشر” معناه أنّ المادة مرّت بعشر مراحل للتطوّر حتى أصبحت شفّافة للضوء، لذا أتبعها بقوله: “والشفع والوتر” حيث أنّ أول عنصر تكوّن في هذا الوجود وهو الهيدروجين وفيه الشفع في النواة والوتر في المدار، وقد أكّد هذا في قوله: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ) (هود: 7) والهيدروجين هو مولّد الماء، أي بعد هذه المراحل العشر أصبح الوجود قابلاً للإبصار لذا قال: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ۖ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) (الأنعام: 1)” -الكتاب والقرآن: قراءة معاصرة. ص235-.

ليس من شك بأنّ الدكتور محمد شحرور قد ابتعد في متاهات التأويل عندما فسّر الفجر بالانفجار الكوني الأول، وفسّر الليالي العشر بمراحل تطوّر المادة العشر، وفسّر الشفع والوتر بغاز الهيدروجين لأن معطيات السورة لا تسمح بمثل هذا التأويل، ولو أقررناه على تأويله لأعطينا الفرصة لكل صاحب بدعة أن يُطوّع آيات القرآن حسب بدعه وهواه.

ختامًا

والآن: بعد هذا العرض السريع لبعض تجاوزات الدكتور محمد شحرور وضلالاته وانحرافاته لا نستطيع إلا أن نقول إنّ الكتاب ليس حلاًّ لمشكلة الجمود في الفكر الإسلامي، بل هدماً لكثير من أركان وأُسس ومنطلقات الفكر الإسلامي والدين الإسلامي.

ظهرت المقالة الكتاب والقرآن: قراءة معاصرة.. للدكتور محمد شحرور- دراسة وتقويم أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
https://www.al-ommah.com/shah/feed/ 12 915