دراسات الأرشيف – منبر الأمة الإسلامية https://www.al-ommah.com/category/دراسات/ منبر الأمة الإسلامية Mon, 07 Feb 2022 21:19:20 +0000 ar hourly 1 https://wordpress.org/?v=6.7 https://www.al-ommah.com/wp-content/uploads/2021/02/منبر-الأمة-الإسلامية.svg دراسات الأرشيف – منبر الأمة الإسلامية https://www.al-ommah.com/category/دراسات/ 32 32 171170647 كتاب بؤس الدهرانية عن النقد الائتماني لفصل الأخلاق عن الدين https://www.al-ommah.com/%d8%ac%d8%af%d9%8a%d8%af-%d8%b7%d9%87-%d8%b9%d8%a8%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%ad%d9%85%d9%86-%d8%b9%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%82%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%a6%d8%aa%d9%85%d8%a7%d9%86%d9%8a-%d9%84/ https://www.al-ommah.com/%d8%ac%d8%af%d9%8a%d8%af-%d8%b7%d9%87-%d8%b9%d8%a8%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%ad%d9%85%d9%86-%d8%b9%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%82%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%a6%d8%aa%d9%85%d8%a7%d9%86%d9%8a-%d9%84/#respond Mon, 28 Oct 2019 19:35:00 +0000 https://al-ommah.com/?p=2081 تميز المفكر المغربي الدكتور طه عبد الرحمن باطلاعه العميق والواسع على الحضارة الغربية، ورصده لتطوارتها، ورده الدقيق على انحرافاتها من خلال منظور إسلامي. ومما تميز به الدكتور طه عبد الرحمن ـ أيضا ـ هو لغته العربية الرصينة التي كتب بها دراساته، واشتقاقاته اللغوية ونحته لكثير من الألفاظ التي تقابل المصطلحات […]

ظهرت المقالة كتاب بؤس الدهرانية عن النقد الائتماني لفصل الأخلاق عن الدين أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
تميز المفكر المغربي الدكتور طه عبد الرحمن باطلاعه العميق والواسع على الحضارة الغربية، ورصده لتطوارتها، ورده الدقيق على انحرافاتها من خلال منظور إسلامي.

ومما تميز به الدكتور طه عبد الرحمن ـ أيضا ـ هو لغته العربية الرصينة التي كتب بها دراساته، واشتقاقاته اللغوية ونحته لكثير من الألفاظ التي تقابل المصطلحات الغربية، وهو في هذا أكد ولاءه لإحدى دعامات هويتنا، وهي اللغة العربية، وهذا ما يحسب له، ويبرز تميزه ككاتب إسلامي.

ومن أجل تقديم الشواهد على ما نقول بصدد اشتقاقه ونحته للألفاظ التي تقابل المصطلحات الغربية، وإبداعه في ذلك، نأخذ لفظ المصطلحات في مجال “العلمانية”، وهو محور كتابه “بؤس الدهرانية” الذي سنعرضه في السطور الآتية.

مصطلحان ودلالات

فقد اقترح الدكتور طه عبد الرحمن لفظ “الدنيانية” للعلمانية بشكل عام وهي تقابل مصطلح “Secularism” باللغة الإنجليزية، واقترح “العَلمانية” بفتح العين للعلمانية التي فصلت السياسة عن الدين، “والعِلمانية” بكسر العين للعلمانية التي فصلت العلم عن الدين، “والدهرانية” للعلمانية التي فصلت الأخلاق عن الدين، وقد ذكر أن هناك علمانيات أخرى: منها علمانية فصلت الفن عن الدين، وثانية فصلت التربية عن الدين، وثالثة فصلت الإيمان عن الدين، وهلم جرا.

ومن الجدير بالذكر أنه يمكن أن نعتبر الدكتور طه عبد الرحمن وعبد الوهاب المسيري أوسع كاتبين وأعمق كاتبين تحدثا عن العلمانية بشكل خاص، وعن الحضارة الغربية بشكل عام، ففيم اتفقا في شأن العلمانية؟ وفيم اختلفا؟

اتفقا على أن العلمانية تتطور باستمرار نحو الأسوأ، بدءا من نشوئها إثر الثورة الفرنسية عام 1789م، لكن عبر كل منهم عن موقفه من هذا الانحدارنحو الأسوأ بألفاظ وتعبيرات مختلفة.

فأطلق المسيري تعبير “العلمانية الجزئية” عن المرحلة الأولى من نشوء العلمانية، وأطلق “العلمانية الشاملة” على الصورة التي انتهت إليها العلمانية في وقتنا المعاصر، واعتبر “العلمانية الجزئية” التي فصلت قيم السياسة عن الدين، لكنها مازالت تعتبر الإنسان وما يتعلق به من بعض ألأخلاق، مثل: الرحمة والعدل والحق إلخ. مرجعا لها، أما “العلمانية الشاملة” فهي التي فصلت فصلاً كاملاً بين الإنسان وكل القيم من رحمة وأخلاق وعدل وحق الخ، واعتبرت أن الذات المادية للإنسان هي المرجع النهائي له، أو قل بصورة أدق إن “العلمانية الشاملة” هي التي نزعت القداسة عن كل شيء، وعن كل نشاط اجتماعي أو خلقي، وحوّلت كل ما في العالم إلى أدوات استعمالية، وأصبحت القوى والمصالح هي صاحبة القيمة، ومنها تستمد كل قيمة، فهي لا تخفي فقط القيم والأخلاق والحق والعدل بل تخفي الإنسان أيضا.

وهنا التقى المسيري مع الدكتور طه عبد الرحمن في توصيفه للعلمانية التي أطلق عليها “الدنيانية”، وفيما انتهت إليه من فصل الدين عن كل شيء بدءا من السياسة وانتهاء بالإيمان مرورا بالعلم والأخلاق والفن والتربية إلخ…

لكن الدكتور طه عبد الرحمن اختلف عن المسيري في أنه لم يقبل أي نوع من “العلمانية”، وبقي يدينها ويرفضها، ويوضح انحرافاتها وبعدها عن الدين الإسلامي، ويبين مساوئها وآثارها الضارة على البشرية، وقد اتضح هذا في عناوين آخر كتابين له عنها، وهما “بؤس الدهرانية” و”شرود ما بعد الدهرانية”، وتميز الدكتور طه عبد الرحمن بنقدها من خلال مفاهيم ومبادئ وقيم إسلامية، وطرح البديل عنها.

لكن الدكتور عبد الوهاب المسيري وقع في خطأ كبير عندما قبل “العلمانية الجزئية” ورفض “العلمانية الشاملة” فقط، وهو هنا ـ أي المسيري ـ اختلف مع الدكتور طه عبد الرحمن، وأرى أن الحق مع الدكتور طه عبد الرحمن فيما انتهى إليه، إذ أنه لا فرق بين “العلمانية الجزئية” و”العلمانية الشاملة” في أصل المشكلة، وهي فصل السياسة عن الدين في البداية، وكان هذا في بداية النشوء للعلمانية، وترافق هذا الفصل مع مواقف أخرى من الدين ومنها اعتبار حديث الدين عن الآخرة أوهاما وخيالات، واعتبار أن المادة أساس الكون، ونبذ رجال الدين وتصرفاتهم، وحصر نفوذهم ضمن الكنيسة، ولا عمل لهم خارجها إلخ…

ثم بدأت تتسع شقة الانحراف وزاويته حجماً وعمقاً، إلى أن وصل الفصل بين الإنسان وبين كل القيم، وهو ما سماه المسيري بـ “العلمانية الشاملة”، وقد رفض المسيري “العلمانية الشاملة” وقبل “العلمانية الجزئية” مع أن هذا الموقف خاطئ لأن كلا من “العلمانية الجزئية” و”العلمانية الشاملة” لا تختلفان في أصل الانحراف، لكنهما ـ كما ذكرنا ـ تختلفان في مداه وعمقه.

انحراف العلمانية

إن تصور الدكتور طه عبد الرحمن للإنحراف في “العلمانية” أدق وأوضح وأحق من عبد الوهاب المسيري، لذلك رفض “العلمانية” بكل صورها واعتبرها غير مقبولة في كل أحوالها، في حين أن الدكتور المسيري أخطأ وقبل صورة منها وهي “العلمانية الجزئية.”

لقد أطلق الدكتور طه عبد الرحمن مصطلح “الدهرانية” كما رأينا على قضية فصل الأخلاق عن الدين، وهو من أجل محاكمة هذا الفصل وتقويم بعده عن الصواب، والحكم على فشله في إيجاد أخلاق بديلة عن الأخلاق الدينية ألّف كتاب “بؤس الدهرانية: النقد الائتماني لفصل الأخلاق عن الدين” وبدأ ذلك الكتاب بأن رسم ثلاثة مسلمات في البداية، وهي:

الأولى: “مسلمة التبدل الديني” ومعناها أن الدين المنزل يأخذ صورتين: “الصورة الفطرية” و”الصورة الوقتية”، الأولى تكون صورتها الأصلية التي نزلت على النبي، والثانية تتكون من التغيير الذي يطرأ عليها من البشر مع مرور الزمن.

الثانية: “مسلمة التخلق المزدوج” بمعنى أن الأخلاق مع “الصورة الفطرية” للدين تنطلق من داخل الإنسان إلى خارجه، ولكن الأخلاق مع “الصورة الوقتية” للدين تنطلق من الخارج إلى الداخل.

الثالثة: “مسلمة الآمرية الإلهية” ومقتضاها أن ما أمر به الله تعالى من الأعمال خيرٌ وعدل وما نهى عنه شرٌ وظلم، وإن إتيان المأمورات يحقق تخلق الإنسان وإن إتيان المنهيات يحول دون تخلق الإنسان.

وقد اعتبر الدكتور طه عبد الرحمن أن هناك أربع صيغ من الدهرانية: وهي “الصيغة الطبيعية” ويمثلها روسو، “الصيغة النقدية” ويمثلها كانط، “الصيغة الاجتماعية” ويمثلها دوركهايم و”الصيغة الناسوتية” ويمثلها فيري.

وقد نقل الدكتور طه عبد الرحمن بعد ذلك موقف هذه الصيغ الأربعة من المسلمات الثلاث التي رسمها في البداية، وها نحن سننقل كلامه حول هذه الصيغ الأربع من المسلمات الثلاث التي طرحها وتحدثنا عنها سابقاً.

أولاً: صيغة الدين الطبيعي

ويمكن أن نعتبر الفيلسوف الفرنسي “جان جاك روسو” خير ممثل لهذا الدين وأخلاقه، وقد شرح أفكاره عن ذلك الدين في كتابه “إيميل” وعنونه باسم “عقيدة قسّيس سافُوَا”. وقد اعتبر روسو أن هناك تضاداً بين “الدين الطبيعي” و”الدين المنزل” وأقامه على ثلاثة شكوك: “إنكار الوحي” و”إنكار الملائكة” و”إنكار النبوة”.

ثانياً: صيغة الدين العقلي

لم يبلغ أحد مثل الفيلسوف الألماني “إيمانويل كانط” مبلغه في تأسيس الأخلاق على العقل وحده، ويقوم تصور كانط على أن العقل قادر على أن يتوصل إلى قوانين أخلاقية مطلقة، وأن كل قانون عقلي يكتسب قيمة كلية تلزم جميع الكائنات العاقلة.

ثالثاً: صيغة الدين الاجتماعي

وجدت بعض أفكار “كانط” في الأخلاق تطبيقاً في مجال التربية مع عالم الاجتماع “إميل دوركهايم” بعد أن أعاد صوغها في قالب علمي.

ومن الجدير بالذكر أن الجمهورية الثالثة الفرنسية اجتهدت في إقامة تعليم دهري للأخلاق بهدف الفصل بين الكنيسة والمدرسة، فأقرت تلقين التلاميذ في المدارس الابتدائية العمومية “الأخلاق الدهرية” وسنت لذلك قوانين محددة منها قانون 28 مارس أذار 1882، ووضعت برامج تعليمية مفصلة. وقد عرف دوركهايم “التربية الدهرية” بكونها التربية التي تأبى أن تقتبس المبادئ التي تبنى عليها الأديان المنزلة، فلا تعتمد إلا على الأفكار والمشاعر والممارسات التي تتبع العقل وحده في كلمة واحدة: “التربية العقلانية الخالصة”. 

رابعاً: صيغة الناسوتية الثانية

سعى الفيلسوف الفرنسي المعاصر “لوك فيري” إلى أن يضع أسس ناسوتية جديدة وسماها “الناسوتية الثانية” تمييزاً لها عن “الناسوتية الأولى” التي نشأت مع النهضة الأوروبية، ورسخت مع فلاسفة الأنوار، ثم ازدادت رسوخاً مع الثورة الفرنسية بسبب إقرارها بحقوق الإنسان، إلى أن جاءت التفكيكيات التي هدمت كثيراً من المثل التي انبنت عليها هذه “الناسوتية الأولى” وأصبحت هذه المثل بمثابة أوثان تفصلها عن الواقع.

وقد أشار “فيري” إلى عملية التأنيس الإلهي، والمراد به فعل التدهير ـ أو الدهرنة ـ الذي يأتي إلى الدين فيخرج على التدريج كل ما هو إلهي منه ويحوله إلى ما هو إنساني. وقد أكد “فيري” أن الفكر الفلسفي ساهم بقوة في إقامة “الدهرنة”، فقد ظل يجتهد في نقل المعاني الميتافيزيقية والقيم الأخلاقية التي تضمنتها الأديان إلى لغة العقل.

انتقل بعدها الدكتور طه عبد الرحمن لمناقشة موقف صيغ الدهرانية الأربعة من مسلمة الأخلاق، فنقل أن كانط اعتبر أن العلاقة الوحيدة التي تربط الإنسان بالله إنما هي العلاقة الأخلاقية ليس إلا، وبهذا الصدد يضع قاعدة أنه إذا استثنينا السلوك الحسن، فإن كل ما يعتقد الإنسان أنه يمكن عمله من أجل إرضاء الإله، هو مجرد جنون ديني خالص وتعبد للإله فاسد.

أما الأخلاق في الصيغة الاجتماعية، فقد اعتبر دوركهايم أنها تقوم على ثلاثة أركان هي: الأول: روح الانضباط، الثاني: التعلق بالجماعة، والثالث: استقلال الإرادة. وقد اتصفت الأخلاق الدهرية عند دوركهايم بأنها أخلاق خارجية وتجعل الداخل تابعاً للخارج وتلبس الداخل لباس الخارج.

أما الأخلاق في الصيغة الناسوتية فقد ميز “فيري” فيها بين نوعين من الأخلاق: الأول يسميه “أخلاق الواجب” والثاني يسميه “أخلاق الخلاص”.

ثم تحدث الدكتور طه عبد الرحمن عن موقف الصيغ الدهرانية للدين من مسلمة الآمرية الإلهية، فقد وجد أن روسو لا يقول بالأوامر الإلهية وينكر الوحي والرسالة أو على الأقل يشك فيهما، ولا يسلم بالشعائر المنزلة. وقد أسند إلى الضمير الصفات التي تسند للإله من عصمة وخلود وتأله وكمال وحكم على الأفعال، وقد اعتبر أن ضميره هو الذي يأمره وينهاه ويحكم على أفعاله إن خيراً أو شراً.

أما الأوامر الإلهية والصيغة النقدية فقد شغلت “كانط” مسألة تأسيس الأخلاق، واعتبر “كانط” أن الأخلاق تتأسس على الإنسان باعتباره كائناً حراً، ولم تعد الأخلاق بحاجة إلى فكرة كائن آخر أعلى لكي يعرف الإنسان واجبه، ولا تحتاج الأخلاق إلى الدين لكنها بفضل العقل العملي الخالص تكتفي بذاتها.

وقد أسند “كانط” إلى الإرادة ما يشبه ما أضفاه روسو على الضمير من صفات الكمال التي لا يستحق أن يوصف بها إلا الإله مثل “الخيرية المطلقة” و”الذاتية المطلقة” و”الخيرية الذاتية”.

أما الأوامر الإلهية والصيغة الاجتماعية فقد وجد “دوركهايم” ضالته في المجتمع باعتباره مستقلاً عن أفراده، ونسب دوركهايم إلى المجتمع كل صفات الجلال والجمال التي يختص بها الإله في أخلاق الدين المنزل، فقال إن المجتمع بالنسبة لأعضائه كالإله بالنسبة لعباده، فإن الإله هو قوة أعلى من الإنسان تأمر وتُتّبَع، فكذلك المجتمع له نفس العلو علينا.
 

أما الأوامر الإلهية والصيغة الناسوتية الثانية، لقد ذهبت الناسوتية الثانية إلى إقامة الإنسان مقابل الإله، بل جعلته يزدوج به، فقد وضع فيري مصطلحاً مركباً هو “الإنسان الإله” ليدل به على الأمر الآدمي مكان الأمر الإلهي.

لقد انتهى الدكتور طه في دراسته إلى أن الصيغ الأربعة اتفقت على رد الآمرية الإلهية إلى الآمرية الآدمية، واختلفت مضامين هذه الآمرية الآدمية من صيغة لأخرى، فالصيغة الطبيعية نسبت هذه الآمرية إلى “الضمير”، والصيغة النقدية نسبتها إلى “الإرادة”، والصيغة الاجتماعية نسبتها إلى “المجتمع”، والصيغة الناسوتية أسندتها إلى “الإنسان الإله”. وقد أوضح أن إنكار هذه الصيغ للآمرية الإلهية عائد إلى الجهل بالقدر الإلهي مصداقاً لقوله تعالى: ” وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى? بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ” (سورة الأنعام، الآية 91 ) .وقوله تعالى: ” وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ? سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى? عَمَّا يُشْرِكُونَ” (سورة الزمر، الآية 67).

وقد تمثل هذا الجهل بقدر الله في تصورات فاسدة عن علاقة الإنسان بالله، وقد حصرها الدكتور طه عبد الرحمن في أربعة تصورات هي: التصور الخارجي، التصور التجزيئي، التصور التسييدي، والتصور التجسيدي.

ثم عرض هذه التصورات ودلل عليها وأتى بالشواهد المناسبة، وبهذا دلل على بؤس فكري فاحش قام عليه هذا النموذج الدهراني الذي فصل الأخلاق عن الدين.

ثم عرض الدكتور طه عبد الرحمن الأنموذج الائتماني الذي يعتقد أنه يبرز اتحاد الأخلاق بالدين، وبيّن أنه يقوم على خمسة مبادئ وهي:

  • مبدأ الشاهدية: ومقتضى هذا المبدأ “أن الله يشهد عملية التخلق الإنساني باطنها وظاهرها”.
  • مبدأ الآياتية: ومقتضى هذا المبدأ هو “أن اتصال الدين بالعالم اتصال آيات لا اتصال ظواهر”، باعتبار العالم مجموعة من الآيات التكوينية والدين مجموعة من الآيات التكليفية.
  • مبدأ الإيداعية: مقتضى هذا المبدأ هو “أن الأشياء ودائع عند الإنسان”.
  • مبدأ الفطرية: إن مقتضى هذا المبدأ هو “أن الأخلاق مأخوذة من الفطرة”.
  • مبدأ الجمعية: إن مقتضى هذا المبدأ هو “أن الدين بجمعيته أخلاق”.

ثم تحدث الدكتور طه عبد الرحمن في الفصل الرابع عن ظلم الدهرانية لماهية الإنسان، فبين أن فصل الأخلاق عن الدين أدى إلى أن المفكرين الدهرانيين ظلموا الدين كما ظلموا الأخلاق.

ثم انتهى الدكتور طه عبد الرحمن إلى تحديد البواعث التي دعت المفكرين الدهرانيين إلى فصل الأخلاق عن الدين، فحددها بثلاثة عوامل هي: “التذمر من الدين المسيحي، والتذمر من الدين عموماً، واللجوء إلى العقلانية”. وكلها تقضي إلى إلغاء الدين المنزل واستبدال دين دهري مكانه، دين اتخذ صورة أخلاق عقلية مستقلة.

ثم تحدث الدكتور طه عبد الرحمن عن ظلم الدهرانية للأخلاق، في كون أحد مآلات عزلهم الأخلاق عن الدين هو إلغاء الأخلاق ذاتها. ثم تحدث الدكتور طه عبد الرحمن في الباب الثاني عن المفكرين المقلدين من أبناء ملتنا للدهرانيين، فتوصل إلى أنهم أشد بؤساً وأشد ظلماً للأخلاق، لأنهم يقلدونهم ويتبعونهم فيما لا ينبغي تقليدهم واتباعهم.

الخلاصة

لقد فصلت “الدهرانية” الأخلاق عن الدين في مرحلة تالية من بدء العلمانية في أوروبا إثر الثورة الفرنسية عام 1789م، وحاولت إيجاد أخلاق بديلة عن طريق فلاسفة كبار وهم روسو وكانط ودوركهايم وفيري، وقد استعرضنا تلك المحاولات جميعها، وأوضحنا تعثرها بل فشلها، لذلك نستطيع أن نجزم مع الدكتور طه عبد الرحمن بأنه لا يمكن أن تكون أخلاق بلا دين، وأن الدين المنزل هو الذي يولد أخلاقاً حقة تكون فعالة في دفع مسيرة المجتمع إلى الأمام.

رابط المقال من موقع عربي 21 كتاب بؤس الدهرانية.. عن النقد الائتماني لفصل الأخلاق عن الدين – د. طه عبد الرحمن

ظهرت المقالة كتاب بؤس الدهرانية عن النقد الائتماني لفصل الأخلاق عن الدين أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
https://www.al-ommah.com/%d8%ac%d8%af%d9%8a%d8%af-%d8%b7%d9%87-%d8%b9%d8%a8%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%ad%d9%85%d9%86-%d8%b9%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%82%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%a6%d8%aa%d9%85%d8%a7%d9%86%d9%8a-%d9%84/feed/ 0 2081
قراءة هادئة في كتاب عطب الذات.. وقائع ثورة لم تكتمل – د. برهان غليون https://www.al-ommah.com/%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%a1%d8%a9-%d9%87%d8%a7%d8%af%d8%a6%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%b9%d8%b7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%b0%d8%a7%d8%aa-%d9%84%d9%84%d8%af%d9%83%d8%aa%d9%88%d8%b1/ https://www.al-ommah.com/%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%a1%d8%a9-%d9%87%d8%a7%d8%af%d8%a6%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%b9%d8%b7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%b0%d8%a7%d8%aa-%d9%84%d9%84%d8%af%d9%83%d8%aa%d9%88%d8%b1/#respond Sat, 14 Sep 2019 19:46:00 +0000 https://al-ommah.com/?p=2084 ألف الدكتور برهان غليون كتابا تحت عنوان “عطب الذات: وقائع ثورة لم تكتمل، سوريا 2011 ـ 2012″، تحدث فيه عن وقائع الربيع العربي في سوريا، الذي بدأ عام 2011، وتحدث فيه عن دور العلمانيين في هذه الثورة، وكذلك عن دور الإسلاميين، وتناول جانبا من تاريخ البعث في سوريا، وعرّج على […]

ظهرت المقالة قراءة هادئة في كتاب عطب الذات.. وقائع ثورة لم تكتمل – د. برهان غليون أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
ألف الدكتور برهان غليون كتابا تحت عنوان “عطب الذات: وقائع ثورة لم تكتمل، سوريا 2011 ـ 2012″، تحدث فيه عن وقائع الربيع العربي في سوريا، الذي بدأ عام 2011، وتحدث فيه عن دور العلمانيين في هذه الثورة، وكذلك عن دور الإسلاميين، وتناول جانبا من تاريخ البعث في سوريا، وعرّج على “ربيع دمشق” عام 2001، و”إعلان دمشق” الذي نتج عن لقاء العلمانيين والإخوان المسلمين في هذا الإعلان، كما رصد مرحلة مهمة من مراحل ثورة سوريا عام 2011، التي ابتدأت سلمية، ثم رصد تحولها إلى مسلحة، كما تحدث عن المجلس الوطني الذي تشكل في أول تشرين أول (أكتوبر) 2011، وتحدث عن ترؤسه لهذا المجلس، وعن الأهداف التي اجتهد في تحقيقها في أثناء هذه الرئاسة، وعن فشله في تحقيق هذه الأهداف، وعن أهم الأسباب التي أدت إلى فشله وهي منازعة ومناكفة رفاقه العلمانيين له.

وفي الحقيقة أحسن الكاتب في رصد الأحداث ومتابعتها، وفي توضيح موقف الدول الكبرى من الثورة السورية، وتطور هذه المواقف، وعلى رأس هذه الدول روسيا وأمريكا، وجاء الكتاب غنيا في إجلاء مواقف هذه الدول وخذلانها للثورة السورية، وأحسن الكاتب أيضا عندما بيّن بعض مواقف العلمانيين السلبية، وأبرزها انحيازهم إلى نظام البعث، ووقوفهم إلى جانبه، واستفادتهم من سلطته.

لا أريد أن أستعرض كل الكتاب، ولكني أريد أن أناقش عدة أحكام أطلقها الكاتب على الإسلاميين والثورة السورية ومنها: خيانة الإسلاميين للثورة، سرقة الإسلاميين للثورة، هل الثورة إسلامية أم علمانية؟ أسلمة الثورة، وهل الأسلمة مسؤولة عن فشل الثورة؟ عسكرة الثورة ودور الإسلاميين في ذلك إلخ…، وأبيّن أين الصواب والخطأ في العناوين التي تحدث عنها الكاتب فيما سبق.

ثورة إسلامية

ويمكن أن تتحقق الإجابة على قسم كبير من الأسئلة السابقة إذا حررنا مسألة “إسلامية الثورة”، وناقشنا تلك المقولة. فمن البيّن أن الثورة التي انطلقت في 15 آذار (مارس) 2011 في سوريا هي “ثورة إسلامية”، وأوضح ما يكون ذلك في المراحل التالية، وقد جاء ذلك من وضوح غلبة الجمهور الإسلامي على الجمهور الآخر غير الإسلامي، على اختلاف تصنيفاته من علماني وقومي وشيوعي واشتراكي وليبرالي إلخ، وتأكد في اعتماد الإسلام كمرجعية بصورة من الصور لدى معظم الهيئات والتجمعات والفصائل التي خاضت غمار المواجهة والقتال مع النظام وحلفائه، وهذا الموضوع لم يُمار فيه أحد.

لكن اللبس الذي جعل بعض الكتّاب يتهمون الإسلاميين ببعض الأوصاف من مثل: “سرقة الثورة”، أو “خيانة الثورة”، هو أن بدايتها لم تكن إسلامية بشكل صرف، إنما كانت خليطا من الإسلاميين وغيرهم: في قيادتها وشعاراتها. 

وقد جاء غياب الإسلاميين عن القيادة الواضحة للثورة في بدايتها نتيجة العنف غير الطبيعي، الذي مارسه النظام ضد الإسلاميين خلال الخمسين عاما الماضية، والذي استأصل جزءا كبيرا من القيادات الإسلامية، فقتل بعضها، وشرّد بعضها الآخر، وأدخل عشرات الألوف السجون المختلفة، فكان من الطبيعي ألا يظهر الإسلاميون في بداية الثورة، لا في قيادتها ولا في صفوفها الأمامية ولا في شعاراتها، ولكن بعد مضي زمن بسيط على بداية الثورة، وانكسار القبضة الأمنية، وتدمير حائط المخابرات، وسماح الظروف للإسلاميين بالظهور، تبين رجحان أعداد الإسلاميين على الأعداد الأخرى العاملة في الثورة، وظهر ثقل الإسلاميين وتصدروا المشهد، وهذا الرجحان عبّر عن الحقيقة وليس غيرها.

أما اتهام الإسلاميين بـ “خيانة الثورة” بمعنى أنها كانت ثورة ذات مضمون ديمقراطي ليبرالي، ثم خانها الإسلاميون عندما طرحوا مضمونا إسلاميا، فهذا غير صحيح، فالثورة كانت عفوية في انطلاقتها كما هو مؤكد ومجمع عليه، وجاءت متأثرة بمناخ الربيع العربي الذي انطلق من تونس في 17 كانون أول (ديسمبر) 2010، ثم انتقل إلى مصر في 25 كانون ثاني (يناير) 2011، ثم تعدّاه إلى ليبيا في 17 شباط (فبراير) 2011، لذلك انعكست طبيعتها العفوية على شعاراتها، فكانت شعارات عامة، تدعو إلى التخلص من الاستبداد، والتحرر من القهر والكبت والظلم.

وعندما استمرت الثورة لأشهر، ودخل الشعب بمعظمه في أتون الثورة، اتضحت معالمها الإسلامية، وتأكدت إسلامية الثورة، فالموضوع ليس “موضوع خيانة” إنما “موضوع ثقل وموازين”، فعندما أخذت الثورة مجراها الحقيقي، وتفاعلت معها مختلف قوى الشعب السوري، اتضح أن الإسلاميين هم الأكثر جمهورا، والأقوى حضورا، والأكثر فاعلية، لذلك اتضح المضمون الإسلامي للثورة، وهذا متسق مع التاريخ السابق للثورات في سوريا منذ مجيء البعث عام 1963، فبعد أن صعد البعث إلى حكم سوريا عام 1963 قامت عدة ثورات كانت جميعها إسلامية دون استثناء، منها: ثورة جامع السلطان التي قادها مروان حديد عام 1964، والتي انتهت بتدمير جامع السلطان، وثورة الجامع الأموي عام 1965، التي انتهت بدخول الدبابات إلى الجامع الأموي، واحتلال العسكر له. ثم جاءت ثورة عام 1980، التي انتهت بتدمير مدينة حماة عام 1982، وقتل عشرات الألوف من سكانها المدنيين.

ومما يؤكد أنه لم تكن هناك “خيانة للثورة” من الإسلاميين، هو دراسة التاريخ التفصيلي للدولة “الوطنية القومية”، التي قامت بعد الحرب العالمية الأولى على أنقاض الخلافة العثمانية، ومعرفة المقاوم الرئيسي لهذه “الدولة الوطنية”. وعند الدراسة والتدقيق، نجد أن المقاوم الرئيسي لها هم “الإسلاميون” في مصر والعراق وبلاد الشام والسودان والجزائر، وقد جاءت “معارضة الإسلاميين” من أنهم يعبّرون عن “أمة إسلامية”، كانت مستهدفة من الفكر القومي الاشتراكي الذي غزا البلاد بعد الحرب العالمية الأولى والثانية، واستهدف إحداث تغيير نوعي في البناء الثقافي والفكري لهذه الأمة، وإحداث نهضة لهذه الأمة، لكنه لم ينجح في ذلك، وانحسرت موجته بعد نكسة عام 1967، وجاءت الصحوة الإسلامية، واضطرته إلى التنازل عن الاشتراكية، والإبقاء على الفكر القومي.

وقد جاءت ثورات الربيع في مطلع عام 2011 في البلدان العربية موجة من موجات هجوم الأمة على الحكام المستبدين المعادين لها، والمممثلين للتغريب الحضاري والسياسة الغربية في تجلياتها الأخيرة: الفكر القومي، والاقتصاد الرأسمالي، والنزعة الاستهلاكية إلخ…

وتأتي الثورة السورية في ذلك السياق، لأن الشعب السوري جزء من هذه الأمة، وعانى أكثر من غيره من عسف النظام البعثي، ومن ظلم العصابة الأسدية، لذلك فإن ثورته جزء من حركة الأمة الإسلامية في مواجهة هذا الطغيان، وهذا الإفساد، وتعبير عنها، وليس الموضوع “خيانة” للثورة، ولا غيرها من الأقوال.

قوة الإسلاميين

من العناوين التي أطلقها الدكتور برهان غليون في كتابه “قوة الإسلاميين”، وأشار إلى أن هذه القوة تأتي من كتاب مقدس، وحضارة ممتدة، ورموز تاريخية، ويردفها في العصر الحاضر تجربة الإسلاميين في الجهاد في بعض الساحات كساحة أفغانستان. لكنه حاول أن يهوّن من هذه القوة بأن الإسلام يمكن أن يفهم على ثلاثة معان:

  • الأول: وهو الإيمان بجملة العقائد والمقدسات التي تشكل مصدر إلهام للفرد، ويقوم عليها نمط من العبادات والمعاملات التي ينجم عنها تكوين جماعة سماّها “جماعة الإيمان”.
  • والمعنى الثاني: وهو المعنى السياسي، الذي يتجاوز المعنى القرآني، ويعنى بعلاقة “جماعة الإيمان” مع الجماعات الأخرى، وقد اعتبر الدكتور برهان غليون في هذه الفقرة أن الإسلام السياسي هو مذهب في إدارة الدولة، وليس عقيدة أو جزءاً من عقيدة دينية.
  • والمعنى الثالث: هو المعنى الاستراتيجي الذي يحدد علاقة الدولة الإسلامية أو جماعة المسلمين بالدول الأخرى.

واعتبر الدكتور برهان غليون أن التمييز بين المعاني المختلفة للإسلام ضروري لبلورة تعريف دقيق للأسلمة نفسها، لكنّه تجاهل أو جهل أن المعاني الثلاثة تجتمع في مفهوم واحد وهو مفهوم “الأمة الإسلامية” التي امتدت قائمة على مدى أربعة عشر قرناً، وهي ما زالت قائمة إلى اليوم، وهي التي واجهت التغريب على مدى قرنين، وطردت جيوش المحتلين المستعمرين، في مختلف أنحاء العالم الإسلامي.

وهي التي واجهت الطغاة المستبدين ذوي الانتساب القومي والاشتراكي، وتصارعت معهم، وقدّمت ملايين الضحايا في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، والأصل كما قلت إن المعاني الثلاثة منضوية في مفهوم “الأمة الإسلامية” التي ينتمي إليها “المسلم الفرد” حيثما كان، وهو ما بناه الإسلام في مفهومه الشامل لمعالجة كل جوانب الحياة من فكرية وثقافية واجتماعية وسياسية واقتصادية إلخ..، وهو ما جاءت العلمانية العربية المعاصرة لتحاربه، وكان على رأسها علي عبد الرازق في كتاب “الإسلام وأصول الحكم”، والذي أعلن فيه أن الإسلام إيمان ودعوة فقط، وأن الإسلام لا حكم فيه، وأن الحكم من اختراع المسلمين.

الإيمان الإسلامي

يشير الكاتب إلى دور “الإيمان الإسلامي” في حماية الفرد المسلم في سوريا وفي المحافظة على ذاته وهويته، وفي إعطائه الصبر والقدرة على التحمل، ووجود الأمل بالانتصار، في مواجهة الإجرام الأسدي، الذي قام على وضع المجتمع السوري في رعب كامل من خلال أجهزة المخابرات الأربعة عشر التي وضعها رقيبة على كل تصرفات الأفراد، والتي ربط كل معاملات الفرد بها، من أصغرها إلى أكبرها، وأنهى كل حياة مدنية ذات مؤسسات خاصة، وعطّل الحياة السياسية وجعلها مرتبطة بشخص الرئيس وأسرته.

لقد بيّن الكاتب دور الإيمان الفردي في انتشار بعض المظاهر الإسلامية في سوريا خلال الأربعين سنة الماضية، مثل: توسع ظاهرة ارتياد المساجد عند الشباب، والانتشار الواسع لظاهرة حجاب المرأة، وتحكيم الدين في العلاقات الاجتماعية بدلاً من العادات.

لكن الكاتب يعود فيخطّئ الإسلاميين عندما يعتبرون أن مثل هذه العودة إلى المظاهر الدينية هي تعبير عن تمسك الجمهور بالقيم والتطلعات الدينية كما تبلورها التيارات السياسية الإسلامية.

لا أدري لماذا يخطّئ الدكتور برهان الإسلاميين في تصورهم ذاك ووضعهم تلك الأحداث في مساقهم الذي يدعون إليه؟ أليس الحجاب وأداء الصلاة وإقامة الأحكام الشرعية وإقامة الدولة من أوامر الإسلام وواجبات المسلم؟ ليس من شك بأنها تنبع من مشكاة واحدة، وهي مشكاة الإسلام الذي يعالج أمور الدين والدنيا في وقت واحد.

ثم قفز بعد ذلك وقرر أنه لا يوجد تناقض بين الإسلام بالمطلق والعلمانية بالمطلق وإنما هو فقط بين الإسلاميين والعلمانيين، وهذا الكلام غير سديد فهناك تناقض بين الإسلام والعلمانية، وهناك تناقض بين الإسلاميين والعلمانيين، أما التناقض بين “الإسلام والعلمانية” فهو من أوضح الواضحات في الأصول وعشرات المجالات، وإن اتفقا على استخدام العقل واحترامه، ومن الطبيعي أن يكون اختلاف بين “الإسلاميين والعلمانيين”، ومن الممكن تجميد هذا الاختلاف واحتفاظ كل طرف بأيدولوجيته والتعاون لمصلحة الانتصار في مواجهة الاستعمار الغربي والصهيونية والحكام المستبدين، لكن العلمانيين يرفضون هذا التجميد، ويرفضون التعاون إلا إذا تنازل المسلمون عن جانب من أيديولوجيتهم.

وأما استشهاده بتجربة “النهضة” في تونس فيؤكد ما ذهبت إليه فلم يقبل العلمانيون في تونس الإسلاميين إلا بعد أن قدّموا تنازلاً أيدولوجياً، فقد اعتبرت “النهضة” أنه لا يوجد تعارض بين “الإسلام والعلمانية”، وقد عبّر راشد الغنوشي عن هذا الموقف في مقال نشره قبل عدة سنوات، وهو مخطئ في هذا، أما “الإخوان المسلمون” في مصر فلم يصالحهم العلمانيون، ولم يبقوا في الحكم لأنهم لم يرضوا أن يقدموا تنازلاً مماثلاً للعلمانية، لذلك كان مرسي مصيره السجن ثم كانت نهايته القتل.

وقد استعرض الكاتب محاولات المجلس الوطني استجلاب “الحماية للمدنيين” عند ابتداء الثورة بالمظاهرات السلمية، وكيف أنه فشل في ذلك، مع أن هناك قانوناً يخوّل الأمم المتحدة أن تتدخل، إذا كان هناك قمع للمدنيين من قبل الحكام، وتلزمها بحمايتهم، لكن هذا لم يحصل في سوريا، مع أن النظام استخدم كل وسائل الإجرام من: الأسلحة الكيماوية إلى الصواريخ البعيدة المدى، إلى البراميل المتفجرة إلخ….، والسؤال: لماذا لم يحصل التدخل الدولي في سوريا؟ السبب في ذلك أمران:

  • الأول: هو الحرص على بقاء النظام الأسدي لأنه أحسن وأميز وأخلص خادم لإسرائيل.
  • الثاني: البديل الواضح من النظام الأسدي عند تغييره هو الإسلاميون، ووصول الإسلاميين خط أحمر، كما حدث في مصر بعد وصول مرسي، وكما حدث في الجزائر عام 1989.

لذلك على الإسلاميين أن يستفيدوا من هذا الدرس، وأن يحرصوا على الاعتماد على قواهم الذاتية بالاستناد إلى أمتهم في أية محاولة قادمة للتغيير.

الخلاصة

أحسن الدكتور برهان غليون في عرضه جانباً من تاريخ الثورة عام 2011 في كتابه “عطب الذات”، كما أحسن في رصده لمواقف الدول الكبرى من الثورة السورية، وفي تصويره لمعاناة الشعب السوري، وقد أصدر بعض الأحكام الخاطئة في حق الإسلاميين وفي حق الثورة السورية وهو ما ناقشته فيه أثناء استعراضي لبعض مواد وأفكار الكتاب.

رابط المقاال من موقع عربي 21 قراءة هادئة في كتاب عطب الذات.. وقائع ثورة لم تكتمل – د. برهان غليون

ظهرت المقالة قراءة هادئة في كتاب عطب الذات.. وقائع ثورة لم تكتمل – د. برهان غليون أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
https://www.al-ommah.com/%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%a1%d8%a9-%d9%87%d8%a7%d8%af%d8%a6%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%b9%d8%b7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%b0%d8%a7%d8%aa-%d9%84%d9%84%d8%af%d9%83%d8%aa%d9%88%d8%b1/feed/ 0 2084
أين النقص في دراسة محمد عابد الجابري عن النظم المعرفية الثقافية؟ https://www.al-ommah.com/%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%b8%d9%85-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b9%d8%b1%d9%81%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ab%d9%82%d8%a7%d9%81%d9%8a%d8%a9/ https://www.al-ommah.com/%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%b8%d9%85-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b9%d8%b1%d9%81%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ab%d9%82%d8%a7%d9%81%d9%8a%d8%a9/#respond Tue, 24 Apr 2018 11:01:10 +0000 https://al-ommah.com/?p=1058 اعتبر محمد عابد الجابري في دراسته عن النظم المعرفية في كتابيه عن العقل العربي وهما: “تكوين العقل العربي” و”بنية العقل العربي”، أن هناك ثلاثة نظم هي: “البيان، والعرفان، والبرهان” في الثقافة العربية. وبين أن هذه النظم المعرفية كانت تصطرع فيما بينها، واعتبر أن “البيان” هو الممثل للحضارة الإسلامية، والذي أبرزته […]

ظهرت المقالة أين النقص في دراسة محمد عابد الجابري عن النظم المعرفية الثقافية؟ أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
اعتبر محمد عابد الجابري في دراسته عن النظم المعرفية في كتابيه عن العقل العربي وهما: “تكوين العقل العربي” و”بنية العقل العربي”، أن هناك ثلاثة نظم هي: “البيان، والعرفان، والبرهان” في الثقافة العربية.

وبين أن هذه النظم المعرفية كانت تصطرع فيما بينها، واعتبر أن “البيان” هو الممثل للحضارة الإسلامية، والذي أبرزته البيئة العربية الإسلامية، وقد كانت مرجعيته “اللغة العربية”، أما العرفان فقد كانت مرجعيته “العرفان الهرمسي”، وأما البرهان فمرجعيته “فلسفة أرسطو ومنطقه”.

ونحن حتى نستطيع أن نجد بعض مواطن الخطأ في حديث الجابري عن النظم الثقافية العربية، سنستعرض ما نقله الجابري عن لالاند فيما يتعلق “بالعقل المكوِّن والعقل والمكوَّن”.

فقد اعتبر لالاند أن “العقل المكوِّن” أو الفاعل هو “النشاط الذهني الذي يقوم به الفكر حين البحث والدراسة ليصوغ المفاهيم ويقرر المبادئ”، وبعبارة أخرى إنه “الملكة التي يستطيع بها أن يستخرج من إدراك العلاقات بين الاشياء مبادئ كلية ضرورية، وهي واحدة عند جميع الناس”.

كما اعتبر لالاند أن العقل المكوَّن هو: “مجموع المبادئ والقواعد التي نستخدمها في استدلالاتنا”. ويقول لالاند أيضا: “إن العقل المكوَّن والمتغير ولو في حدود، هو العقل كما يوجد في حقبة زمنية معينة. فإذا تحدثنا عنه بالمفرد، فإنه يجب أن نفهم منه العقل كما هو في حضارتنا وزمننا” وبعبارة أخرى: “هو منظومة القواعد المقررة والمقبولة في فترة تاريخية ما، والتي تعطى لها خلال تلك الفترة قيمة مطلقة”.

وعندما طبّق الجابري كلام لالاند على الوضعية العربية، اعتبر أن “اللغة العربية” هي “المكوَّن العقلي”، بل جعلها “المكوّن الأهم” في مفردات العقل العربي، ليس هذا فحسب بل جعلها “السلطة المرجعية الأولى” والأساسية التي تحكم التفكير البياني العربي، وأضاف” نحن عندما نقول اللغة لا نقصد اللغة كمجرد أداة للتواصل بل اللغة العربية كحامل للثقافة، واللغة العربية بهذا المعنى هي التي جعلت من الأعرابي صانع العالم العربي”.

لقد أخطأ الجابري في ذلك، فليست “اللغة العربية” هي “السلطة المرجعية” للعقل العربي، بل “القرآن الكريم” هو السلطة المرجعية للعقل العربي، وهو “العقل المكوَّن” حسب تعبير لالاند.

فهو قد أعطى العرب المعاصرين له نظرة جديدة إلى كل شيء، فقد أعطاهم نظرة جديدة إلى نشأة الكون والحياة والإنسان، كما أعطى الوجود الإنساني هدفا محددا وهو العبودية لله، كما بنى عقل المسلم بناء خاصا يقوم على معرفة ربه، وأن هذا الرب مباين للكون، منفصل عنه، لا يشابه أحدا من مخلوقاته، يمكن أن تدعوه فيسمعك، وهو يراك ويعلم بحالك ويستجيب دعاءك.

كما بين القرآن الكريم خطأ كثير من العقائد الجاهلية مثل عبادتهم الأصنام، وتسمية الملائكة بنات الله، وأخذ عليهم اتباع الظن والأهواء في كل ما يبنون عليه عقائدهم.

كما دعاهم القرآن الكريم إلى إعمال الفكر والنظر والتأمل في آيات الكون المحيطة بهم من ليل ونهار وشمس وقمر ونهر وبحر، وكيف أنها مسخرة لهم، وهي من نعم الله عليهم، ونعم الله لا يحصيها عد.

كما رافقهم القرآن الكريم في كل أعمالهم من هجرة، وغزوات من بدر إلى أحد والأحزاب والعسرة والفتح إلخ…..، وبيّن أخطاءهم وقصورهم وعجزهم أحياناً، وأشار إلى إحسانهم أحياناً أخرى.

أعتقد أن هذه الحقائق التي طرحها القرآن الكريم، والتي وعاها المسلمون هي التي ملأت عقولهم وقلوبهم، جاءت في مقام ” العقل المكوَّن”، وتجعلنا نقول إنها مثلت نظاما معرفيا جديدا يمكن أن نسميه” نظام القرآن المعرفي” وهو يختلف عن ” نظام البيان المعرفي”.

وقد اعتبر الجابري أن أبرز مبدأين اتصف بهما العقل البياني هما: “مبدأ الإنفصال، ومبدأ التجويز”، وجاءا نتيجة اعتبار اللغة العربية هي “المرجعية الأولى”، والتي عكست بيئة العرب الجغرافية والاجتماعية والفكرية، وإذا دقّقنا في هذه البيئة وجدنا الانفصال يحكم جميع معطياتها: فالطبيعة رملية، وكل الأجسام في الصحراء وحدات مستقلة، والعلاقات التي تربطها هي المجاورة لا التداخل.

وقد أفرز “نظام القرآن المعرفي” عقلاً جديداً مخالفاً لما جاء به “العقل البياني” يقوم على مبدأ “السببية” ومبدأ “الاتصال”، وهما نقيض النظام البياني الذي يقوم كما ذكرنا على مبدأي: “التجويز” و”الانفصال”، ويمكن أن ندلل على ذلك بالوقائع التالية على سبيل المثال لا الحصر:

  • نقلت الرواية أن عمر بن الخطاب عندما زار بيت المقدس، أراد أن يذهب إلى عمواس، فقيل له إن فيها طاعوناً، فعدل عن السفر، فقال له أصحابه: أتفر من قدر الله؟ فقال: “بل نفر من قدر الله إلى قدر الله”، وهذا يدل على إيمانه بالسببية، فهو عندما احتج عليه بعض الصحابة بتهربه من قدر الله، بيّن لهم أنه أخذ بالأسباب لأن ذلك من قدر الله، وهذا الإيمان بالسببية نتيجة من نتائج “نظام القرآن المعرفي”، وهو مختلف عن “العقل البياني” المستند إلى “التجويز” في العلاقات بين السبب والنتيجة.
  • أما ما يتعلق بالمفاصلة فإن العلاقة في “المجتمع الجاهلي” كانت علاقة “مجاورة” لأن القبيلة كانت هي الأصل، أما في المجتمع الإسلامي فقد أصبحت العلاقة بين أفراد المجتمع الإسلامي هي علاقة “أخوة”، وتولدت “أمة” بين مختلف الأعراق والأجناس من ترك وعرب وفرس وهنود وشركس إلخ…، وكانت العلاقات بين هذه الأجناس علاقات التحام وامتزاج كل هذه الأعراق والأجناس والقبائل في الأمة الواحدة، وساهمت في بناء الحضارة الإسلامية في كل جوانبها العلمية والعسكرية والثقافية والفنية والتربوية إلخ…
  • لقد قام الصحابة ومن بعدهم التابعون بجهود علمية جبارة للمحافظة على القرآن والسنة من جهة، وبناء الدولة والحضارة من جهة ثانية، بدءا من جمع القرآن وتشكيله وتنقيطه، والمحافظة على السنة، وابتكار علوم الجرح والتعديل والرواية والدراية، وتصنيف الأحاديث من صحيح وضعيف وحسن، وجمع الحديث في مصنفات، وجمع اللغة في معاجم، وابتكار علوم النحو والصرف والبلاغة والبديع والبيان، ثم ابتكار العلوم الدنيوية من جبر وفلك ورياضيات من أجل تحديد المواريث، وتقسيم الخراج في أرض سواد العراق، وتحديد القبلة إلخ…

إن هذه الابتكارات العلمية في مختلف المجالات تدل على أن عقلاً علمياً جديداً مؤمناً “بالسببية” ومؤمناً بارتباط “الأسباب” ب”النتائج”، وليس “بالتجويز” كان وراء كل هذه الابتكارات.

والسؤال الآن أين النقص والقصور فيما كتب الجابري عن نظم المعرفة الثقافية؟

لقد جاء النقص عند الجابري من أنه لم يعتبر أن القرآن الكريم قام بإنشاء نظام معرفي جديد في النظام الثقافي، ويمكن اعتبار أن “النظام البياني” الذي تحدث عنه الجابري يمثّل المعتزلة، لأن المعتزلة اعتبروا أن “اللغة العربية” هي مرجعيتهم العليا في فهم القرآن الكريم، واعتبروا أن “الدلالة اللغوية” هي بالضبط “الدلالة الشرعية” التي يريدها الدين، واستشهدوا على ذلك بقوله تعالى: “وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم، فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء”(سورة إبراهيم، 4).

وفي هذا خالفهم أهل السنة والجماعة، واعتبروا أن هناك لكل لفظ ثلاث دلالات: دلالة لغوية، وأخرى شرعية، وثالثة عرفية. لذلك اختلفوا في مفهوم الإيمان. فاعتبر المعتزلة أن الإيمان “يعني التصديق” لأن الله تعالى قال: “وما أنت بمؤمن لنا”(سورة يوسف،17)، فالإيمان هو التصديق عند المعتزلة ويجب أن يتطابق “المعنى اللغوي” مع “المعنى الشرعي”، في حين أن أهل السنة والجماعة اعتبروا أن الدلالة الشرعية للإيمان لا تتحدد بالمعنى اللغوي فقط، لذلك أدخلوا العمل في مسمى الإيمان، في حين أن المعتزلة لم يدخلوه، وقوفاً عند الدلالة اللغوية فقط.

الخلاصة: لقد أشار الجابري في كتابيه عن العقل العربي أن هناك ثلاثة نظم معرفية في الثقافة العربية هي: “البيان، العرفان، البرهان”، والحقيقة أنه كان يجب أن يقول إن هناك أربعة نظم معرفية في الثقافة العربية هي: “البيان، العرفان، البرهان، القرآن”، وأن “نظام القرآن” المعرفي كان يملك أكبر جمهور في الأمة الإسلامية، وله أكبر الأثر في بناء الحضارة الإسلامية.

المقال من الجزيرة أين النقص في دراسة محمد عابد الجابري عن النظم المعرفية الثقافية؟

ظهرت المقالة أين النقص في دراسة محمد عابد الجابري عن النظم المعرفية الثقافية؟ أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
https://www.al-ommah.com/%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%b8%d9%85-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b9%d8%b1%d9%81%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ab%d9%82%d8%a7%d9%81%d9%8a%d8%a9/feed/ 0 1058
اللغة العربية ودورها في بناء الأمة https://www.al-ommah.com/%d8%a7%d9%84%d9%84%d8%ba%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%a9-%d9%88%d8%af%d9%88%d8%b1%d9%87%d8%a7-%d9%81%d9%8a-%d8%a8%d9%86%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%85%d8%a9/ https://www.al-ommah.com/%d8%a7%d9%84%d9%84%d8%ba%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%a9-%d9%88%d8%af%d9%88%d8%b1%d9%87%d8%a7-%d9%81%d9%8a-%d8%a8%d9%86%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%85%d8%a9/#comments Thu, 25 Jan 2018 10:17:00 +0000 https://al-ommah.com/?p=1052 تشكل اللغة العربية أهم العوامل التي تقوم عليها أمتنا، بالإضافة إلى عوامل أخرى مثل: التاريخ والدين والاقتصاد إلخ….، وهي تشكل عنصراً أساسياً في بناء هوية كل فرد من هذه الأمة، ومما يزيد في أهمية هذه اللغة عند العرب والمسلمين أن معجزة الرسول -صلى الله عليه وسلم- الكبرى، وهي: القرآن الكريم، […]

ظهرت المقالة اللغة العربية ودورها في بناء الأمة أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
تشكل اللغة العربية أهم العوامل التي تقوم عليها أمتنا، بالإضافة إلى عوامل أخرى مثل: التاريخ والدين والاقتصاد إلخ….، وهي تشكل عنصراً أساسياً في بناء هوية كل فرد من هذه الأمة، ومما يزيد في أهمية هذه اللغة عند العرب والمسلمين أن معجزة الرسول -صلى الله عليه وسلم- الكبرى، وهي: القرآن الكريم، جاءت بهذا اللسان العربي المبين، ومن هنا جاء استهدافها، خلال القرن الماضي بعدد من الاتهامات غير الصحيحة، من مثل أنها صعبة القواعد والإملاء، وبأنها لغة غير علمية، لذلك ارتفعت الأصوات في عدد من البلاد العربية مطالبة باستبدال العامية بالفصحى، وقد رفع عدد من المفكرين من مثل سلامة موسى ولويس عوض حناجرهم منذ مطلع القرن العشرين بهذه الدعوة، وما زالت الهجمة عليها مستمرة.

ولكن هذه الحملة لم تنجح، ولم يعتمد أي بلد عربي العامية لغة رسمية فيه، لكن حملة من نوع آخر نجحت، وهي تفشي استعمال اللغات الأجنبية كالإنجليزية في التدريس منذ المرحلة الابتدائية، واعتمادها كلغة أساسية في تدريس جميع العلوم من طب وهندسة ورياضيات وفيزياء وكيمياء في معظم جامعات العالم العربي، وتفشي ألفاظها في الأسواق والمعاملات والإعلانات…..، فأصبحت اللغة العربية الفصحى غريبة، وها هي تزداد غربتها بمرور الزمن لكثرة اعتماد مختلف الدول العربية على الإنجليزية.

لقد أدرك الصحابة رضوان الله عليهم بعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعمق فهمهم، ونفاذ بصيرتهم، أهمية العناصر الثلاثة التي تقوم عليها وحدة الأمة الثقافية وهي: القرآن الكريم، وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، واللغة العربية.

وأدركوا أن الاختلاف والتفرق عند الأمم السابقة قد جاء نتيجة عدم الحفاظ على رسالة أنبيائهم، لذلك حرص الصحابة رضي الله عنهم على المحافظة على القرآن الكريم، وبدأ ذلك بعد أن استحرّ القتل في القراء الحافظين للقرآن في معركة اليمامة، فقد روى البخاري أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لأبي بكر الصديق رضي الله عنه حاثًّا إياه على جمع القرآن: “إِنَّ الْقَتْلَ قَدِ اسْتَحَرَّ يَوْمَ الْيَمَامَةِ بِقُرَّاءِ الْقُرْآنِ وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ الْقَتْلُ بِالْقُرَّاءِ بِالْمَوَاطِنِ”. ثم شرح الله صدر أبي بكر الصديق لرأي عمر بن الخطاب، وشكل لجنة برئاسة الصحابي زيد بن ثابت رضي الله عنه من أجل جمع القرآن الكريم من صدور الرجال ومن الصحف التي كان قد كُتب عليها، ثم حُفظت النسخة عند أبي بكر الصديق، ثم انتقلت إلى عمر بن الخطاب، ثم إلى حفصة رضي الله عنهم أجمعين.

عندما انتشر الإسلام في أصقاع الأرض، وبدأت الشعوب غير العربية في الدخول في الإسلام، وبدأت مشكلة أخرى، وهي: فشو اللحن في قراءة القرآن، نتيجة اختلاف لسانها عن لسان القرآن الكريم، ومن أجل معالجة هذه المشكلة أرسل الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه نسخة من المصحف الأم الذي كان عند حفصة رضي الله عنها إلى كل من مكة والشام والبصرة والكوفة واليمن والبحرين، وأبقى عنده في المدينة مصحفًا واحدًا، ليكون مرجعاً يعود المسلمون إليه في الأمصار عند الاختلاف في تلاوة القرآن.

ثم ظهرت حاجات أخرى من أجل تصويب قراءة القرآن الكريم، فتم ابتكار علمي: تنقيط الأحرف وتشكيل الكلمات، لكي يزيلا أي خطأ في نطق الآيات الكريمة.

ثم ظهرت حاجات أخرى من أجل المساعدة على الفهم الدقيق لمعاني القرآن الكريم وأحكامه، فتم ابتكار علمي: النحو والصرف، ثم ظهرت الحاجة إلى توضيح الإعجاز القرآني وفهم أسراره، فتم ابتكار بعض العلوم من مثل: علوم البلاغة والبيان والبديع.

لقد كانت الإنجازات العلمية السابقة في مجال اللغة، والتي ابتكرت عدة علوم من أجل ضبط النص القرآني وعدم الاختلاف في فهمه، باعتبار أن وحدة الدين أصل في وحدة الأمة.

واعتبر الإمام الشاطبي في الموافقات إن من أولى الواجبات على المسلم العلم بالعربية من أجل أن يقيم بها صلاته وعبادته وتلاوته للقرآن الكريم.

ثم وضح علماء الدين بعض الأحكام الفقهية المرتبطة باللغة العربية، فاعتبروا أن أول ما يؤمر به العبد من أجل الدخول في الإسلام هو الشهادتان، وذلك نتيجة حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- الذي يقول فيه: “بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان”(رواه البخاري ومسلم)، وبينوا أنه يجب أن يقولها بالعربية، ويدرك معناها كما بينها الدين.

وتتأكد تلك الحاجة إلى تعلم العربية عندما نتفحص الشهادتين اللتين تعتبران المدخل إلى الدين الإسلامي بالنسبة لأي مسلم، فالشهادة الأولى وهي “أشهد أن لا إله إلا الله” جاءت بصيغة المضارع “أشهد”، والشهادة تعني إعمال الحواس، ثم الوعي والعلم بأن الله واحد أحد، من خلال عقل الكون المحيط بالمسلم من شمس وقمر وبحر ونهر وطير وبستان وزهرة إلخ…..، فإن التدقيق في هذه الكائنات ونشأتها وحركتها وتطوراتها تجعل المسلم يعرف بأن الله واحد أحد لا رب غيره، ولا معبود سواه.

أما الشهادة الثانية وهي “أشهد أن محمداً عبده ورسوله” فهي تعني أني أشهد بحواسي وعقلي أن محمداً رسول الله، فكيف يكون ذلك وقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

يكون ذلك بأني أعلم وأتبين وأشهد شهادة قاطعة بأن محمداً رسول الله من خلال رسالته الباقية وهي “القرآن الكريم”، ولن يتأتى ذلك إلا بمعرفة اللغة العربية التي يؤكد العلم بها بإعجاز القرآن الكريم، ثم العلم بأن محمداً رسول الله، وكأني معاصر له.

وهذا الوضع تحقق للرسول صلى الله عليه وسلم، وهو إمكانية التحقق والتيقن بأنه نبي ورسول، ولم يتحقق لغيره من الأنبياء لأن معجزتهم التي أقاموا بها الدليل على نبوتهم ورسالتهم انتهت بوفاتهم، كما هي معجزة موسى أو معجزات عيسى عليهما السلام، أما الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- فإن معجزته باقية بعد وفاته وهي القرآن الكريم، لكننا لا نستطيع أن نعي ونعلم أنها معجزة حقاً إلا بتعلم اللغة العربية، وإدراك أسرارها، وفقه معانيها.

لم يقبل بعض علمائنا إيمان التقليد من المسلم، بل أوجبوا عليه بأن يقيم إيمانه على الدليل حتى يكون مقبولاً من الله، أما العلم بوحدانية الله فيكون من خلال النظر إلى الكون، وأما العلم بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم فيكون من خلال العلم بالعربية، والاجتهاد في الترقي بفهمها، وتذوق بيانها، ثم تلاوة القرآن الكريم، ليدرك إعجاز هذا القرآن، ويوقن بعد ذلك بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، ويتفهم تفاصيل رسالته التي جاء بها في سور القرآن الكريم.

الخلاصة: تشكل اللغة العربية محوراً أساسياً من محاور بناء أمتنا، وعاملاً مهماً في بناء هويتنا، كما تشكل مدخلاً رئيسياً لإدراك معجزة الرسول الكبرى وهي: القرآن الكريم، والإقرار بها، ثم العلم بنبوة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وكأنك تراه وتعاصره، وبعثت معه صلى الله عليه وسلم.

المقال في الجزيرة اللغة العربية ودورها في بناء الأمة

ظهرت المقالة اللغة العربية ودورها في بناء الأمة أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
https://www.al-ommah.com/%d8%a7%d9%84%d9%84%d8%ba%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%a9-%d9%88%d8%af%d9%88%d8%b1%d9%87%d8%a7-%d9%81%d9%8a-%d8%a8%d9%86%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%85%d8%a9/feed/ 1 1052
قراءة في كتاب القاعدة عن “إدارة التوحش” https://www.al-ommah.com/%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%a1%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%a7%d8%b9%d8%af%d8%a9-%d8%b9%d9%86-%d8%a5%d8%af%d8%a7%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%88%d8%ad%d8%b4/ https://www.al-ommah.com/%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%a1%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%a7%d8%b9%d8%af%d8%a9-%d8%b9%d9%86-%d8%a5%d8%af%d8%a7%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%88%d8%ad%d8%b4/#respond Wed, 28 Jan 2015 01:19:07 +0000 https://al-ommah.com/?p=537 صدر كتاب “إدارة التوحش” عن “تنظيم القاعدة”، وهو من الكتب القليلة التي صدرت عنها بالإضافة إلى كتاب “إعلام الأنام عن قيام دولة الإسلام” الذي استعرضته في مقال سابق، وقد وضح الكتاب إستراتيجية “القاعدة” منذ التسعينيات ومنهجيتها في التعامل مع الواقع المحيط بها، وهو ما زال معتمدا لدى التنظيمات التي انبثقت […]

ظهرت المقالة قراءة في كتاب القاعدة عن “إدارة التوحش” أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
صدر كتاب “إدارة التوحش” عن “تنظيم القاعدة”، وهو من الكتب القليلة التي صدرت عنها بالإضافة إلى كتاب “إعلام الأنام عن قيام دولة الإسلام” الذي استعرضته في مقال سابق، وقد وضح الكتاب إستراتيجية “القاعدة” منذ التسعينيات ومنهجيتها في التعامل مع الواقع المحيط بها، وهو ما زال معتمدا لدى التنظيمات التي انبثقت عن “القاعدة” مثل “داعش” وغيرها.

وقد ذكرت تقارير أن مركز مكافحة الإرهاب في كلية “ويست بوينت” الأميركية ترجمه إلى الإنكيلزية ووزعه على مسؤولين في الإدارة الأميركية، وعلى بعض الضباط في الجيش والاستخبارات الأميركييْن.

وقد رسم الكتاب مراحل العمل الجهادي فقسمها إلى ثلاث مراحل: الأولى، شوكة النكاية والإنهاك، والثانية، إدارة التوحش، والثالثة، التمكين، الذي يعني قيام الدولة الإسلامية.

وسنعتمد في تقويمنا لكتاب “إدارة التوحش” على مدى مطابقة مضمون الكتاب للحقين: الشرعي والكوني، فالحق الشرعي: دليله النقل، والحق الكوني: دليله العقل والعلم. وسينجح أي تنظيم في تغيير الواقع بمقدار صواب الحقين: الشرعي والكوني عنده، تحقيقا لقوله تعالى: “قل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا”.

ولكن نعتقد أنه من الضروري أن نقف قبل تقويم الكتاب أمام دور “القاعدة” في إسقاط نظام طالبان، وهي الدولة الإسلامية التي كانت “القاعدة” أنشئت من أجل إيجاد دولة مثلها، ومن الضروري أن نتبين حجم الخطأ الذي وقعت فيه في مجال الحقين: الشرعي والكوني إزاء دولة طالبان.

من الجدير بالذكر أن طالبان أقامت دولتها في أفغانستان تحت اسم “إمارة أفغانستان الإسلامية” عام 1995، بعد أن تغلبت على كل قادة الجهاد الأفغاني وفصائله التي قادها برهان الدين رباني، وحكمتيار، وسياف… إلخ.

ثم انتقل أسامة بن لادن مع قيادات “القاعدة” من السودان إلى “دولة طالبان” لأنها “الدولة الإسلامية” التي اعتقد إسلاميتها وأنها الدولة التي يجب أن يعمل في ظلها، وبالفعل فقد بايع أميرها الملا محمد عمر، ثم أعلن ولادة جبهة إسلامية جديدة تحت اسم “الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين” في 23 فبراير/شباط 1998. كما أعلن ولادة تنظيم جديد تحت عنوان “قاعدة الجهاد”، وهذا التنظيم تم باندماج تنظيميْ “القاعدة” و”الجهاد”.

ثم قام تنظيم “القاعدة” بعمليتيْ تفجير سفارتيْ أميركا في نيروبي ودار السلام في أغسطس/آب 1998، وبتفجيرات نيويورك وواشنطن في سبتمبر/أيلول 2001، ثم طلبت أميركا من طالبان تسليمها أسامة بن لادن لأنها اعتبرته المسؤول عن تفجيرات نيويورك وواشنطن، ولما رفضت طالبان ذلك غزت أميركا أفغانستان وأسقطت نظام طالبان 2001، وكانت عمليات أسامة بن لادن سببا مباشرا في سقوط هذه الدولة الإسلامية.

ولكن قد يقال إن أميركا كانت ستُسقط نظام طالبان سواء أقام أسامة بن لادن بتفجيراته أم لم يقم، وهذا احتمال وارد ولكنه ليس أكيدا، ولكن عندما يوجد أسامة بن لادن في أفغانستان ثم يقوم بتفجيرات ضد أميركا فإنه يقوّي احتمال غزوها لأفغانستان، وكان يمكن أن نضعف هذا الاحتمال في حال قيام بن لادن بتفجيراته من خارج أفغانستان، كما فعل حزب الله عندما قام بعمليات مشابهة ضد السفارة الأميركية في بيروت مع ارتباطه الأكيد بإيران، ولكن كل قياداته تقيم خارج إيران.

وقد يسأل سائل ما الذي كان يجب أن يفعله أسامة بن لادن و”القاعدة” بعد أن بايع طالبان وأقام فيها غير ما فعله؟ أعتقد أنه كان الأوْلى به أن يدعم هذه الدولة ويشد أزرها، ويعمل على دفعها إلى بناء الشعب الأفغاني بناء إيمانيا قويا وسليما بعد أن تطهره من كل أنواع الشرك، وبناء دولته علميا واقتصاديا وعسكريا حتى تكون قادرة على الدفاع عن نفسها، وتكون قادرة على بناء قدرات الأمة الإسلامية والاستفادة منها في معركة المواجهة مع أميركا وغيرها.

ومن الواضح أن “القاعدة” وقعت في خطأين: شرعي وكوني عندما تسببت في إسقاط نظام طالبان؛ الشرعي: لأنها ساهمت في إسقاط دولة تعتقد “أدبيات القاعدة” أنها دولة إسلامية في حدها الأدنى. والكوني: لأنها خالفت آداب الجندية التي كان يجب أن يقوم بها أسامة بن لادن ومن معه من رجال القاعدة في بناء أفغانستان وطاعة أميرها، لأن الأخبار نقلت أن بن لادن قام بالتفجيرين دون أخذ موافقة قيادة طالبان.

والآن: بعد أن بيّنا الخطأين: الكوني والشرعي اللذين وقعت فيهما “القاعدة” بإسقاط نظام طالبان، سننتقل إلى استعراض بعض مباحث الكتاب وتقويمها.

ذكر كتاب “إدارة التوحش” -في بحثه التمهيدي الذي حمل عنوان “النظام الذي يدير العالم بعد حقبة سايكس/بيكو”- أن دولة الخلافة انقسمت إلى عدة دول، ثم صور الكتاب كيفية إدارة هذه الدول من قبل القطبين الكبيرين: أميركا وروسيا بعد الحرب العالمية الثانية، واعتبر أن العلاقة بين الدول العربية والدول الكبرى علاقة تبعية لتحقيق مصالح القطب (أميركا أو روسيا) الاقتصادية والعسكرية، ويبرز هذا التصور جانبا من الحقيقة وليس كل الحقيقة، ويغفل عن أن الدول الغربية عندما أزالت دولة الخلافة كانت تسعى باستعمارها للدول العربية إلى أمور سياسية وثقافية واجتماعية واقتصادية وتربوية… إلخ.

فكانت تسعى إلى تغريب جماهير الأمة وسلخها عن ثقافتها وشخصيتها الحضارية التاريخية، وكانت تريد أن تفرض نموذجها الحضاري في كل المجالات الحياتية، فأرادت أن تكون الدول العربية ليبرالية في ثقافتها، وتابعة لها في إدارتها السياسية، ورأسمالية في تركيبتها الاقتصادية.

وكانت الأداة الرئيسية التي استخدمتها الدول الكبرى هي الفكر القومي العربي الذي أرادت أن يحل مكان الدين الإسلامي، ليصبح الإخاء العربي عوضا عن الأخوة الإيمانية.

ولذلك لعب مفكرون بارزون (مثل ساطع الحصري رائد الفكر القومي العربي) دورا بارزا في صياغة الدولة العراقية تحت قيادة الملك فيصل عام 1920، وكذلك لعب عباس محمود العقاد وسلامة موسى وطه حسين ومحمد حسين هيكل -وغيرهم من كبار المفكرين المصريين- دورا مؤثرا في صياغة التوجهات الثقافية والسياسية والفنية للشعب المصري بعد الحرب العالمية الأولى وبعد ثورة سعد زغلول عام 1919.

لقد أغفل كتاب “إدارة التوحش” كل الحقائق السابقة، لذلك غفل عن جانب من “الحق الكوني”، وظن أن علاقة الدول العربية بالقطب الغربي هي علاقة تبعية سياسية فقط وأن الموضوع يمكن أن يحل عسكريا فقط، لكن الحقيقة كانت أعقد من ذلك وأكثر تشعبا، لذلك من الواجب أن نواجه التبعية السياسية والعسكرية مع الأمور الفكرية والثقافية والاقتصادية، لنفلح في خلخلة الوجود الأميركي وإنهائه ونحقق الاستقلال الكامل.

ثم تحدث الكتاب في مبحث آخر -حمل عنوان “وهم القوة: مركزية القوى العظمى بين القوة العسكرية الجبارة والهالة الإعلامية الكاذبة”- عن القطبين العالميين (أميركا وروسيا)، وعن “عوامل الفناء الحضاري” التي أوردها الكاتب الأميركي بول كينيدي، وعن سقوط الاتحاد السوفياتي ودور أفغانستان في ذلك السقوط.

ثم بيّن أن أميركا تداركت الأمر واستمرت في التحكم في العالم، وحدد الكتاب ثلاثة أهداف “للقاعدة” في مرحلة التسعينيات من القرن العشرين. ونحن سنستعرض اثنين منها لضيق المجال، ونبين وجه الباطل فيهما ومخالفتهما للحقين: الشرعي والكوني.

الهدف الأول: القيام بعمليات عسكرية مثل عمليات نيروبي ودار السلام عام 1998 ونيويورك وواشنطن عام 2001، والقصد منها إسقاط جزء من هيبة أميركا وبث الثقة في نفوس المسلمين، واستدراج الجيوش الأميركية إلى المنطقة.

ونحن سنناقش الجزء الأول من الهدف، ونؤجل الجزء الثاني إلى حين مناقشة الهدف الثالث لأنه يلتقي معه ويكرره.

نلحظ أن الهدف الرئيسي من القيام بعمليات عسكرية -حسب تصور “القاعدة”- مرتبط بشقيه بالبناء النفسي للمسلم، لكن ذلك لا يكون بتنفيذ عمليات عسكرية بل بالعلم الصحيح بالله وأنه الكبير، العظيم، القوي، الجبار…، وبالامتلاء القلبي بذلك العلم من خلال تعظيم الله والخضوع له والثقة به سبحانه وتعالى.

ويكون أيضا بتعميق وعي المسلم بأن أميركا دولة مأزومة لأنها امتداد لحضارة أوروبا التي قامت كرد فعل على أخطاء الكنيسة ورجال الدين، فاعتبرت أوروبا الغيوب أوهاما وآمنت بمادية الكون، واعتبرت الحقيقة نسبية وأنه ليس هناك حق مطلق.

لذلك فإن هذه الحضارة مأزومة وما زالت تستفحل فيها الأزمات والأمراض والمشاكل، وتنتقل من حفرة إلى أخرى، وأكبر دليل على ذلك هو تفكك الأسرة، وزيادة نسبة الانتحار، وتفشي المخدرات، وشيوع الفاحشة والرذيلة، وقد أقر بذلك كبار الإستراتيجيين في أميركا مثل بريجينسكي.

لقد وقعت “القاعدة” -كما رأينا من خلال تقويم الهدف الأول- في خطأين: شرعي وكوني، أما الشرعي فهو أنها جهلت كيف يمكن أن تبني الثقة في نفوس المسلمين وتسقط هيبة العدو، وأما الكوني فهو استخدام العمليات العسكرية في غير مجالها الذي يجب أن تستخدم فيه، وهو: إضعاف العدو، وتدمير قواته وقتل قياداته، وتخريب منشآته العسكرية، وتحرير أراض منه… إلخ.

الهدف الثالث: استهدفت “القاعدة” من العمليات العسكرية هدفا ثالثا هو استدراج أميركا لتحارب بنفسها في المنطقة، وتظن “القاعدة” أن أميركا تتجنب هذا بشكل نهائي، وهذا وهم تعيشه “القاعدة” فأميركا تتدخل عندما تقتضي ظروفها وسياستها ومصالحها ذلك، وربما كانت أكثر الدول تدخلا -بشكل مباشر- في شؤون الآخرين في تاريخ البشرية، وما أساطيلها المنتشرة في كل المحيطات (الهادي، والأطلسي، والبحر المتوسط، والخليج) إلا دليلا على ذلك.

وبالعكس تحرص أحيانا على أن تتدخل بجنودها وحدهم كما حدث في الحرب على أفغانستان والعراق، ومن الأرجح أنها خططت لذلك باستدراج “القاعدة” لتضرب البرجين في 11 سبتمبر/أيلول 2001 من أجل تجييش شعبها ودفعه إلى قبول التضحيات التي سيقدمها من دمائه لأن الخطر وصل إليه، ولتزج بالجنود الأميركيين في حرب مباشرة مع دولتيْ طالبان والعراق لأنها تعتقد أن إسقاطهما لن ينجح إلا بجنودها.

وللعلم فإن أميركا تدقق أحيانا في نوعية الجنود، فهي استثنت الجنود السود ذوي الأصول الأفريقية من إنزال النورماندي عام 1945 وأبقت الجنود ذوي العيون الزرق من الأصول الأوروبية، وهو الإنزال الضخم الذي حسم الحرب العالمية الثانية وانتهى بانتصار الحلفاء على ألمانيا.

ومن خلال تقويمنا للهدف الثالث وجدنا أن الكتاب وقع أيضا في باطل كوني عندما جهل كيفية اتخاذ الإدارة الأميركية لقرارها، وعاش أوهاما عند صياغته لهذا الهدف فظن أن الأصل في سياسة أميركا العسكرية هو تجنيب جنودها أية مواجهات على الأرض، في حين أن هذا الحكم باطل، وهي تستخدم جنودها عندما يستدعي الأمر ذلك وضمن حسابات معينة.

الخلاصة: اعتمدنا في تقويم كتاب “إدارة التوحش” على مدى مطابقة مضمونه للحقين: الشرعي والكوني، وتجعلنا نتائج هذا التقويم نقرر أن “القاعدة” وتفريعاتها (مثل داعش في العراق، وحركة الشباب في الصومال، والقاعدة في المغرب العربي.. إلخ) تسير إلى طريق مسدود لأنها تقوم على باطل عند مخالفتها للحقين: الشرعي والكوني في أغلب أمورها.

المقال من الجزيرة قراءة في كتاب “القاعدة” عن “إدارة التوحش”

ظهرت المقالة قراءة في كتاب القاعدة عن “إدارة التوحش” أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
https://www.al-ommah.com/%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%a1%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%a7%d8%b9%d8%af%d8%a9-%d8%b9%d9%86-%d8%a5%d8%af%d8%a7%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%88%d8%ad%d8%b4/feed/ 0 537
إعلان الخلافة.. رؤية شرعية https://www.al-ommah.com/%d8%a5%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%ae%d9%84%d8%a7%d9%81%d8%a9-%d8%b1%d8%a4%d9%8a%d8%a9-%d8%b4%d8%b1%d8%b9%d9%8a%d8%a9/ https://www.al-ommah.com/%d8%a5%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%ae%d9%84%d8%a7%d9%81%d8%a9-%d8%b1%d8%a4%d9%8a%d8%a9-%d8%b4%d8%b1%d8%b9%d9%8a%d8%a9/#respond Thu, 11 Dec 2014 10:10:34 +0000 https://al-ommah.com/?p=569 اختارت دولة العراق والشام الإسلامية أن تسمي نفسها دولة الخلافة الإسلامية، بعد أن تسمت قبل ذلك بدولة العراق الإسلامية. وقد جاء هذا الإعلان عن “دولة العراق الإسلامية” إعلانا أوليا تفرعت عنه كل تلك التسميات بعد ذلك، فإلى أي حد يمكن أن نعتبر ذلك الإعلان قد استوفى الشروط الشرعية؟ لقد أصدرت […]

ظهرت المقالة إعلان الخلافة.. رؤية شرعية أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
اختارت دولة العراق والشام الإسلامية أن تسمي نفسها دولة الخلافة الإسلامية، بعد أن تسمت قبل ذلك بدولة العراق الإسلامية. وقد جاء هذا الإعلان عن “دولة العراق الإسلامية” إعلانا أوليا تفرعت عنه كل تلك التسميات بعد ذلك، فإلى أي حد يمكن أن نعتبر ذلك الإعلان قد استوفى الشروط الشرعية؟

لقد أصدرت “وزارة الهيئات الشرعية في دولة العراق الإسلامية” كتابا تحت عنوان “إعلام الأنام بميلاد دولة الإسلام” أعده “مسؤول الهيئة الشرعية”، بيّن فيه النظرية التي اعتمدها المجاهدون في إقامة دولتهم الإسلامية في الواقع، وكشف الأسباب والدواعي التي وفرت الظروف المناسبة لبروز هذه الدولة.

وقد احتوى كتاب “إعلام الأنام بميلاد دولة الإسلام” على مقدمة ممهورة بتوقيع المتحدث الرسمي باسم “دولة العراق الإسلامية”، مما يؤكد أن هذا الكتاب هو تعبير عن رؤية شرعية في مبررات إنشاء الدولة الإسلامية، لذلك تعني مناقشة هذا الكتاب مناقشة كلام حقيقي منسوب لـ”دولة العراق الإسلامية” التي هي الأصل في خلافة أبي بكر البغدادي.

وتضمن الكتاب عدة فصول، وجاء “الفصل الأول” محتويا على عنوانين، هما “وجوب قيام الدولة المسلمة”، “وأهمية الدولة الإسلامية”، ونحن نتفق مع الكاتب فيما ورد في هذا الفصل من وجوب قيام الدولة الإسلامية وأهميتها.

ثم حمل الفصل الثاني عنوان مشروعية قيام دولة العراق الإسلامية، وقد احتوى ذلك الفصل فقرة تحمل عنوان “نبذة مختصرة عن الطريقة الشرعية في تنصيب الإمارة”، (ص: 12) وقد جاء فيها:

“اتفق أهل العلم على أن الإمامة تنصب وفقا لطرق ثلاثة:

  • الأول: عن طريق بيعة أهل الحل والعقد من المسلمين لرجل يختارونه اكتملت في حقه صفات الأهلية المطلوبة للإمامة.
  • الثاني: عن طريق عهد الإمام لرجل من المسلمين من بعده، أو لعدد منهم يختار منهم أهل الحل والعقد إماما.
  • الثالث: عن طريق الغلبة والقهر بالسيف، عند حلول الفتن وخلو الزمان عن الإمام، وتباطؤ أهل الحل والعقد عن تنصيبه، فيشرع وقتها لمن تغلب بسيفه من المسلمين ودعا للبيعة وأظهر الشوكة والأتباع أن يصير أميرا للمؤمنين، تجب طاعته وبيعته ولا يحل لأحد منازعته.

ثم وازن الكاتب بين الطرق الثلاثة، فوجد أن الطريق الثالث هو المناسب لإقامة “دولة العراق الإسلامية”، فاعتبر أن امتلاك “مجلس شورى المجاهدين” القوة وسيطرته على مساحة واسعة من أرض العراق في محافظة الأنبار وغيرها أهّله لإعلان “دولة العراق الإسلامية”.

والحقيقة أن الكاتب أصاب في تحديد طرق تنصيب الإمام والتي نقلها عن كتاب الأحكام السلطانية للماوردي وغيره، ولكنه أخطأ في إنزالها على واقع “دولة العراق الإسلامية” وقد برزت عدة أخطاء في كلام الكاتب، وهي:

الخطأ الأول: عندما اعتبر أن “حلف المطيبين” الذي دخل فيه “مجلس شورى المجاهدين” وهو مشكل من سبع جماعات جهادية ومنها “قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين” التي رأسها أبو مصعب الزرقاوي، وهي فرع القاعدة في العراق التي امتلكت الشوكة وحققت الغلبة في الأنبار وغيرها، فجاء حكمها شرعيا، لأنها جاءت عن الطريق الثالث في الطرق التي قننتها كتب الأحكام السلطانية، وهي “حكم المتغلّب”.

ولكن عند التدقيق نجد أن “الحاكم المتغلب” كان يزيل “الحاكم المتغلب عليه”، فعندما جاء “السلجوقيون” إلى بغداد عام 450هـ، واستلموا الحكم عن طريق الغلبة، أزالوا نهائيا حكم “البويهيين” الذين كانوا قبلهم، وأدالوا دولتهم، ويقاس على ذلك “المرابطون” و”الموحدون”، “فالموحدون” عندما حكموا المغرب أزالوا نهائيا “دولة المرابطين”، وكذلك الشأن في العباسيين والحمدانيين والأخشيديين والطولونيين والطاهريين والأدارسة.. إلخ، فحتى يتحقق “حكم المتغلب” يجب أن يزيل “حكم المتغلب عليه” السابق، ويبعده عن الحكم نهائيا، ويقضي عليه، ويزيل كل معالم سيطرته على الدولة.

ولكن فيما يخص “دولة العراق الإسلامية”، فهي لم تتغلب على نوري المالكي الحاكم السابق، والمحتل الأميركي للعراق، ولم تزل حكمهما، وتتغلب عليهما، وهو المقصود من “حكم المتغلب”، لذلك نعتقد أن “مجلس شورى المجاهدين “لم يحقق المقصود في الطريقة الثالثة من طرق الحكم الشرعي، ولم يحقق مضمونها، وهي إزالة “حكم المتغلب عليه” والقضاء عليه، بل احتلوا فضاء من الأرض، لذلك فإن حكمهم يعد غير شرعي.

الخطأ الثاني: أجروا مقارنة بين “دولة العراق الإسلامية” و”دولة المدينة” التي أسسها الرسول صلى الله عليه وسلم، فوجدوا أن الأرض التي احتلوها في الأنبار وغيرها من الأرض في العراق أوسع من “دولة المدينة” وقد اعتبروا هذا يبرر إعلان الدولة.

وقد أشاروا إلى هذا المعنى مرتين، الأولى: أوردها كاتب “إعلام الأنام” حيث قال في صفحة 26 “والمجاهدون في العراق اليوم يسيطرون على بقاع من الأرض هي بفضل الله أضعاف أضعاف البقعة التي أقام عليها النبي صلى الله عليه وسلم دولته الأولى، فالمناط الشرعي في قيام الدولة متحقق لوجود المعنى الذي قامت عليه الدولة الأولى، وهو التمكين على بقاع هي أكبر من تلك التي ترعرعت عليها الدولة الأولى”.

الثانية: أوردها أيمن الظواهري في حديثه عن قيام “دولة العراق الإسلامية” في أكثر من مناسبة.

وقد أخطأ كل من كاتب “إعلام الأنام” وأيمن الظواهري في المقارنة بين “دولة العراق الإسلامية” و”دولة المدينة” التي أقامها الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد تبين الخطأ في عدم إدراكهم لواقع السلطة في الجزيرة العربية: فلم تكن السلطة متمثلة بدولة، كما هو في الدول التي تقع في جوار الجزيرة العربية، حيث كانت تقوم “دولة الفرس” و”دولة الروم” و”دولة الغساسنة” و”دولة المناذرة” التي تمتلك جيوشا وشرطة ووزراء وأجهزة إدارية.

فالسلطة في مكة كانت مختلفة، وتمثلت بأشخاص ذوي نفوذ اجتماعي وعائلي كأبي جهل وأبي لهب وأبي طالب والوليد بن المغيرة، ولم تكن تملك شرطة أو جيشا أو وزراء، لذلك عندما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة لم يستطع أبو جهل أن يلاحق الرسول لأنه لا يملك شرطة أو جيشا، ولأن سلطته انتهت عند حدود مكة.

وعندما أنشأ الرسول صلى الله عليه وسلم سلطة في المدينة، كانت -على الأقل- مكافئة لسلطة أبي جهل في مكة إن لم تكن أرقى، وكانت مشروعا لدولة واجهت بعد ذلك دولتي فارس والروم.

لذلك عندما أجرى أيمن الظواهري وكاتب “إعلام الأنام بميلاد دولة الإسلام” مقارنة بين “دولة العراق الإسلامية” و”دولة المدينة” فإنهما ركزا على عامل مساحة الدولتين وأغفلا حقيقة التكافؤ بين سلطة الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة وسلطة أبي جهل في مكة، ليس هذا فحسب، بل كانت “دولة المدينة” -في البداية- مكافئة في سلطتها لكل الكيانات القائمة في الجزيرة العربية مثل السلطة في الطائف واليمامة وتيماء وتبوك… إلخ.

ويمكن أن تكون الصورة أكثر جلاء عند المقارنة بين حالتي الرسولين الكريمين محمد صلى الله عليه وسلم والمسيح عيسى بن مريم عليه السلام، فقد لوحق الرسولان من قبل سلطتي مكة وروما، وعندما خرج الأول من مكة وهاجر إلى المدينة أصبح في سلطة مكافئة لأبي جهل، أما عيسى عليه السلام، فعندما لاحقه قيصر روما أرسل شرطته وعسكره، فلاحقوه في كل فلسطين، ثم قرروا اعتقاله، وكانوا يريدون أن يقتلوه لكن الله رفعه إليه، واختلاف النتائج في حالتي الرسولين الكريمين هي -من عوامل أخرى- في اختلاف نوع السلطتين اللتين لاحقتهما، وهذا ما لم يتنبه له الكاتبان: مسؤول الهيئة الشرعية وأيمن الظواهري.

الخطأ الثالث: أخطأ كاتب “إعلام الأنام” في إسقاط مصطلح “دار الحرب ودار الإسلام” على واقع العراق، وقد استخدم هذا المصطلح في الرد على من اشترط وجود “دار إسلام” من أجل تنصيب إمام في مجال تفنيده للشبهة الثانية التي أثارها خصوم الدولة الإسلامية في الصفحة 61 والتي بدأها بقوله “سيقال: دولتكم المعلنة تفتقر للشرعية لأنها أقيمت مع وجود محتل غاز للأرض، فلو أنكم انتظرتم حال خروجه من العراق، ثم قمتم بإنفاذ مرادكم لكان أحرى وأليق بالقبول!”.

وقد استُخدِم -بكل أسف- مصطلح “دار الحرب ودار الإسلام” في الساحات الجهادية بشكل كبير لدى معظم الفصائل الجهادية في نصف القرن الماضي، وكانت له نتائج كارثية في بلبلة مسيرة الأمة، ومن الواضح أن المصطلح هو مصطلح فقهي وليس له أصل في قرآن ولا سنة، ولكنه نشأ لتوصيف واقع تاريخي معين، ولإصدار أحكام فقهية تضبط مسار الأمة، وتسدد مسيرتها في مجال التعامل مع أعداء الأمة.

ومن الجلي أيضا أن وجود “دار الإسلام”، يقام فيها شرع الله، هو الذي يحدد كون الدار الأخرى “دار حرب”، لذلك فإن إلغاء “الخلافة الإسلامية” في إسطنبول عام 1924، وهي آخر دولة تطبق الشريعة الإسلامية ألغى “دار الإسلام”، وبالتالي لم يعد هناك وجود لـ”دار الحرب”، ولذى فإن اعتبار ديار المسلمين التي لا يطبق فيها شرع الله “دار حرب” خطأ فقهي، لأن وجود “دار الحرب” مرهون بوجود “دار الإسلام”، فلما لم تكن هناك “دار إسلام” فقد انتفى مصطلح “دار حرب”، ولا يجوز إسقاط الأحكام الفقهية المرتبطة بهذا المصطلح على المسلمين، فعلينا أن نوجد أولا “دار إسلام” لتكون هناك “دار حرب”.

وطالما بينا خطأ إسقاط هذا المصطلح على واقعنا الحالي، فبماذا نصف المسلمين في هذه البلدان التي لم تعد محكومة بشريعة الله الآن؟

الحقيقة أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- بنى في حياته ثلاثة أمور: المسلم أولا، والأمة ثانيا، والدولة ثالثا، فعندما سقطت الدولة بقي أمران: المسلم والأمة.

لذلك نصف المسلمين الموجودين الآن في أية أرض من ديار المسلمين بأنهم جزء من “الأمة الإسلامية” التي كانت موجودة على مدار التاريخ من حين أنشأها الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الوقت الحاضر، مع قيام عشرات الدول وسقوطها من مثل دولة الأمويين والعباسيين والبويهيين والسلجوقيين والزنكيين والأيوبيين والمماليك والموحدين والمرابطين … إلخ، التي لم تؤثر في وحدتها رغم قيام كل تلك الدول وسقوطها.

من الواضح والجلي أن هذه الأمة هي الحقيقة الحية الجماعية التي بقيت على مدى 14 قرنا تحمل القرآن الكريم، وتطبق أحكامه، وتعظم سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وتوالي أصحابه، وتجسد قيم الإسلام ومبادئه في إعمار الأرض، وتكريم بني آدم، وتحيي أخلاق الإسلام ومثله، لذلك نعتقد أنه يجب أن تنطلق قيادات العمل الإسلامي والجماعات الإسلامية في العصر الحاضر من حقيقة هذا الوجود للأمة الإسلامية، وتبني عليها، وتنمي خيرها، وتعالج أمراضها، فهي الرصيد الحقيقي الذي يجب أن ننتبه له ونعيه ونحافظ عليه.

والسؤال الآن: بماذا نعامل مسلمي هذه الأمة الإسلامية في مختلف الأراضي والديار والدول؟ هل نعاملهم بأحكام “دار الحرب” أم “دار الإسلام”؟ أعتقد أننا لا نعاملهم بأحكام “دار الإسلام” لعدم وجود إمام يطبق شريعة الإسلام، ولا نعاملهم بأحكام “دار الحرب”، لأن أحكام “دار الحرب” مرهونة بوجود “دار الإسلام” وأعتقد أننا يجب أن نعاملهم بموجب “فتوى ماردين” لابن تيمية التي أطلقها جوابا على سؤال جاءه حول ماردين التي استولى عليها التتار: هل هي بلد حرب أم بلد سلم؟

فقال رحمه الله “وأما كونها دار حرب أو سلم، فهي مركبة: فيها المعنيان، ليست بمنزلة “دار السلم” التي تجري عليها أحكام الإسلام، لكون جندها مسلمين. ولا بمنزلة “دار الحرب” التي أهلها كفار، بل هي قسم ثالث يعامل المسلم فيها بما يستحقه، ويعامل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه”.

أخيرا، فقد استعرضنا فيما سبق جانبا من كتاب “إعلام الأنام بميلاد دولة الإسلام” الذي صدر عن “دولة العراق الإسلامية” وأصّل لقيام الخلافة، لكننا وجدنا أن الكاتب وقع في أخطاء تجعلنا نقول بعدم شرعية قيام هذه الدولة والخلافة.

ظهرت المقالة إعلان الخلافة.. رؤية شرعية أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
https://www.al-ommah.com/%d8%a5%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%ae%d9%84%d8%a7%d9%81%d8%a9-%d8%b1%d8%a4%d9%8a%d8%a9-%d8%b4%d8%b1%d8%b9%d9%8a%d8%a9/feed/ 0 569
موقف محمد عابد الجابري من المعجزات والغيوب في الإسلام…عرض ونقد https://www.al-ommah.com/%d9%85%d9%88%d9%82%d9%81-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d8%a7%d8%a8%d8%b1%d9%8a-%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b9%d8%ac%d8%b2%d8%a7%d8%aa-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%ba%d9%8a%d9%88%d8%a8/ https://www.al-ommah.com/%d9%85%d9%88%d9%82%d9%81-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d8%a7%d8%a8%d8%b1%d9%8a-%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b9%d8%ac%d8%b2%d8%a7%d8%aa-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%ba%d9%8a%d9%88%d8%a8/#respond Sat, 22 Oct 2011 23:05:48 +0000 https://al-ommah.com/?p=884 ألَّف الدكتور محمد عابد الجابري أربعة كتب عن الإسلام في نهاية حياته. ومما جعلني أكتب عنها بعض الدراسات: أنها لقيت رواجاً عند قِطاع كبير من المثقفين من جهة. وأنها تتضمن محاولة للتقريب بين الإسلام والحضارة الغربية من جهة أخرى. ومن المفيد أن نذكر أن محاولة التقريب بين الإسلام والحضارة الغربية […]

ظهرت المقالة موقف محمد عابد الجابري من المعجزات والغيوب في الإسلام…عرض ونقد أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
ألَّف الدكتور محمد عابد الجابري أربعة كتب عن الإسلام في نهاية حياته. ومما جعلني أكتب عنها بعض الدراسات:

  • أنها لقيت رواجاً عند قِطاع كبير من المثقفين من جهة.
  • وأنها تتضمن محاولة للتقريب بين الإسلام والحضارة الغربية من جهة أخرى.

ومن المفيد أن نذكر أن محاولة التقريب بين الإسلام والحضارة الغربية (أو قل بصورة أدق: محاولة تطويع الإسلام لمفاهيم الحضارة الغربية) قد احتوت عدداً كبيراً من الكتاب والباحثين منذ القرن التاسع عشر بدأت برفاعة رافع الطهطاوي، ثم ثنَّت بمحمد عبده وقاسم أمين، ثم انتظمت عدداً كبيراً في القرن العشرين، منهم: عباس محمود العقاد، وطه حسين، وحسين أحمد أمين، ونصر حامد أبو زيد، ومحمد أركون، ومحمد شحرور… إلخ. وها هي تنتظم الجابري، وهو – لا شك – لن يكون آخرهم.

خصص الجابري كتاباً كاملاً للتعريف بالقرآن الكريم، واعتبر معجزة القرآن الكريم معجزة عقلية. وهو – لا شك – معجزة عقلية في أحد جوانبها؛ بمعنى أنها قدمت شريعة صالحة للبشرية، وأنها أقامت دعوتها إلى حقائق الإسلام: من توحيد وشرائع وأحكام ومعادٍ على دلائل من الكون والحياة والتاريخ… إلخ. وأنها كانت بيانية من جهة أخرى؛ بمعنى أن القرآن معجز في بيانه وفواصله وصوره ونظمه… إلخ.

وقد خالفت معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم الكبرى (القرآن الكريم) معجزات الأنبياء السابقين الذين قامت معجزاتهم على خوارق العادات؛ فقد تحولت العصـا إلى حية عند موسى – عليه الصلاة والسلام – وتحولت الصخرة إلى ناقة عند صالح عليه السلام… إلخ. إن هذا كلام صحيح؛ لكنَّ الجابري أخطأ عندما نفى المعجزات الحسية عن رسالة الإسلام؛ فقد اشتملت بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم على كثير من الآيات والمعجزات الحسية، من مثل: نبع الماء بين يديه، وإطعام جيش بطعام شخص واحد، وحنين الجذع إليه، وسلام الحجر عليه، وشفائه لبعض الصحابة من بعض الأمراض… إلخ، وها نحن ننقل بعض الأحاديث التي تؤكد الآيات التي أشرنا إليها؛ ففي مجال حنين جذع شجرة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم نقل البيهقي فقال: (كان يخطب رسول الله إلى جذع فلما اتخذ المنبر تحوَّل إليه فحن الجذع، فأتاه النبي فمسحه. وفي رواية أخرى: (فلما وضع المنبر حن الجذع إليه فأتاه النبي فمسحه فسكن)[1].

وفي مجال نبع الماء بين أصابع الرسول صلى الله عليه وسلم، شهد جابر بن عبدالله – رضي الله عنه – ما حدث يوم الحديبية فقال: (عطش الناس يوم الحديبية والنبي صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة (إناء من جلد)، فتوضأ، فجهش (يعني: أسرع) الناس نحوه، فقال: «ما لكم؟» قالو: ليس عندنا ماء نتوضأ ولا نشرب إلا ما بين يديك فوضع يده في الركوة، فجعل الماء يثور بين أصابعه أمثال العيون، فشربنا وتوضأنا، (ولما سئل جابر – رضي الله عنه – عن عددهم في ذلك اليوم قال: لو كنَّا مائة ألف لكفانا، كنا خمس عشرة مائة)[2].

وفي مجال شفاء الرسول صلى الله عليه وسلم لبعض الصحابة فقد حدَّث يزيد بن أبي عبيد قال: (رأيت أثر ضربة في ساق سلمة، فقلت: يا أبا مسلم! ما هذه الضربة؟ فقال: هذه ضربة أصابتني يوم خيبر، فقال الناس: أصيب سلمة، فأتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فنفث فيه ثلاث نفثات، فما اشتكيتها حتى الساعة)[3].

وعن إشفاء الرسول صلى الله عليه وسلم لعيني علي بن أبي – طالب رضي الله عنه – ذكر سهل بن سعد – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: «لأعطين هذه الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله». قال: فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها، فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجون أن يعطاها، فقال: «أين علي بن أبي طالب؟» فقيل: هو – يا رسول الله – يشتكي عينيه. قال: «فأرسلوا إليه». فأُتي به فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه، ودعا له، فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية[4].

وقد أشار القرآن الكريم إلى بعض المعجزات الحسية التي وقعت للرسول صلى الله عليه وسلم من مثل انشقاق القمر؛ فقد قال الله – تعالى -:

(اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ) (القمر: ١).

وقد أورد البخاري ومسلم والترمذي أحاديث صحيحة تحدثت عن هذا الانشقاق، فذكر البخاري عن ابن مسعود فقال: “انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين: فرقة فوق الجبل، وفرقة دونه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اشهدوا»”[5].

ومن المعجزات الحسية الأخرى التي وقعت للرسول صلى الله عليه وسلم: الإسراء والمعراج وشق الصدر؛ فقد ذكر القرآن الكريم واقعة الإسراء فقال -تعالى-:

(سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْـمَسْجِدِ الْـحَرَامِ إلَى الْـمَسْجِدِ الأَقْصَا الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الإسراء: ١).

كما تحدث القرآن عن المعراج في سورة النجم، فذكر أنه رأى جبريل – عليه السلام – على صورته الملائكية، فقال – تعالى -: (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَىٰ (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَىٰ (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ (9) فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ (12) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ (13) عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَىٰ (14) عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَىٰ (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ (17) لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰ(18) (النجم: 5 – 18).

وقد تحدثت كتب الحديث والسيرة عن الإسراء والمعراج وشقِّ الصدر، فقال البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك، عن أنس بن صعصعة -رضي الله عنهما-: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم حدثهم عن ليلة أسري به: «بينما أنا في الحطيم – وربما قال في الحجر – مضطجعاً إذ أتاني آتٍ فقد» قال: وسمعه يقول: «فشق ما بين هذه إلى هذه» فقلت للجارود – وهو إلى جنبي -: ما يعني به؟ قال: من ثغرة نحره إلى شعرته، وسمعته يقول: من قصه إلى شعرته، «فاستخرج قلبي ثم أُتيت بطست من ذهب مملوءة إيماناً، فغسل قلبي، ثم حشي، أُتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار الأبيض»، فقال له الجارود: هو البراق يا أبا حمزة؟ قال أنس نعم، يضع خطوه عند أقصى طرفه، «فحُمِلْتُ عليه، فانطلق بي جبريل حتى أتى السماء الدنيا فاستفتح، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل…»[6]، ثم ذكر الحديث صعودَ الرسول صلى الله عليه وسلم إلى السماء الثانية والثالثة حتى السماء السابعة، ثم رؤيتَه سدرة المنتهى ثم رجوعَه بأداء الصلوات الخمس.

ماذا كان موقف الجابري إزاء المعجزات الحسية التي وقعت مع الرسول صلى الله عليه وسلم، والتي جاءت فيها أحاديث صحيحة، من مثل: حنين الجذع إليه، ونبع الماء بين أصابعه، وشفائه لبعض الصحابة… إلخ؟

لقد رفضها الجابري؛ لأنه لا يأخذ بالأحاديث النبوية الشريفة، ولأنه لا يعتبر أن هناك سنة صحيحة ويعتبر أن الأحاديث المدونة وُضعَت من قِبَل الفرق السياسية والمذهبيه والكلامية والدينية المتصارعة، التي تكونت في بدايات التاريخ الإسلامي، ولم يعتمدها في جميع دراساته، واعتمد على القرآن الكريم وحده.

هذا بالنسبة للأحاديث النبوية؛ فماذا كان موفقه من المعجزات الحسية التي تحدث عنها القرآن الكريم من مثل انشقاق القمر والإسراء والمعراج وشق الصدر؟

كان موقفه الرفض لها؛ فهو اعتبر أن القمر لم ينشق على زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، وفسر الآية بأنها تعني أن القمر سينشق في المستقبل، أما بالنسبة لواقعة الإسراء والمعراج فهو اعتبرها رؤيا منامية ولم تحدث بالجسد، ولم يتعرض إلى شق الصدر في سورة الشرح لأن الواقعة ذكرتها الأحاديث، وهو لا يعول على الأحاديث في أحكامه وآرائه كما ذكرنا سابقاً.

والآن ما موقف الجابري من عالم الغيب في الدين الإسلامي: كالجنة، والنار، والسحر، والجن، والشياطين، ورؤية الله يوم القيامة، وتكليم الله موسى عليه السلام؟

لقد كان موقفه منها رفض حقيقتها حيناً، واختيار الرأي الذي يضفي عليها المعقولية حيناً أخرى؛ فقد اعتبر أن كلام القرآن الكريم عن الجنة والنار إنما هو تخييل وذكرى، وأن السحر لا حقيقة له، واعتبر أن الصوت الذي كلم الله به موسى – عليه السلام – خرج من الشجرة، وأنكر رؤية الله يوم القيامة ومال إلى تفسير المعتزلة بأن الرؤية لا تعني الرؤية البصرية بل انتظار ثواب الله.

فما الذي قصده الجابري من اعتبار القرآن معجزة عقلية وأنها المعجزة الوحيدة التي جاء بها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم؟ وما الذي قصده من إنكار المعجزات الحسية الأخرى التي أشار إليها القرآن الكريم والأحاديث النبوية؟ وما الذي قصده من إنكار حقيقة كثير من الغيوب التي قررها الإسلام؟

قصد أن يضخم من دور العقل على حساب النقل من أجل تطويع الدين الإسلامي لصالح الحضارة الغربية؛ فكأنما يريد أن يقول: إن الرسول محمداً صلى الله عليه وسلم يختلف عن الأنبياء السابقين، في أن معجزته صلى الله عليه وسلم لم تقم على خوارق العادات، وأن القرآن الكريم معجزة عقلية فقط، وفي هذا يلتقي الإسلام تمام الالتقاء مع الحضارة الغربية التي هي مبنية على العقل وحده، ولا مكان للغيوب فيها؛ لذلك فإنه علينا الأخذ بالحضارة الغربية لأنها تتفق مع أهم أصل يقوم عليه ديننا وقرآننا.

إن أكبر وأخطر محاولتين قامتا لتطويع الإسلام لصالح الحضارة الغربية، هما:

  • الأولى: محاولة محمد عبده (ت 1905م) في مطلع القرن العشرين؛ وذلك بتضييق مساحة عالم الغيب في الإسلام لصالح مادية الغرب.
  • والثانية: محاولة الجابري (ت 2010م) في مطلع القرن الحادي والعشرين الميلادي؛ وذلك بتضييق مساحة النقل لصالح العقل.

وكما لم تحقق الأُولَى أهدافها، فقد أخذ كلٌّ من عالَم الغيب وعالَم الشهادة حقهما في فهم الإسلام وفي الدعوة إليه عند العلماء التالين لمحمد عبده، وكذلك ستفشل محاولة الجابري في تضخيم دور العقل على حساب النقل، وسيأخذ كلٌّ من العقل والنقل دورَه في التعامل مع كتاب الله وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأن كل هذا من الفطرة التي فطر الله الناس عليها.

 الهوامش:

[1] دلائل النبوة: 2/556.

 [2] متفق عليه واللفظ للبخاري.

 [3] صحيح البخاري، رقم (4206).

 [4] صحيح البخاري، رقم (4210).

 [5] صحيح البخاري، رقم (4864).

 [6] صحيح البخاري، رقم (3887).

 

ظهرت المقالة موقف محمد عابد الجابري من المعجزات والغيوب في الإسلام…عرض ونقد أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
https://www.al-ommah.com/%d9%85%d9%88%d9%82%d9%81-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d8%a7%d8%a8%d8%b1%d9%8a-%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b9%d8%ac%d8%b2%d8%a7%d8%aa-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%ba%d9%8a%d9%88%d8%a8/feed/ 0 884
سلبيات الاستشراق وإيجابياته: المجالات والأسباب https://www.al-ommah.com/%d8%b3%d9%84%d8%a8%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d8%b4%d8%b1%d8%a7%d9%82-%d9%88%d8%a5%d9%8a%d8%ac%d8%a7%d8%a8%d9%8a%d8%a7%d8%aa%d9%87/ https://www.al-ommah.com/%d8%b3%d9%84%d8%a8%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d8%b4%d8%b1%d8%a7%d9%82-%d9%88%d8%a5%d9%8a%d8%ac%d8%a7%d8%a8%d9%8a%d8%a7%d8%aa%d9%87/#respond Tue, 18 Jan 2011 02:51:00 +0000 https://al-ommah.com/?p=2546 كيف يجب أن نتعامل مع الاستشراق؟ يعتبر إدوارد سعيد أن الاستشراق تعريفاً هو المعرفة التي يركزها الغرب على الشرق لفهمه، وهو يمتد من ناحية الزمان حسب ما قال مكسيم رودنسون منذ القرن السادس عشر، وبعضهم يعيده إلى ما قبل ذلك بكثير، فيجعل بدايته مع يوحنا الدمشقي الذي عاصر الأمويين، وناقش […]

ظهرت المقالة سلبيات الاستشراق وإيجابياته: المجالات والأسباب أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
كيف يجب أن نتعامل مع الاستشراق؟

يعتبر إدوارد سعيد أن الاستشراق تعريفاً هو المعرفة التي يركزها الغرب على الشرق لفهمه، وهو يمتد من ناحية الزمان حسب ما قال مكسيم رودنسون منذ القرن السادس عشر، وبعضهم يعيده إلى ما قبل ذلك بكثير، فيجعل بدايته مع يوحنا الدمشقي الذي عاصر الأمويين، وناقش المسلمين في قضية المسيح عليه السلام وقولهم إنه كلمة الله، من أجل إثبات أن القرآن مخلوق.

إن الاستشراق عمل إنساني معرفي ذو سعة في الزمن والمكان، فلا يمكن القبول بنزع الصبغة التاريخية عنه، وقد عبّر صادق جلال العظم عن ذلك فقال: “وأما فيما يخص أطروحة إدوارد سعيد التي تقول بأن الاستشراق (بالمعنى السلبي للكلمة) هو عبارة عن معطى دائم للعقل الأوروبي، وأنه يتكرر بنفس الشكل عبر القرون والعصور من هوميروس إلى المستشرق المعاصر غوستاف فون غرونباوم مروراً بدانتي وفلوبير وكارل ماكس، فإننا نرفضها كلياً. وذلك لأنها تواصل الاعتقاد بتلك الأسطورة القائلة بوجود طبيعة غربية (أو أوروبية) جوهرانية وثابتة بشكل دائم، كما وتعتقد بوجود عقل ذي خصائص ثابتة وحدها تجلياته السطحية تتحول مع الزمن”[i]

والأفضل أن نتعامل مع هذا التراث الاستشراقي تعاملاً نقدياً كما قال عبد النبي اصطيف: “أن نأخذ ونرفض على هدي البصيرة النقدية، والفحص المتمعن، أو قل أن نواجهه مواجهة إيجابية”

ويكمل عبد النبي اصطيف فيدعو إلى أن تكون الدراسات العربية هي الأصل والدراسات الاستشراقية هي الروافد، فيقول: “يبدو لي أن هذه المواجهة يجب أن تهدف إلى قلب الأوضاع القائمة في الدراسات العربية ووضعها مرة أخرى على قدميها. فبدلاً من أن تكون الدراسات الاستشراقية الخارجية هي التيار الرئيسي المحدد والمرجع الأساسي لدراسة الثقافة العربية في حين تبقى الدراسات التي تقدم بها الداخليون هي الروافد، يجب أن تصبح إسهامات العرب أنفسهم هي التيار الرئيسي والمجرى المحدد. في حين تصبح إسهامات المستشرقين هي الروافد”[ii]

ولقد أسف المستشرق الإيطالي فرانسيسكو غابرييلي لوضع الاستشراق كله في كفّة واحدة عند بعض الدارسين العرب وبيّن كيف أنه أنصف الحضارة الإسلامية وأمضى عمره في خدمتها فقال: “لقد أمضى كاتب هذه السطور حياته كلها في الدراسة المفعمة بالحماسة لواحدة من الحضارات الشرقية على الأقل: قصدت الحضارة العربية الإسلامية. ومما يدعو للاستغراب والدهشة أنه من هناك جاءتنا، ويا للأسف الشديد، أكبر الاتهامات وأكثرها جحوداً وإنكاراً لعمل الاستشراق. وعلى الرغم من أني ابن هذا الغرب ومرتبط بحضارته بكل حواسي ومشاعري إلا أني كنت دائماً أشعر بمدى عظمة هذه الحضارة العربية الإسلامية، ومدى شرفها وكرامتها بصفتها إحدى المكونات الشرقية لتاريخ البشرية.

وبالتالي عالم بالأمور وأستطيع أن أحكم فيها أو عليها. إني أرفض قطعياً هذا التقييم الظالم لأعمال الأجيال المتتالية من المستشرقين، أو المختصين بمعرفة الشرق والذين لا يهدفون إلى أي غرض أو مصلحة شخصية من وراء هذه المعرفة، إنهم يهدفون إلى خدمة العلم والفضول العلمي الذي يشكل إحدى خصائص الإنسان. وليس لي إلا أمنية واحدة: هي أن يخترع الشرق قيماً جديدة ومبتكرة قادرة على إغناء ميراث البشرية على هذه الأرض. وإذا لم يفعل ذلك واختار نقل القيم الغربية بعد إجراء التعديلات الضرورية عليها لكي تتأقلم معه فأتمنى أن يختار من بينها الأفضل والأكثر كرماً وغنىً بالخميرة النقدية. أتمنى أن يختار من بينها الأكثر قدرة على جعل البشر يكنون (حباً للآخرين كما يحبون أنفسهم) كما يقول شاعر إيطالي كبير، بدلاً من أن يتعلقوا بأتفه ما أنتجه الغرب وأكثره قمعاً وضرراً. ولكن إذا كانت الضرورة أو الاختيار الحر قد دفعاه إلى تفضيل هذه الأخيرة أي القيم السلبية في الغرب فأتمنى أن يعرف مصدرها ومنشأها ضمن منظور تاريخي صحيح لكيلا يسيء فهم الغرب أو يعمم حكمه السلبي عليه.”[iii]

وفي المقابل يمكن أن نتحدث عن نموذج قديم لبشرية وإنسانية الاستشراق وتاريخيته يلتقي مع المستشرق غابرييلي وهو المستشرق الألماني يوهان. ج. رايسكJ.J.Reiske  (1716-1774)، فقد كان عالماً لا يجاريه أحد في ذلك الوقت، ونذر نفسه لدراسة الأدب والتاريخ الإسلامي، وأدى به هذا التفاني إلى التوفق لاضطهاد اثنين من الأساتذة هما: شولتز وميخائيلس لأنهما كانا يريدا إبقاء الدراسات العربية الإسلامية ضمن نطاق الفيلولوجيا الدينية، وتفسير الكتاب المقدس، ولأن موقفه كان إيجابياً من الإسلام فقد تجاهله علماء عصره، واتهموه بالزندقة لأنه امتدح الإسلام في كتاب له باللاتينية، ورفض وصف النبي بالكذب والتضليل، ووصف دينه بأنه خرافات مضحكة، ورفض تقسيم العالم إلى تاريخ مقدس وتاريخ غير مقدس، وقد جر عليه ذلك ويلات كثيرة، وعاش طول حياته في ضائقة مالية، ومات يائساً مسلولاً في الثامنة والخمسين من عمره.[iv]

وعلى ضوء النظر النقدي، والنظر إلى السلبيات والإيجابيات في الأعمال الاستشراقية، فإننا نجد أن هناك سلبيات في الدراسات التي تناولت القرآن الكريم والوحي والسنة وسيرة النبي (ص)، وأبرز هذه السلبيات تقوم على غياب العلمية والموضوعية والمنهجية في معظم الأحيان, وتقوم على التشكيك في إلهية القرآن الكريم، ونزول الوحي على الرسول (ص)، وعلى اتهام المستشرقين الأحزاب السياسية والفرق التاريخية بوضع الأحاديث على لسان الرسول (ص)، وإلى اتهامهم بالوضع في وقائع سيرة الرسول (ص)، وعلى الأرجح أن هذه السلبيات جاءت من أسباب متعددة مرتبطة بظروف نشأته من جهة، ومرتبطة بظروف الحضارة الغربية من عنصرية وعرقية ومركزية وادعاء بالتفوق إلخ…. من جهة ثانية.

وبالمقابل نجد أن الاستشراق يصبح إيجابياً إذا ابتعد عن كل ما يتعلق بمفردات الدين الإسلامي، ويقدم مادة علمية يمكن أن تكون مفيدة إذا تحدث عن الاقتصاد أو العمارة أو الفن إلخ…..، ولكنه يصبح أكثر إيجابية عند تناوله المعاجم والفهارس والمخطوطات إلخ….، ونحن في هذه المداخلة سنرصد نماذج من سلبيات الاستشراق أولاً، ثم سنذكر الأسباب التي ولدت تلك السلبيات وجعلبتها أكثر من الايجابيات ثانيا، ثم سننتقل إلى الحديث عن نماذج من إيجابياته ثالثا.

أولاً: نماذج من سلبيات الاستشراق:

أ-موقف الاستشراق من القرآن الكريم:

لقد اعتبر الاستشراق والمستشرقون إلى أن القرآن الكريم من تأليف محمد -صلّى الله عليه وسلم- وأنه ليس وحياً، وأن محمداً ليس نبياً، وحاولوا أن ينسبوا كل ما فيه إلى تأثيرات يهودية ونصرانية، أو إلى تأثير المحيط الذي كان يعيش فيه، أو إلى أنه لم يكن يدعو إلى دين جديد بل كان يدعو إلى نوع من الاشتراكية فقد ذكر المستشرق الألماني هوبرت جريمي: “لم يكن محمد في بادئ الأمر يبشر بدين جديد، بل إنما كان يدعو إلى نوع من الاشتراكية، فالاسلام في صورته الأولى الأصلية لم يكن يحتاج إلى أن نرجعه إلى ديانة سابقة تفسر لنا تعاليمه، ذلك لأننا إذا نظرنا إليه عن كثب، نراه لم يظهر إلى الوجود كعقيدة دينية، بل كمحاولة للإصلاح الاجتماعي تهدف إلى تغيير الأوضاع الفاسدة، وعلى الأخص إلى إزالة الفروق الصارخة بين الأغنياء الجشعين ، والفقراء المضطهدين….. لذلك نراه يفرض ضريبة معينة لمساعدة المحتاجين. وهو إنما يستخدم فكرة الحساب في اليوم الآخر كوسيلة للضغط المعنوي وتأييد دعوته.”[v]

وأعاد المستشرق الانجليزي جب (Gibb) القرآن الكريم إلى ظروف البيئة الجاهلية فقال: “إن محمداً ككل شخصية مبدعة قد تأثر بضرورات الظروف الخارجية المحيطة به من جهة ، ثم هو من جهة أخرى قد شق طريقاً جديداً بين الأفكار والعقائد السائدة في زمانه، والدائرة في المكان الذي نشأ فيه….وانطباع هذا الدور الممتاز لمكة يمكن أن نقف على أثره واضحاً في كل أدوار حياة محمد، وبتعبير إنساني: إن محمداً نجح، لأنه كان واحداً من المكيين.” ثم يقول: “ويبدو أن معارضة المكيين له لم تكن من أجل تمسكهم بالقديم، أو بسبب عدم رغبتهم في الإيمان… بل ترجع أكثر ما ترجع إلى أسباب سياسية واقتصادية.”[vi]

وقد ذكر المفكر الفرنسي جوستاف لوبون أن الرسول محمداً (ص) كان مصاباً بالصرع فقال: “قيل أن محمد كان مصابا بالصرع, ولم أجد في تاريخ العرب ما يجيز القطع بذلك، وكل ما في الأمر ما رواه معاصروه وعائشة منهم: أنه كان إذا نزل الوحي عليه اعتراه احتقان فغطيط فغثيان. وإذا عدوت هوس محمد ككل مفتون، وجدته حصيفاً سليم الفكر.” ثم يقول: “ويجب عد محمد من فصيلة المتهوسين من الناحية العلمية كأكبر مؤسسي الديانات. ولا أهمية لذلك ، فلم يكن ذوو المزاج البارد من المفكرين هم الذين ينشئون الديانات، ويقودون الناس، وإنما أولو الهوس هم الذين مثلوا هذا الدور… وهم الذين أقاموا الأديان، وهدموا الدول، وأثاروا الجموع، وقادوا البشر. ولو كان العقل لا الهوس هو الذي يسود العالم، لكان للتاريخ مجرى آخر.”[vii]

وقرر جولدتزيهر أن المعرفة الدينية التي تلقاها محمد صلى الله عليه وسلم تعود إلى عنصرين داخلي وخارجي فقال: “فتبشير النبي العربي ليس إلا مزيجاً منتخباً من معارف وآراء دينية عرفها بفضل اتصاله بالعناصر اليهودية والمسيحية التي تأثر بها تأثراً عميقاً، والتي رأها جديرة بأن توقظ في بني وطنه عاطفة دينية صادقة، وهذه التعاليم التي أخذها عن تلك العناصر الأجنبية كانت في وجدانه ضرورية لإقرار لون من الحياة في اتجاه يريده الله.

لقد تأثر بهذه الأفكار تأثراً وصل إلى أعماق نفسه، وأدركها بإيحاء قوة التأثيرات الخارجية، فصارت عقيدة انطوى عليها قلبه، كما صار يعتبر هذه التعاليم وحياً إلهياً.”[viii]

وذكر بلاشير تشابه القصص القرآني مع القصص اليهودي والمسيحي، واعتبر أن محمداً (ص) أخذ قصص من المصادر اليهودية والمسيحية فقال: “وقد كان التأثير المسيحي واضحاً في السور المكية الأولى، إذ كثيراً ما تكشف مقارنة بالنصوص غير الرسمية كإنجيل الطفولة الذي كان سائداً في ذلك العهد عن شبه قوي. ويعرض في هذا الصدد آراء بعض الباحثين، مبينأ رأيه فيما يستنتج من العلاقات المستمرة التي كانت تربط بين مؤسس الإسلام والفقراء المسيحيين بمكة.”[ix]

وقد ركز المستشرقون شكوكهم حول القرآن الكريم وألوهيته في قضيتين:

  • الأولى: جمع القرآن ونسخه
  • الثانية: اختلاف القراء والقراءات.

 فقد ذكر جولدتزيهر اضطراب المسلمين في إثبات النص القرآني فقال: “فلا يوجد كتاب تشريعي اعترفت به طائفة دينية اعترافاً عقدياً على أنه نص منزل أو موحى به يقدم نصه في أقدم عصور تداوله مثل هذه الصورة من الاضطراب وعدم الثبات كما نجد في النص القرآني.”[x]

ب-موقف الاستشراق من السنة:

أنكر معظم المستشرقين السنة إنكاراً كاملاً، واتهموها بأنها موضوعة من المسلمين، وأن الأحزاب والفرق وصفت الأحاديث حسب مصلحتها، واخترعت إسناداً معيّناً لرواية هذه الأحاديث، وأبرز من تحدث عن هذا الموضوع (شاخت)، في كتابين هما: ( المدخل إلى الفقه الإسلامي) (Introduction to Islamic Law) وكتاب (أصول الشريعة الإسلامية)، وقد حاول شاخت أن يقلع جذور الشريعة الإسلامية، ويقضي على تاريخ التشريع قضاء كاملاً، ووصف ذلك الكتاب علماء المسلمين كافة –لحقب عديدة- من القرون الثلاثة الأولى، بأنهم كذابون وملفقون وغير أمناء، لذلك اعتبر المدارس الفقهية التي نشأت مع أبي حنيفة والشعبي ومالك والشافعي إلخ….. هي مدارس من اختراع هؤلاء الرجال، فليست هناك أحكام شرعية من الرسول (ص)، ثم جاء المحدثون واخترعوا أحاديث على لسان الرسول (ص) لينافسوهم، واحتدم الصراع بين الطرفين، ولاشك أن في هذا الكلام تشكيكاً غير معقول في كل التشريع الإسلامي، وكل السنة النبوية.

فقد تحدث (شاخت) عن مكانة الشريعة في الإسلام فقال: “إن القانون (أي الشريعة) تقع إلى حد كبير خارج نطاق الدين” ثم ردّد هذا بوضوح أكثر في كتابه (المدخل إلى الفقه الإسلامي) حيث قال: “في الجزء الأكبر من القرن الأول لم يكن للفقه الإسلامي-في معناه الاصطلاحي- وجود كما كان في عهد النبي، والقانون – أي الشريعة- من حيث هي هكذا كانت تقع خارجة عن نطاق الدين، وما لم يكن هناك اعتراض ديني أو معنوي روحي على تعامل خاص في السلوك فقد كانت مسألة القانون تمثل عملية لا مبالاة بالنسبة للمسلمين.”[xi]

ثم نفى وجود حديث واحد فقهي تصح نسبته إلى الرسول (ص) فقال: “من الصعوبة اعتبار حديث ما من الأحاديث الفقهية صحيح النسبة إلى النبي (ص).”[xii]

ثم فصل ذلك في أماكن متعددة في الكتابين المذكورين، فذكر أن الفقهاء نسبوا مدارسهم إلى فقهاء كبار قدماء، فمدرسة الكوفة نسبت فقهها إلى إبراهيم النخعي ثم أشركت ابن مسعود فقال: “وكان الكوفيون سبّاقين في نسبة نظرياتهم إلى إبراهيم النخعي ، وتبعهم في ذلك المدينون فيما بعد في هذا المجال. وعملية قذف الآراء إلى الماضي لإيجاد أساس نظري للفقه الاسلامي.. لم تتوقف على شخصيات متأخرة نسبياً، بل توغل العلماء في نسبتها إلى الماضي أكثر فأكثر حتى وصلوا إلى نقطة بداية الإسلام في الكوفة حيث أشرك ابن مسعود في هذا العمل.”[xiii]

ثم تحدث عن اختراع السنة من قبل المحديثين، فقال: “أما حركة المحديثين في القرن الثاني، فهي في الواقع نتيجة طبيعية لاستمرار حركة المعارضة للمدارس الفقهية القديمة، والتي كانت متأثرة بالدين والأخلاق، والفكرة الرئيسية التي كانت عند المحدثين هي أن الأحاديث –المأخوذة عن النبي صلى الله عليه وسلم- يجب أن تغلب على سنن المدارس الفقهية ولهذا الغرض اخترع المحدثون بيانات مفصلة أو أحاديث وادعوا أنها من مرئيات أو من مسموعات أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته وأنها وصلت إلينا شفهياً بأسانيد غير منقطعة وعن طريق رواة موثوقين. ومن الصعوبة بمكان أن نعتبر أي حديث منها خاصة فيما يتعلق بالأحاديث الفقهية صحيحاً موثوقاً به.”[xiv] 

ثم تحدث عن اختراع المدارس الفقهية لبعض السنن والأحاديث التي تدعم فقههم، وعدم استيراد الأحاديث التي يضعها المحدثون، فقال: “وأحسن ما كان يمكن عمله لأصحاب المدارس القديمة هو التقليل من استيراد الأحاديث النبوية عن طريق التفسير وإدخال آرائهم الفقهية ومواقفهم الشخصية في أحاديث أخرى منسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولو أن الفقهاء شاركوا المحدثين في وضع الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم بحيث نسبوا أقاويلهم إليه إلا أنه كان هذا انتصاراً لمبدأ المحدثين.”[xv]

واعتبر شاخت أن إسناد الأحاديث عمل اعتباطي، وهو شطب علماً كاملاً اعتزت به الأمة الإسلامية وتميزت به بكلمة واحدة دون أدنى تحقيق أو تمحيص فقال: “إن أكبر جزء من أسانيد الأحاديث اعتباطي، ومعلوم لدى الجميع أن الأسانيد بدأت بشكل بدائي، ووصلت إلى كمالها في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري، وكانت الأسانيد كثيراً ما لا تجد أقل اعتناء، وأي حزب يريد نسبة آرائه إلى المتقدمين كان يختار تلك الشخصيات ويضعها في الإسناد.”[xvi]

وأكد شاخت موقفه من السنة والأسانيد في مكان آخر فقال: “إن أكبر جزء من أسانيد الأحاديث اعتباطي، ومعلوم لدى الجميع أن الأسانيد بدأت بشكل بدائي، ووصلت إلى كمالها في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري، وكانت الأسانيد كثيراً ما لا تجد أقل اعتناء، وأي حزب يريد نسبة آرائه إلى المتقدمين كان يختار تلك الشخصيات ويضعها في الإسناد.”[xvii]

ج-موقف الاستشراق من السيرة:

لقد كان موقف الكنيسة ورجال الدين المسيحين متشنجاً نحو سيرة الرسول (ص) فلم يكونوا يرون فيه إلا الشرور والإثم والهمجية والتوحش فقال المونيسنيور كولي في كتاب (البحث عن الدين الحق): “برز في الشرق عدو جديد هو الإسلام الذي أسس على القوة وقام على أنواع التعصب. ولقد وضع محمد السيف في أيدي الذين تبعوه وتساهل في أقدس قوانين الأخلاق. ثم سمح لأتباعه بالفجور والسلب، ووعد الذين يهلكون في القتال بالاستمتاع الدائم بالملذات في الجنة. وبعد قليل أصبحت آسيا الصغرى وافريقيا وإسبانيا فريسة له. حتى إيطاليا هددها الخطر، وتناول الاجتياح نصف فرنسا، ولقد أصيبت المدينة.. ولكن انظر!! هاهي النصرانية تضع بسيف شارل مارتل سداً في وجه سير الإسلام المنتصر عند بواتيه (752م) ثم تعمل الحروب الصليبية في مدى قرنين تقريباً (1099-1254م) في سبيل الدين، فتدجج أوروبا بالسلاح وتنجي النصرانية، وهكذا تقهقرت قوة الهلال أمام راية الصليب، وانتصر الانجيل على القرآن وعلى ما فيه من قوانين الأخلاق الساذجة.”[xviii]

ثم قال المسيو كيمون في كتاب (ميثولوجيا الإسلام): “إن الديانة المحمدية جذام فشا بين الناس وأخذ يفتك بهم فتكاً ذريعاً. بل هو مرض مروع وشلل عام وجنون ذهني يبعث الإنسان على الخمول والكسل، ولا يوقظه منها إلا ليسفك الدماء ويدمن معاقرة الخمور، ويجمح في القبائح. وما قبر محمد في مكة إلا عمود كهربائي يبث الجنون في رؤوس المسلمين ويلجؤهم إلى الإتيان بمظاهر الصرع (الهستريا)، والذهول العقلي، وتكرار لفظة (الله الله) إلى ما لا نهاية، وتعود عادات تنقلب إلى طباع أصلية ككراهية لحم الخنزير والنبيذ والموسيقى وترتيب ما يستنبط من أفكار القسوة والفجور في الملذات.”[xix]

ثم قال جويليان في كتاب (تاريخ فرنسا): “إن محمداً، مؤسس دين المسلمين، قد أمر أتباعه أن يخضعوا العالم، وأن يبدلوا جميع الأديان بدينه هو. ما أعظم الفرق بين هؤلاء الوثنيين والنصارى!! إن هؤلاء العرب قد فرضوا دينهم بالقوة وقالوا للناس :أسلموا أو موتوا، بينما أتباع المسيح أراحوا النفوس ببرهم وإحسانهم. ماذا كانت حال العالم لو أن العرب انتصروا علينا؟ إذن لكنا مسلمين كالجزائريين والمراكشيين.” [xx]

ثم جاء مستشرقون بعد ذلك، لكن نظرتهم إلى سيرة الرسول (ص) لم تتغير، ولم تقم على منهجية علمية موضوعية، بل قام بعضها على المبالغة والشك والافتراض والنفي الكيفي، واعتماد الضعيف الشاذ، وقد أشار درمنغهم إلى هذه المسألة فقال: “من المؤسف حقاً أن غالى بعض هؤلاء المتخصصين – من أمثال موير ومرغوليوث ونولدكه وشبرنجر ودوزي وكيتاني ومارسين وغريم وغولدزيهر وغود فروا وغيرهم – في النقد أحياناً، فلم تزل كتبهم عامل هدم على الخصوص، ولا تزال النتائج التي انتهى إليها المستشرقون سلبية ناقصة. ولن تقوم سيرة على النفي، وليس من مقاصد كتابي أن يقوم على سلسلة من المجادلات المتناقضة.. ومن دواعي الأسف أن كان الأب لامانس- الذي هو من أفضل المستشرقين المعاصرين- من أشدهم تعصباً، وأنه شوه كتبه الرائعة الدقيقة وأفسدها بكرهه للإسلام ونبي الإسلام، فعند هذا العالم اليسوعي أن الحديث إذا وافق القرآن كان منقولاً عن القرآن فلا أدري كيف يمكن تأليف التاريخ إذا اقتضى تطابق الدليلين تهادمهما بحكم الضرورة، بدلاً من أن يؤيد أحدهما الآخر؟.”[xxi]

وقام بعضها على التأثيرات البيئية المعاصرة وعلى الوقائع التاريخية، ومما يذكر في هذا المجال اتهام المستشرقين للدعوة الإسلامية بأنها لم تكن دعوة عالمية، ولكنها كانت اقليمية خاصة بالعرب، ثم حوّلها الرسول محمد (ص) إلى عالمية، فقد قال السير وليم موير: “إن فكرة عالمية الرسالة قد جاءت فيما بعد. وإن هذه الفكرة على الرغم من كثرة الآيات والأحاديث التي تؤيدها، لم يفكر فيها محمد نفسه. وعلى فرض أنه فكر فيها فقد كانت الفكرة غامضة فإن عالمه الذي كان يفكر فيه، إنما كان بلاد العرب، كما أن هذا الدين الجديد لم يهيأ إلا لها. وأن محمداً لم يوجه دعوته منذ بعث إلى أن مات إلا للعرب دون غيرهم وهكذا نرى أن نواة عالمية الإسلام قد غرست ولكنها إذا كانت قد اختصرت ونمت بعد ذلك فإنما يرجع ذلك إلى الظروف والأحوال أكثر منه إلى الخطط والمناهج.”[xxii]

ثم إن كثيراً من المستشرقين ردوا معطيات السيرة إلى أصول مسيحية أو يهودية، ويمكن أن نستشهد بما قاله بروكلمان، فنتحدث عن الصراع بينه وبين اليهود، فقال: “لم يطل العهد بمحمد حتى شجر النزاع بينه وبين أحبار اليهود. فالواقع أنهم على الرغم مما تم لهم من علم هزيل في تلك البقعة النائية كانوا يفوقون النبي الأمي في المعلومات الوضعية وفي حدّة الإدراك” ونقرأ “كان على محمد أن يعوض خسارة أحد التي أصابت مجده العسكري، من طريق آخر، ففكر في القضاء على اليهود، فهاجم بني النضير لسبب واه” ويضرب فلها وزن على الوتر نفسه فيقول: “لم يبقى الإسلام على تسامحه بعد بدر بل شرع في الأخذ بسياسة إرهاب في داخل المدينة. وكانت إثارة مشكلة المنافقين علامة على ذلك التحول.. أما اليهود فقد حاول أن يظهرهم بمظهر المعتدين الناكثين للعهد، وفي غضون سنوات قليلة أخرج كل الجماعات أو قضى عليها في الواحات المحيطة بالمدينة حيث كانوا جماعات متماسكة كالقبائل العربية، وقد التمس لذلك أسباباً واهية.”[xxiii]

ثانياً: أسباب سلبيات الاستشراق:

جاءت سلبيات الاستشراق وابتعاد المستشرقين عن الموضوعية والعلمية في كثير من الأحيان لعدة أسباب:

الأول: ارتباط بعض المستشرقين بالكنيسة، وتعبيرهم عن وجهة نظرها، وربما كان هذا أكثر وضوحاً في القرون المتوسطة، حيث كان رجال الدين المسيحيين هم الذين يقومون بترجمة القرآن الكريم، ويقومون بترجمة بعض الكتب الإسلامية، ويتابعون شؤون المشرق، ثم يقومون بالدفاع عن الدين المسيحي في مواجهة الإسلام، وبالهجوم على الإسلام ومعتقداته ومن هؤلاء: البير الكبير الألماني (1206-1280م) ورايموند مارتيني (1230-1284) وقد تعلم اللغة العربية وأتقنها واهتم بدراسة القرآن الكريم وصحيحي البخاري ومسلم، ثم رايموند لول (1235-1314) الذي تعلم اللغة العربية على يد أسير في جزيرة ميورقي  بأسبانيا واستمر على ذلك لمدة تسع سنوات. واستمرت الأمور على هذا المنوال إلى العصر الحديث، وقيام هؤلاء الرهبان ورجال الدين بالتبشير في مختلف أنحاء العالم الإسلامي.

الثاني: ارتباط بعض المستشرقين بالدوائر الاستعمارية.

أوضح مثال على ذلك إنشاء حكومة الثورة الفرنسية مدرسة اللغات الشرقية بباريس 1795م، وكان ناظرها سلفستر دي ساسي وعلى يديه تعلم كبار المستشرقين الاستعماريين في أوروبا، وكان في تلاميذه نخبة كبيرة صاحبت نابليون في احتلال مصر عسكرياً من جانب قوات نابليون 1798م، واحتلال الشام 1799م.

ثم اهتموا بدراسة اللغات المحلية، واللهجات الدارجة فأسسوا مدارس نابولي والنمسا وموسكو وبريطانيا، ثم ألفوا أطلس لغوي عن لهجات الوطن العربي من تأليف برجستراشر بعنوان أطلس لهجات سورية وفلسطين طبع في ليبزج 1915م.

وهناك سلسلة طويلة من أسماء المستشرقين المرتبطين بالدوائر الاستعمارية على مدار القرنين التاسع عشر والعشرين، ويمكن أن نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: ماسينيون الذي عمل مستشاراً للإدارة الاستعمارية في الشؤون الإسلامية، ودي ساس الذي ترجم بيان الغزو الفرنسي للجزائر عام 1830، وكان يؤخذ رأيه من قبل وزيري الخارجية والحربية الفرنسيين، ولورنس الذي عمل مستشار للملك فيصل بي الحسين أثناء الحرب العالمية الأولى، وبرنارد لويس الذي يوجه الإدارة الأمريكية في الشؤون العربية إلخ…..

الثالث: الاعتقاد بمركزية أوروبا وتفوق الحضارة الغربية:

انعكست المقولة السابقة على الاستشراق فاعتقد المستشرقون بأن حضارتهم هي الحضارة الأرقى في تاريخ البشرية، وأنها الحضارة الأمثل، وأنها هي التي يجب أن تسود.

الرابع:الاعتقاد بتفوق العرق الأبيض:

اعتقد المستشرقون بأن العرق الأبيض هو العرق الأرقى تجاوباً مع المقولات العرقية السائدة آنذاك، والتي كانت ترى الاستعمار رسالة واجبة لصالح الشعوب المستعمَرة، وأن المستعمرين يحققون الإرادة الإلهية في استعمار آسيا وأفريقيا وإدخالهما عالم الحضارة.

الخامس: الاعتقاد بأن اللغات الأوروبية أرقى من اللغات السامية:

انتشرت نظريات في القرن التاسع عشر تحدثت عن تفوق اللغات الآرية على اللغات السامية، وانتقلت هذه العدوى إلى المستشرقين فقالوا بما قالت به النظريات المعاصرة لهم.

وقد تحدث إدوارد سعيد عن تضافر العوامل السابقة في خلق جو ثقافي استعلائي خدمه المستشرقون، فقال: “ففي ثقافة أواخر القرن التاسع عشر كانت النظرية العرقية بكلمات ليونيل تريلينغ، وقد نشطتها وحفزتها القومية الصاعدة والامبريالية المتوسعة، وأيدتها العلوم المتمثلة بصورة سيئة تكاد تكون غير متنازع عليها. وكانت النظرية العرقية ، والأفكار الشائعة حول الأصول البدائية والتصنيفات البدائية، والانحلال الحديث، وتقدم الحضارة، ومصير العروق البيضاء أو الآرية والحاجة إلى أرض مستعمرة، كانت هذه جميعاً عناصر في المزيج الغريب من العلوم والسياسة، والثقافة الذي كان نزوعه، دون استثناء تقريباً، نزوعاً إلى رفع أوروبا، أو عرق أوروبي ما، إلى مرتبة السيادة فوق القسم غير الأوروبي من بني البشر.”[xxiv]

ثم ذكر الكتب والعلماء الذين أصلوا ونظّروا للأفكار العرقية الاستعلائية في الاستشراق فقال: “فإن ملاحظة حول ما كان الشرقيون قادرين أو غير قادرين على القيام به كانت مؤيدة بحقائق علم حياتية كتلك التي أفصح عنها بي.تشارلس ميشيل في مقالته ( نظرة علم حياتية في سياستنا الخارجية (1896)، وتوماس هنري هكسلي في كتابه الصراع من أجل الوجود في المجتمع الإنساني (1888)، وبنجمن كد في كتابه الارتقاء الاجتماعي (1894)، وجون ب.كروزيير في تاريخ التطور الفكري على نسق الارتقاء الحديث (1897-1901)، وتشارلس هارفي في التركيب الحيواتي للسياسة البريطانية (1904)، وقد افترض أنه إذا كانت اللغات من الاختلاف فيما بينها بالقدر الذي وصفه اللغويون، فإن مستخدمي اللغات –عقولهم، وثقافاتهم، وطاقاتهم الكامنة، بل حتى أجسامهم- كانت مختلفة بطرق مشابهة. وكان وراء هذه التمييزات قوة الحقيقة الوجودية (الانطولوجية) التجريبية بالإضافة إلى البرهان المقنع على مثل هذه الحقيقة في دراسات الأصول، والتطور، والشخصية، والمصير.”[xxv]

وقد أكد الكلام السابق (جورج كوفيير) الذي كتب عام 1800 أي بعد سنوات قليلة من الثورة الفرنسية بياناً توجيهياً للبعثات الفرنسية المزمعة التوغل في البلاد الشرقية رسالة عن “اللامساواة بين الأعراق البشرية” وذكر فيها أن سلوك أبناء الشعوب وحضارتهم تتوقف على شكلهم التشريحي، وقسم العالم إلى عرق أبيض وأصفر وأسود، وأعطى الأعراق المختلفة درجات من الحضارة حسب هذا التسلسل اللوني، ونقل كوفيير رسالته هذه في التمييز العنصري من ميدان الدين (اليهودي) والتقاليد القبلية إلى ميدان العلم، ورسم الارتباط بين الأعراق، والسعي الاستعماري للغرب، وكأنه حتمية حضارية يحملها الغرب على عاتقه لتحضير الشعوب الأخرى.

ثالثاً: نماذج من إيجابيات الاستشراق:

تبرز إيجابيات الاستشراق كلما ابتعدنا عن الدين الإسلامي ورسوله وقرآنه وحديثه وفقهه إلخ….، وهناك عدة مجالات برزت فيها هذه الإيجابيات منها المعاجم, والاقتصاد، والعمارة, والفن إلخ…, وسنستعرض بعضها، وهي:

1-المعاجم والفهارس، وحفظ المخطوطات وتحقيقها:

لقد عمل المستشرقون منذ فترة مبكرة على عمل المعاجم التي تسهل تعاملهم مع التراث، ومن أبرز هذه المعاجم التي عملوها والتي سنتحدث عنها على سبيل المثال لا الحصر، من أبرزها:

  • المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم:

كان معجم “نجوم الفرقان في أطراف القرآن” لمؤلفه المستشرق الألماني فلوجل والذي طبع لأول مرة عام 1842م، خير ما ألّف في هذا الفن وأكثره استيعاباً دون منازع حسب إقرار محمد عبد الباقي، الذي جعل معجم فلوجل أساساً لمعجمه الذي وضعه، بعد أن راجع معجم فلوجل مادة مادة، والذي طبع لأول مرة في أربعينيات القرن العشرين أي بعد مائة سنة من طباعة معجم فلوجل، والذي استفاد منه استفادة عظيمة.

  • مفتاح كنوز السنة:

وهو معجم يجدول الأحاديث حول مضامين الحديث، ويدلّك على ما ورد فيها من كل موضوع بمراجعة أخص كلمة تدل على أصل الموضوع، ثم ما يليها من فروعه.

وقد ألفه المستشرق الهولندي فنسنك وترجم إلى العربية من الانكليزية واعتبر محمد رشيد رضا وهو المتخصص في السنة النبوية أنه لا يستغني عنه أعلم علماء الحديث، وذكر أنه لو وجد بين يديه مثل هذا المفتاح لوفّر عليه ثلاثة أرباع عمره الذي أنفقه في المراجعة، وقد قال مثل ذلك العلامة أحمد شاكر في مقدمته –أيضاً- للكتاب، والمفتاح يفهرس مضمون أحاديث أربعة عشر كتاباً وهي: صحيحا البخاري ومسلم وسنن أبي داوود والترمذي والنسائي وابن ماجة والدارمي، وموطأ مالك، ومسند زيد بي علي وطبقات ابن سعد ومسند أحمد بن حنبل، ومسند الطيالسي، وسيرة ابن هشام، ومغازي الواقدي.

ج-المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي:

بفهرس لكل ألفاظ الحديث في كل أحاديث الصحاح والسنن والمسانيد، وهو من أضخم المعاجم في مجال كتب الأحاديث، وهو للمستشرق الألماني فنسنك، وقد طبع لأول مرة في مكتبة بريل عام 1936.

د-جمع المخطوطات وأوراق البردي:

جمعت آلاف المخطوطات من العالم الإسلامي، وحُفظت في مكتبات مدن أوروبا كباريس ولندن إلخ….، كما حفظت أوراق البردي المنقولة من مصر وغيرها، وعقد مؤتمران عالميان في نهاية القرن التاسع عشر عن هذه المخطوطات والأوراق في برلين في ألمانيا، كما يعتبر كارل بروكمان وتلميذه فؤاد سركيين من أبرز المستشرقين الذين جمعوا المخطوطات وفهرسوها.

2-دراسات في المجال الاقتصادي:

قد كانت دراسات بعض المستشرقين نحو الاقتصاد الإسلامي علمية وموضوعية ذات فائدة، فقد ألقت أضواء على جوانب خفية من اقتصادنا، ويمكن أن نأخذ كتابين كنموذج لهذه الدراسات: الأول: كتاب (الإسلام والرأسمالية) الذي ألفه مكسيم رودنسون، ودرس فيه السبب في عدم نشوء الرأسمالية كتطور اقتصادي في العالم الإسلامي، وعلل ذلك بعوامل داخلية للنظام الاقتصادي الإسلامي، ومنها: نظام المواريث الذي يفتت الثروة من جهة، وإلى تحريم الربا من جهة ثانية. والثاني: (الحرفيون والتجار في القاهرة في القرن الثامن عشر) للمؤلف أندريه سيمون الذي أنفق ما يزيد من نصف القرن من عمره في البحث عن تاريخ ذلك العصر، ومما يلفت النظر الجهد الكبير الذي بذله المؤلف في جمع مادة الكتاب من مختلف الأرشيفات والمكتبات، ومما يلفت النظر –أيضاً- هو استكشاف جانب غامض من تاريخ مصر من خلال دراسة البناء الاقتصادي.

3-دراسات في مجال العمارة:

بينت دراسات المستشرقين شخصية العمارة في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، وبينت ميزات كل بلد إسلامي، فهناك العمارة الهندية (العصر الإسلامي) للمؤلف ب. براون، (العمارة الفارسية) للمؤلف أ. يو. بوب، العمارة التركية للمؤلف ب. أتسال، تاريخ العمارة في أذربيجان للمؤلف م. أومينو وآخرون، فن البناء الإسلامي في مصر للمؤلف د. براندبيرغ، العمارة الإسلامية الأولى للمؤلف ل. أ. سي. رويزويل، الروضة التيمورية في جازرجا للمؤلف ل غولومبك، المسجد الأموي في المدينة جان سوفاجيه، عمارة إيران الإسلامية في العصر الإيلخاني د. ويير.

4-الفنون والتصوير والزخارف:

تحدث المستشرقون عن مواضيع دقيقة من مثل الفن الإسلامي، والناحية الجمالية، ووحدتها في كل المجالات، وتحدثوا عن الزخارف التي اعتمدت التقسيم الهندسي الذي يقوم على وحدات اتخذت أشكالاً نجمية، ثم طورت هذا الأسلوب فاتخذت أشكالاً زهرية على هيئة غصون الشجر تغطي بها مسطحات كالبسط وصفحات المخطوطات والأبواب وجوانب المنابر وما إلى ذلك.

وكانت هذه الدراسات علمية وموضوعية في أغلب الأحيان، ويمكن أن نشير إلى بعضها: التصوير العربي للمألف ريتشارد إتنجهاوزن، فن الإسلام (الفنون والطراز والأساليب الفنية) للمألف جورج مارسيه، ملاحظات عن شخصية الفن الإسلامي للمألف م. أجا. أوجلو، روح الفن الإسلامي للمألف سي. ج. لام، طرائق العمل الفني عند الشعوب الإسلامية للمألف لوي ماسينيون.


[i] الاستشراق والاستشراق معكوسا, صادق جلال العظم, 1981, ص 9

[ii] المستقبل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، 1983، ص34

[iii] مجلة (ديوجين)، العدد 50، 1965.

[iv] د. حمدي زقزوق، الاستشراق، ص(35)

[v] هوبرت غريمي، محمد

[vi] جب، المذهب المحمدي، ص (27)

[vii] جوستاف لوبون، حضارة العرب ترجمة أكرم زعيتر، (ط. بيروت 1399)، ص(141-145)

[viii] جولدتزيهر، العقيدة والشريعة في الإسلام، ترجمة يوسف موسى، (ط.مصر 1948)، ص(12)

[ix] بلاشير، معضلة محمد، باريس 1960، ص(60)

[x] جولدتزيهر، مذاهب التفسير الإسلامي، ص(4)

[xi] شاخت، المدخل إلى الفقه الإسلامي، ص(19)

[xii] المصدر نفسه، ص(34)

[xiii] المصدر نفسه، ص(32)

[xiv] المصدر نفسه، ص(34)

[xv] المصدر نفسه، ص(35-36)

[xvi] شاخت، أصول الشريعة الإسلامية، ص(163-164)

[xvii] المصدر نفسه، ص(163-164)

[xviii] عن النصوص السابقة انظر محمد البيهي الفكر الإسلامي الحديث وصفة الاستعمار الغربي ص(507-521)، عمر فروخ ومصطفى الخالدي، التبشير والاستعمار في البلاد العربية(16-14)

[xix] عن النصوص السابقة انظر محمد البيهي الفكر الإسلامي الحديث وصفة الاستعمار الغربي ص(507-521)، عمر فروخ ومصطفى الخالدي، التبشير والاستعمار في البلاد العربية(16-14)

[xx] عن النصوص السابقة انظر محمد البيهي الفكر الإسلامي الحديث وصفة الاستعمار الغربي ص(507-521)، عمر فروخ ومصطفى الخالدي، التبشير والاستعمار في البلاد العربية(16-14)

[xxi] أميل درمنغهم، حياة محمد، المقدمة ص(8-11)

[xxii] وليم مور، الخلافة، ص(43-44)

[xxiii] يوليوس فلهاوزن، تاريخ الدولة العربية، ص(15-16)

[xxiv] ادوارد سعيد، الاستشراق، ترجمة كمال أبو ديب، ط.4 بيروت، ص(240)

[xxv] المصدر نفسه، ص(241)

المصادر والمراجع

1-صادق جلال العظم، الاستشراق والاستشراق معكوساً، 1981.

2-جوستان لوبون، حضارة العرب، ترجمة أكرم زعيتر، بيروت 1993.

3-جولدتزيهر: أ-العقيدة والشريعة في الإسلام، ترجمة يوسف موسى، مصر 1948.

ب-مذاهب التفسير الإسلامي.

4-بلاشير، معضلة محمد، باريس 1960.

5-شاخت: أ-المدخل إلى الفقه الإسلامي.

ب-أصول الشريعة المحمدية.

6-محمد البهي، الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي، الطبعة الخامسة، دار الفكر ببيروت.

7-عمر فروخ ومصطفى الخالدي، التبشير والاستعمار في البلاد العربية، المكتبة العصرية، بيروت 1970.

8-وليم مور، الخلافة: الصعود والسقوط، لندن 1891.

9-ادوارد سعيد، الاستشراق، ترجمة كمال أبو ديب، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت 1994.

10-محمد فؤاد عبد الباقي، المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، مؤسسة جمال، بيروت.

11-فنسنك، مفتاح كنوز السنة، ترجمة محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت 1983.

12-أندريه ريمون، الحرفيون والتجار في القاهرة في القرن الثامن عشر، ترجمة ناصر أحمد إبراهيم وباقر جمال الدين، مراجعة رؤوف عباس، إصدار المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2005.

13-فلهاوزن، تاريخ الدولة العربية، ترجمة محمد عبد الهادي أبو ريدة، ط2 لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، 1968.

14-مونتغمري وات، محمد في مكة، ترجمة شعبان بركات، المكتبة العصرية، بيروت.

15-أميل درمنغم، حياة محمد، ترجمة عادل زعيتر، الطبعة الثانية، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة 1949.

16-كارل بروكلمان، تاريخ الشعوب الإسلامية، ترجمة فارس والبعلبكي، الطبعة الخامسة، دار العلم للملايين، بيروت 1968.

ظهرت المقالة سلبيات الاستشراق وإيجابياته: المجالات والأسباب أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
https://www.al-ommah.com/%d8%b3%d9%84%d8%a8%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d8%b4%d8%b1%d8%a7%d9%82-%d9%88%d8%a5%d9%8a%d8%ac%d8%a7%d8%a8%d9%8a%d8%a7%d8%aa%d9%87/feed/ 0 2546
مع كتاب آخر للدكتور محمد عابد الجابري https://www.al-ommah.com/%d9%85%d8%b9-%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%a2%d8%ae%d8%b1-%d9%84%d9%84%d8%af%d9%83%d8%aa%d9%88%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d8%a7%d8%a8%d8%b1%d9%8a/ https://www.al-ommah.com/%d9%85%d8%b9-%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%a2%d8%ae%d8%b1-%d9%84%d9%84%d8%af%d9%83%d8%aa%d9%88%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d8%a7%d8%a8%d8%b1%d9%8a/#respond Thu, 09 Dec 2010 01:39:00 +0000 https://al-ommah.com/?p=1962 ألف الدكتور محمد عابد الجابري أربع كتب عن القرآن الكريم قبل وفاته، واحد سماه: (مدخل الى القرآن الكريم: الجزء الأول في التعريف بالقرآن)، وثلاثة أخرى في تفسير القرآن الكريم حسب نزول الآيات والسور. وقد طرح الجابري أفكارا في منتهى الخطورة في كل ما كتبه عن الدين الاسلامي. وقد كتبت مقالا […]

ظهرت المقالة مع كتاب آخر للدكتور محمد عابد الجابري أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
ألف الدكتور محمد عابد الجابري أربع كتب عن القرآن الكريم قبل وفاته، واحد سماه: (مدخل الى القرآن الكريم: الجزء الأول في التعريف بالقرآن)، وثلاثة أخرى في تفسير القرآن الكريم حسب نزول الآيات والسور.

وقد طرح الجابري أفكارا في منتهى الخطورة في كل ما كتبه عن الدين الاسلامي.

وقد كتبت مقالا تناولت فيه الفصلين الأوليين من كتاب (مدخل إلى القرآن الكريم)، ونشرته في مجلة (البيان) التي تصدر في لندن تحت عنوان: ( قراءة في كتاب “مدخل إلى القرآن الكريم ” للدكتور الجابري) في عدد ذي الحجة لعام 1431 وها أنذا أعيد نشره في كلمة المشرف، وفي زاوية (نقد كتب فكرية) من هذا الموقع.

وأحب أن أنبه القارئ الكريم إلى أن الجابري طرق فكرة قديمة، سبقه إليها طه حسين وهي أن القرآن انعكاس للبيئة والمجتمع الذي انبثق عنه، ولكن الجابري طرح قضية واحدة عن محمد صلى الله عليه وسلم وهي (قضية التوحيد) واعتبرها انعكاسا لواقع يعج بالتوحيد، وهو في هذا مخطئ، وقد دللت على خطئه من عدة أوجه.

أسأل الله – في الختام- أن يبصرنا بالحق، ويبعدنا عن الباطل، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الخميس في 3 من محرم 1432 / 9 من كانون الأول (ديسمبر) 2010

المشرف: الشيخ الدكتور غازي التوبة

من موقع منبر الأمة قراءة في كتاب “مدخل إلى القرآن الكريم ” للدكتور الجابري 

من موقع البيان قراءة في كتاب ( مدخل الى القران الكريم) للدكتور الجابري

ظهرت المقالة مع كتاب آخر للدكتور محمد عابد الجابري أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
https://www.al-ommah.com/%d9%85%d8%b9-%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%a2%d8%ae%d8%b1-%d9%84%d9%84%d8%af%d9%83%d8%aa%d9%88%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d8%a7%d8%a8%d8%b1%d9%8a/feed/ 0 1962
قراءة في كتاب “مدخل إلى القرآن الكريم” للدكتور الجابري https://www.al-ommah.com/%d9%85%d8%af%d8%ae%d9%84-%d8%a5%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b1%d8%a2%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%b1%d9%8a%d9%85/ https://www.al-ommah.com/%d9%85%d8%af%d8%ae%d9%84-%d8%a5%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b1%d8%a2%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%b1%d9%8a%d9%85/#respond Sun, 12 Sep 2010 11:34:18 +0000 https://al-ommah.com/?p=869 دراسة وتقويم للفصلين الأوليين طرح الدكتور محمد عابد الجابري عدداً من الآراء فيما يتعلق بالتراث، فكتب عدداً من الكتب عن العقل العربي، وعن مقدمة ابن خلدون، وحقق جميع كتب ابن رشد وكتب عنها  دراسات، وآخر شيء ألفه كان عن القرآن الكريم، واشتمل أربعة كتب، الأول: (مدخل إلى القرآن الكريم: الجزء […]

ظهرت المقالة قراءة في كتاب “مدخل إلى القرآن الكريم” للدكتور الجابري أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
دراسة وتقويم للفصلين الأوليين

طرح الدكتور محمد عابد الجابري عدداً من الآراء فيما يتعلق بالتراث، فكتب عدداً من الكتب عن العقل العربي، وعن مقدمة ابن خلدون، وحقق جميع كتب ابن رشد وكتب عنها  دراسات، وآخر شيء ألفه كان عن القرآن الكريم، واشتمل أربعة كتب،

  • الأول: (مدخل إلى القرآن الكريم: الجزء الأول في التعريف بالقرآن).
  • والثلاثة الأخرى سماها (فهم القرآن الحكيم: التفسير الواضح حسب ترتيب النزول).

وقد طرح أشياء متعددة في هذه الكتب الأربعة حول أمور متعددة في العقيدة والتشريع والسيرة والسياسة إلخ..

وقد جاء كثير منها في منتهى الخطورة، وتكونت خطورتها من أن صاحبها مطلع على التراث بشكل واسع من جهة، ومطلع كذلك على علوم الحضارة الغربية وفلسفتها بشكل تفصيلي من جهة ثانية، ومستهدف لتغيير أوضاع الأمة باتجاه النموذج الغربي من جهة ثالثة.

          وللحق فإن استعراض الأفكار الخاطئة التي طرحها “الجابري” والرد عليها يقتضي عدة مقالات، وسأجتهد أن أرد على بعضها في هذا المقال، وهي الأفكار الأولى التي أوردها الجابري في الفصلين الأوليين من الكتاب الأول: (مدخل إلى القرآن الكريم: الجزء في التعريف بالقرآن الكريم).

تحدث الجابري في ذانك الفصلين عن الأوضاع التي كانت موجودة لحظة نزول الوحي على الرسول صلى الله عليه وسلم؛ وأشار الجابري إلى انتشار التوحيد في مختلف المناطق المحيطة بالجزيرة العربية: مصر، بلاد الشام، العراق، إلخ..،

وأشار إلى عدة فرق انشقت عن المسيحية واعتبرت المسيح عليه السلام إنساناً وليس إلهاً كما ادعت المسيحية الرسمية، ومن هذه الفرق فرقة “الأبيونية”، ونقل الجابري:

“إنهم كانوا يحفظون السبت اليهودي، والناموس الموسوي حفظاً وفياً، وينادون بأن الختان ضروري للخلاص، وأن الناموس القديم فرض على جميع المسيحيين”.

ونقل الجابري من مصادر في موسوعة تاريخ أقباط مصر، فقال:

“أصبح الأبيونيون جماعة كبيرة العدد انتشروا أصلاً في منطقة بابل وفي فلسطين والأقطار المجاورة وامتدوا أيضاً إلى روما وإلى جميع مراكز الشتات اليهودي”

ونقل عنهم أيضاً:

“إنهم –أي الأبيونيون- اتهموا بولس الرسول –صاحب نظرية التثليث- باتهامات مرة وقاسية، ووصفوه بأنه متمرد ومارق عن الناموس، وأنكروا سلطانه ورفضوا رسائله، واكتفوا باستعمال النص العبراني لإنجيل متّى ولا يعيرون الأناجيل الأخرى أهمية تذكر”. (ص43، مدخل إلى القرآن الكريم)

ورجّح الجابري أن تكون فرقة (الأبيونيين) هذه هي الفرقة التي أشار إليها القرآن الكريم في قوله تعالى:

(لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا الذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون) (المائدة، 583).

وهي الفرقة التي أشار القرآن الكريم إليها في سورة الصف حيث قال تعالى:

(يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى بن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله فآمنت طائفة…) (الصف، 14).

          وقد أشار الجابري إلى فرقة أخرى ثارت على التثليث هي (الآريوسية) نسبة إلى آريوس المولود 270م، وأعلن ثورته على القول بألوهية المسيح عام 1323م، مؤكداً بشريته، مقرراً أن الآب وحده هو الإله، ومن هنا وصف أتباعه “الموحدين”.

وقد أحدثت آراء آريوس الجريئة أزمة خطيرة على الصعيدين الديني والسياسي في العالم المسيحي، وقد انقسم الناس بين مؤيدين ومعارضين، فتولدت عن ذلك أزمة استمرت أكثر من سنتين (318-320) تعرض خلالها كيان الامبراطورية الرومانية لخطر الانهيار المحقق.

ومن أجل وضع حد لهذه الأزمة تدخل الامبراطور “قسطنطين العظيم” إلى جانب آريوس أولا، ثم ما لبث أن عاد فوقف إلى جانب الكنيسة ورجالها، ودعا إلى عقد مجمع مسكوني في نيقية (عام325م) لإيجاد حل لهذه المسألة.

وقد قرر هذا المجمع طرد آريوس وأصحابه على أساس أنهم فرقة ضالة مبتدعة، كما وضع ذلك المجمع “قانون الإيمان” الذي كرس عقيدة التثليث. لكن أتباع آريوس استمروا في نشر مذهبهم التوحيدي في أنحاء كثيرة من الامبراطورية البيزنطية: في سورية وفلسطين، والأردن والعراق، واليمن، وفي جهات مختلفة من حوض البحر الأبيض المتوسط وبالخصوص شمال أفريقية وأسبانيا.

ثم عرض جانباً آخر من الوضع في الجزيرة العربية، وتحدث عن ظاهرتين:

الأولى: تبشير بعض الرهبان من اليهود والنصارى بقرب ظهور نبي جديد، ومن الأمثلة على ذلك الراهب بحيرى في بصرى الذي وردت قصته في سيرة ابن إسحاق، وحديث أحبار اليهود عن ظهور نبي جديد في المدينة، وتعاليهم على القبائل العربية، وتفاخرهم بأنه سيكون من بني إسرائيل.

الثانية: الرحلة والسياحة للبحث عن الدين الحق، ومن المثال على ذلك: قصة سلمان الفارسي رضي الله عنه، ومنهم أيضاً أربعة من أهل قريش نبذوا عبادة الأصنام وطلبوا دين جدهم إبراهيم عليه السلام، وتفرقوا في البلدان يلتمسون الحنيفية دين إبراهيم، وهم: ورقة بن نوفل، وزيد بن عمرو بن نفيل ابن عم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعبيد الله بن جحش، وعثمان بن الحويرث.

وتحدث الجابري عن جانب آخر من الوضع في الجزيرة وهي ظاهرة الحنفاء ومنهم: أمية بن أبي الصلت الثقفي من الطائف، وخالد بن سنان العبسي.

ثم تحدث عن شرقي الجزيرة العربية، فذكر أن هناك رهباناً ظهروا من أمثال رئاب بن البراء الشتي، وريان بن زيد بن عمرو، وقس بن ساعدة الإيادي.

          ثم استشف الجابري من رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم لهرقل امبراطور الدولة الرومانية، وللمقوقس حاكم مصر، أن هناك طائفة موحدة في مملكتيهما بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم أشار في رسالته إلى هرقل بأن عليه إثم “الأريسيين“، وقد اعتبر الجابري أن هذه العبارة الغامضة تعني أن هناك طائفة من الموحدين أتباع “آريوس” الذي دعا إلى التوحيد ورفض التثليث الذي أقره مجمع نيقية، مع أن معظم المفسرين الذين فسروا هذه العبارة مالوا إلى تفسيرها بكلمة “الفلاحين” أو “الأكارين”.

ما الذي نستفيده من عرض الجابري الطويل عن “الموحدين” في الجزيرة العربية وخارجها؟ وما المسكوت عنه في حديثه الطويل ذلك؟ أبرز ما يمكن أن يقال عن هذا العرض الطويل إن التوحيد الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم هو انعكاس ومرآة للتوحيد الذي كانت تعج به الجزيرة العربية وما حولها، وهو ليس جديداً كما يتوهم الدارسون، وقد انضمت كل هذه الفئات والطوائف إلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم عندما دعا إلى التوحيد لأنها وجدت عنده ما كانت متمسكة به، وما كان وجودها قائماً عليه، وما كانت حياتها مرتبطة به.

وهذا الكلام قريب من كلام طه حسين في مطلع القرن العشرين “في الشعر الجاهلي” عن أن القرآن الكريم أصدق تصويراً لواقع الجزيرة العربية من الشعر الجاهلي، وقريب من قول المستشرق جب في كتاب “المذهب المحمدي” بأن القرآن الكريم هو انعكاس لبيئة الجزيرة العربية في عقل محمد صلى الله عليه وسلم.

والفرق بين كلام الجابري وبين كلام طه حسين والمستشرق جب في الكم، فقد تحدث الجابري عن قضية واحدة هي قضية “التوحيد” في القرآن الكريم، لكن طه حسين وجب تحدثا عن القرآن الكريم كله.

          وهذا التصوير الذي اجتهد الجابري في بلورته عن المنطقة، وتعسف من أجله في تفسير بعض آيات القرآن الكريم ليس صحيحاً ولا سليماً، واستند فيه على أحداث فردية، وسنذكر خمسة أدلة على خطئه في هذا التصوير:

الدليل الأول

يناقض تصوير الجابري لوضع البشرية غداة بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم  تصوير الرسول لهذا الوضع، حيث ورد في عدة أحاديث منها ما حدثنا به عياض بن حمار المجاشعي  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم في خطبته:

“ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني، يومي هذا، كل مال نحلته عبداً حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً، وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم، عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب، وقال: إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك، وأنزلت عليك كتاباً لا يغسله الماء. تقرؤه نائماً ويقظان، إلخ..” (صحيح مسلم).

وهذا الحديث يبين فيه الرسول صلى الله عليه وسلم حال البشرية غداة بعثته، ويبين فيه أن الله نظر إلى أهل الأرض غداة بعثته فمقتهم، والمقت أشد الغضب، وجاء مقت الله لأهل الأرض لأنهم انحرفوا عن جادة الصواب في معرفته وعبادته سبحانه وتعالى، ولا شك أن تصوير الرسول الذي لا ينطق عن الهوى أشد دقة من كلام الجابري وغيره في تصوير حال أهل الأرض غداة بعثته عليه الصلاة والسلام.

الدليل الثاني

يناقض تصوير الجابري وضع البشرية غداة بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم تصوير علماء الأمة على مدار  التاريخ، وسنأخذ مثالاً واحداً على ذلك هو ابن القيم الجوزية.

فقد وضح ابن القيم في كتاب (هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى) في وضع البشرية قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم فقال:

“ولما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم كان أهل الأرض صنفين: أهل الكتاب، وزنادقة لا كتاب لهم. وكان أهل الكتاب أفضل الصنفين، وهم نوعان: مغضوب عليهم، وضالون.

فالأمة الغضبية هم “اليهود”، أهل الكذب والبهت والغدر والمكر والحيل، قتلة الأنبياء، وأكلة السحت والربا والزنا، أخبث الناس طوية وأرداهم سجية، وأبعدهم من الرحمة، إلخ..

والصنف الثاني: “المثلثة”، أمة الضلال، وعبّاد الصليب الذين سبوا الله الخالق مسبّة ما سبّه إياها أحد من البشر، ولم يقروا بأنه الواحد الأحد الفرد الصمد، الذي (لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد) إلخ..

          فهذا حال من له كتاب، وأما من لا كتاب له، فهو بين عابد أوثان، وعابد نيران، وعابد شيطان، وصابئ حيران، يجمعهم الشرك، وتكذيب الرسل، وتعطيل الشرائع، وإنكار المعاد إلخ.. وأمة المجوس منهم، تستفرش الأمهات والبنات والأخوات والعمات والخالات إلخ..

          وأما زنادقة الصابئة وملاحدة الفلاسفة فلا يؤمنون بالله ولا ملائكته ولا كتبه ولا رسله ولا لقائه إلخ..

وبالجملة: “فدين الحنيفية الذي لا دين لله غيره بين هذه الأديان الباطلة التي لا دين في الأرض غيرها أخفى من السها تحت السحاب”، “وقد نظر الله إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب”. (فصل الأمم قبل البعثة، ص19)

الدليل الثالث

ظن الجابري أن التوحيد هو: نفي التعدد، وأنه الإقرار بإله واحد فقط، وليس من شك بأن نفي التعدد عن ذات الله، والإقرار بوحدانيته جانب من التوحيد، لكن هذا حقيقة واحدة من حقائق التوحيد الذي دعا إليه القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة، فالتوحيد يشمل عشرات الحقائق الأخرى، منها ما يتعلق بذات الله وصفاته وأسمائه إلخ.. ومنها ما يتعلق بعبادته وكيفية دعائه وأوقاتها، وأفعاله وما الذي يحبه وما الذي لا يحبه إلخ.. ومنها ما يتعلق بصورة علاقاته بمخلوقاته إلخ.. وهناك أمور تتعلق بالألوهية والربوبية وبالشرك وأنواعه وأصنافه إلخ..، وليس التوحيد فقط هو نفي التعدد عن الله تعالى، فأين هذا التوحيد الذي عرفته كتب العقائد من التوحيد الذي تحدث عنه الجابري؟؟!!

الدليل الرابع

لو كان الوضع كما صوره الجابري وأن التوحيد بخير، وأن الموحدين يعج بهم المكان والزمان، لما كانت هناك حاجة إلى إرسال رسول، فقد بين المفسرون في أكثر من موضع من تفسير القرآن الكريم وتاريخ الأنبياء، أن الله كان يبعث رسولاً وينزل كتاباً عندما يعم الكفر، ويستشري الضلال، ويتعمق الشرك فيبعث الله رسولاً لكي يعم النور والهدى، وهذا من رحمته –تعالى- بعباده، ومن المعلوم أن الله بعث عيسى عليه السلام عندما استحكم الضلال في بني إسرائيل، وهو ما ينطبق على الظروف التي أحاطت بابتعاث الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، فبعثه عندما استحكم الكفر والشرك والضلال في الأرض.

الدليل الخامس

ذكر الجابري أنه حدد لنفسه هدفاً منذ أزيد من ربع قرن عندما بدأ دراساته في الموروث الثقافي، أنه سيجعل المقروء معاصراً لنفسه ومعاصراً لنا في الوقت نفسه، هذا في مقدمة كتاب (نحن والتراث)، وهو قد وضح هذا الكلام في مقدمة كتاب (مدخل إلى القرآن الكريم)، فماذا كانت نتائج هذا الهدف في جعل المقروء معاصراً لنفسه، ومعاصراً لنا في الوقت نفسه؟

كانت النتيجة الأولى لجعل القرآن الكريم معاصراً لنفسه هي الخلاصات التي توصل إليها، والتي أشرنا إليها في السابق وهي اعتباره أن التوحيد كان منتشراً في الجزيرة العربية وما حولها وفي الدولة الرومانية وفي مصر عند الأقباط وفي دولة الحبشة إلخ..، والتي تؤدي إلى أن القرآن الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم كان انعكاساً للبيئة المحيطة به، وأشرنا إلى أخطاء هذا القول في سطور سابقة.

أما نتيجة جعل القرآن الكريم معاصراً لنا فهو ما جاء في نهاية الفصلين الأولين من الكتاب وهي دعوته إلى قيام مصالحة تاريخية بين حفدة إبراهيم الخليل عليه السلام، كما تمت تلك المصالحة في السابق والتي يتصور فيها الجابري أن  ما قام به الرسول صلى الله عليه وسلم قبل أربعة عشر قرناً هو تجميع للموحدين المعاصرين له، وهي الآن يمكن أن تكون كذلك، لكن نقول له:

إن دور الرسول صلى الله عليه وسلم في السابق لم يكن دوره تجميعاً لموحدين موجودين بل كان بناء لموحدين على أسس إلهية جديدة لم تكن عندهم، وكان تأسيساً لتوحيد جديد في عشرات المجالات، لذلك يجب أن تكون هذه المصالحة بالصورة التي أسس لها الرسول صلى الله عليه وسلم وهي العودة إلى ما دعا إليه إبراهيم الخليل وهو توحيد الله، وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم في رسالته إلى كل من هرقل والمقوقس، ناقلاً قول الله تعالى:

(قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون) (آل عمران، 64).

لذلك فإننا نقول للجابري وأمثاله: إن تجميع أحفاد إبراهيم أمر طيب، لكن هذا التجميع يجب أن يتم على التوحيد الذي دعا إليه محمد صلى الله عليه وسلم، وإلا فإنه لا قيمة له.

ظهرت المقالة قراءة في كتاب “مدخل إلى القرآن الكريم” للدكتور الجابري أولاً على منبر الأمة الإسلامية.

]]>
https://www.al-ommah.com/%d9%85%d8%af%d8%ae%d9%84-%d8%a5%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b1%d8%a2%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%b1%d9%8a%d9%85/feed/ 0 869