تتصف القضية الفلسطينية بأنها قضية ذات مواصفات خاصة، تختلف عن قضايا التحرير الأخرى، سواء في وضع المستعمِرين أو المستعمَرين. فصورة قضايا التحرير التي شغلت القرن العشرين كانت تتمثل في نموذجين للمستعمِرين، فكان المستعمِر إما محتلاً جاء عن طريق الغزو الخارجي كما حدث في احتلال بريطانيا لمصر وعدن، وفرنسا لتونس في القرن التاسع عشر، واما استيطاناً أرضياً كما حدث مع فرنسا في الجزائر إذ ألحقتها بالأرض الفرنسية واعتبرتها جزءاً من أراضي فرنسا ما وراء البحار، أو ما حدث مع العِرق الأبيض في استيطانه جنوب أفريقيا، ومثل الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين، إذ هو استعمار واستيطان، فهو استعمار لأنه جاء مع الانتداب البريطاني على فلسطين بعد الحرب العالمية الأولى، وهو استيطان لأنه يزعم أن له حقوقاً تاريخية في فلسطين.
كما أن التحرير أخذ صورة واحدة على مدار القرن العشرين تمثلت في تخلي المستعمِر عن الأرض المستعمَرة ورحيله عنها كما حدث مع الفرنسيين في الجزائر والأميركيين في فيتنام عندما رجحت موازين القوى لصالح الشعوب المستعمَرة. لكننا نجد في القضية الفلسطينية أن الحركة الوطنية الفلسطينية أعلنت قيام الدولة الفلسطينية في تشرين الثاني (نوفمبر) من عام 1988 لمجرد تخلي الأردن عن قيادة الضفة الغربية، كما أعلنت قيام السلطة الفلسطينية بعد الهزيمة الكبيرة التي لحقت بالنظام العربي نتيجة الغزو العراقي للكويت، وجاء مؤتمر مدريد في عام 1991 برعاية أميركية – روسية معبراً عن هذه الحقيقة، لذلك كانت الحصيلة تحريراً وهمياً وليس تحريراً حقيقياً، إذ لم يأت قيام السلطة الفلسطينية إثر اتفاق أوسلو عام 1993 نتيجة رجحان ميزان القوى لصالح حركة التحرير الفلسطينية بل على العكس كان الرجحان لميزان المحتل.
ان هذا التحرير الموهوم هو الذي أنتج المأزق الذي وقع فيه ياسر عرفات، فعندما جاء شارون الى رئاسة الحكومة في اسرائيل، اعتبر ان سلفه رابين أخطأ في منح ياسر عرفات حق اقامة السلطة الفلسطينية، فحاصره وبدأ يهدم أركان السلطة، ثم اعتبر انه ليس هناك شريك فلسطيني. والسؤال الآن: ما الذي جعل «فتح» تقع في مأزق التحرير الموهوم؟ السبب هو القصور التنظيمي والمنهجي والايديولوجي في بناء فتح، الذي يقوم على اعتبار القضية الفلسطينية قضية الفلسطينيين من جهة، وعلى اعتبار أنها قضية عسكرية وليست قضية فكرية ومنهجية وايديولوجية مرتبطة بكل شؤون الحياة العربية والاسلامية من جهة ثانية.
فازت «حماس» بالانتخابات التشريعية في كانون الثاني (يناير) 2006، وورثت هذا التحرير الموهوم من «فتح»، كما ورثت أمراً آخر هو انها تشبهها في بنائها التنظيمي وفي رؤيتها الفكرية، فهي النسخة الاسلامية عن حركة «فتح»، لذلك حملت «حماس» سلبيات «فتح» التنظيمية والمنهجية المشار اليها سابقاً في مجال النظر الى القضية الفلسطينية، مضافاً اليها تغليب «حماس» للجانب السياسي على الجانب المنهجي في المواقف والتحركات، ويتضح ذلك في علاقة «حماس» الوثيقة ببعض الأنظمة العربية التي هي على خلاف مع بعض فروع «الاخوان المسلمين».
يقتضي للخروج من المأزق الذي ورثته «حماس» من «فتح» ان تحول التحرير الموهوم الى تحرير حقيقي، وان تعدل بناءها التنظيمي والمنهجي والفكري مستفيدة من قصور البناء عند «فتح».