أصبحت كلمة “العقيدة” علماً على أمور مهمّة في الدين، وشطر عظيم منه، وأضحى المسلم حريصاً على سلامتها حتى يضمن -كما يظن- سعادة الدنيا والفوز بالآخرة، وصارت حيثيات العقيدة بالصورة التي انتهت إليها كتب (العقائد) ميزاناً يوزن به الأشخاص والجماعات.
وإنّ مما يستغربه الدارس أن يكون مصطلح “العقيدة” قد أخذ مكانة عالية مع أنه لم يرد في قرآن ولا سُنّة، ولم يرِد على أفواه العلماء الأجلاء من أمّتنا في القرون الأولى الخيرية أمثال: أبي حنيفة، والشافعي، ومالك، وأحمد بن حنبل وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين، وإنما عرفوا مصطلحات أخرى مثل: مصطلح “الفقه الأكبر”(1)، و”أصل الدين”(2)، وقد تكون هذه المصطلحات أكثر إيحاءً وأقرب دلالة إلى روح الشرع الإسلامي من المصطلح السابق “العقيدة”، ومع ذلك فإنه شاع بين المسلمين وترسّخ على مدار العصور، واستمرّ نافذاً إلى العصور الحديثة.
فما المدلول الذي يشير إليه مصطلح “العقيدة” عندما يسمعه المسلم؟
يشير إلى ما يجب أن يعتقده المسلم في أهمّ أمور الدين، والاعتقاد هنا عملية عقلية سواء في مضمونها أم في دلائلها(3)
لاشك أنّ اعتبار الاعتقاد العقلي هو الجانب الأهمّ من الدين اعتبار خاطئ، لما فيه إغفالاً لجانبين آخرين مهمّين هما: الجانب المعنوي والسلوكي، المعنوي الذي يعالج الخوف والرجاء والحب والتعظيم إلخ…، والسلوكي الذي يعالج الطاعة والمعصية والحلال والحرام والشبهات إلخ…
ويمكن أن نقرّر دون مبالغة رجحان الجانب النفسي على الجانب العقلي في ديننا من خلال آيات القرآن الكريم ومن خلال مطالعة النفس البشرية، ولا يوجد أصلاً اعتقاد عقلي مجرد إلاّ على صفحات الورق، بل يتأثّر الاعتقاد العقلي بالجانب النفسي قبله وأثناءه وبعده.
(1) نقل عن أبي حنيفة رحمه الله.
(2) نقل عن أبي الحسن الأشعري رحمه الله.
(3) مما يجدر الانتباه له أنّ الجذر اللغوي لكلمة (عقد) ربما يعطي معاني أخرى مثل: ربط العقل والقلب على أمور، لكن الذي يهمنا هو المعنى الذي انتهى إليه هذا اللفظ، والمدلول الذي يشير إليه في نهاية تطوّره التاريخي.
يمكن تحميل كتاب “في مجال العقيدة.. نقد وعرض” لكاتبه الشيخ الدكتور غازي التوبة من الرابط التالي بالضغط هنا.