قراءة في مراجعات الجماعات الإسلامية الجهادية

قامت عدة جماعات إسلامية جهادية بمراجعات لأفكارها ومسيرتها، وبدأت هذه المراجعات بمراجعة الجماعة الإسلامية في مصر التي أصدرت عدداً من الكتب منذ عام 1997، وانتهت هذه المراجعات بإخراج أعضاء الجماعة الإسلامية من السجون، ثم تلا ذلك مراجعة جماعة الجهاد والتي كتبها الدكتور فضل، وسماها “وثيقة ترشيد الجهاد في مصر والعالم”، ونشرها في عدد من الصحف في ربيع عام 2008، ثم نقلت الأخبار أن الجماعة الإسلامية المقاتلة الليبية ستصدر مراجعة جديدة في هذه الفترة.

قراءة في مراجعات الجماعات الإسلامية الجهادية

نقلت الأخبار قبل أيام أن “الجماعة الإسلامية المقاتلة” في ليبيا بدأت مراجعات فقهية لموقفها من العنف المسلح، وانتهت قيادتها في سجن بوسليم بطرابلس في ليبيا إلى قناعات فكرية تدين العنف المسلح، وتدين ممارساتها السابقة نحو الحكم الليبي.

ونقلت الأخبار أن سيف الإسلام القذافي نجل الرئيس معمر القذافي هو الذي قدم تسهيلات لقيادة “الجماعة الإسلامية المقاتلة” من أجل أن تقوم بهذه “المراجعات“.

وتأتي هذه الأخبار بعد مراجعات قامت بها “الجماعة الإسلامية” المصرية قبل عدة أعوام، وأصدرت قيادتها في السجن وعلى رأسهم كرم زهدي وناجح إبراهيم عددا من الكتب تنتقد تجربتها السابقة في اغتيال الرئيس السادات، وفي اغتيال رئيس البرلمان المصري رفعت المحجوب، وتدين الخروج على الحاكم، وتدين سرقة البنوك، وتتراجع عن قتل الأقباط المصريين.

وكانت الذروة في هذه المراجعات ما كتبه سيد إمام الشريف “الدكتور فضل” قائد حركة الجهاد في “وثيقة ترشيد الجهاد في مصر والعالم” قبل عدة أشهر ونقول “الذروة في المراجعات”، لأن حركة الجهاد هي الحركة الأبرز في الحركات الإسلامية التي تستعمل القوة والانقلاب والجهاد والعنف في تغيير الواقع، وقد تأثرت بفكرها كل الحركات الجهادية التي مارست العنف، سواء في ليبيا أم في تونس أم في الجزائر الخ…، وكذلك ستكون مراجعة الدكتور فضل على الأغلب هي المراجعة الأكثر إحاطة والأكثر شمولا، لأن كتبه كانت معتمدة عند الحركات الجهادية في أفغانستان وأبرزها كتاب “العمدة في إعداد العدة”، وكذلك من المرجح أن تكون مراجعاته هي النموذج والمثال لكل المراجعات، لذلك نرجح أن تكون مراجعات “الجماعة الإسلامية المقاتلة” الليبية تعتمد كثيرا على مراجعات الدكتور فضل، وبخاصة بعد الأقوال والأحكام التي رشحت وتسربت ونُقلت عن مراجعاتها هذه إلى وسائل الإعلام على لسان قادتها، فما أبرز ما جاء في مراجعة الدكتور فضل؟ وأين القصور فيها؟

        انتقد الدكتور فضل في “وثيقة ترشيد الجهاد في مصر والعالم” بعض الأعمال الجهادية من مثل أنه لا يجوز السطو على أموال الغير من أجل الحصول على النفقة المطلوبة للجهاد، وأنه لا يجوز الاعتداء على السيّاح والأجانب في بلادنا، كما أنه لا يجوز الاعتداء على الأجانب في بلادهم حتى لو اعتدت حكوماتهم على أوطاننا إلخ…، كما أنه أسقط الجهاد عن الجماعات الإسلامية بحجّة أنّ وضعها يتراوح بين العجز والاستضعاف، وكذلك وضّح الضوابط المتعدّدة التي تسمح بتكفير المعيّن إلخ…

        فنجد أنّ حركة الجهاد انتقلت من طرف إلى نقيضه، فالمعروف عن “حركة الجهاد” تساهلها في إطلاق أحكام التكفير، فلَم تكفّر الحكّام فحسب، بل كفّرت جميع أعوانهم من مثل أفراد الجيش والشرطة والوزراء وأفراد الحكومة إلخ…، كما كانت توجب الجهاد وتوجب الخروج على الحكّام، وتتشدّد في ذلك إلخ…، فما السبب في الانتقال من موقف إلى نقيضه؟ السبب في ذلك هو القصور في وعي الواقع، وتحليله، وتوصيفه والانطلاق منه، مع أنه يفترض في أيّة حركة تريد تغيير الواقع أن تعي هذا الواقع، وتعطيه التوصيف المناسب، وتحدّد أولويّات الأمراض والعقبات والمشاكل، ثم تحدّد الأدوات والخطوات المطلوبة لتغيير هذا الواقع على ضوء الأمور الشرعية وعلى ضوء هذا التوصيف، ولكنا لا نجد هذا يحدث عند “حركة الجهاد” لكنّ ما حدث هو انتقاء بعض الأحكام الفقهية من تراثنا الفقهي الواسع، حول الحاكم وكفره وجواز الخروج عليه ثم بناء المواقف العملية على ضوء هذه الأحكام الفقهية في مرحلة أولى، ثم يأتي التراجع عنها واختيار خلافها في مرحلة ثانية، ومما يؤكّد ذلك، وهو أمر القصور في وعي الواقع وتحليله والانطلاق منه عند الدكتور فضل أننا لا نجد إشارة إلى الواقع المعاصر في “الوثيقة” سوى مرّتين:

الأولى: عند حديث الدكتور فضل عن سقوط الخلافة العثمانية، واستعمار الدول الغربية لمعظم الدول الإسلامية وربط ذلك بذنوب المسلمين.

الثانية: عند حديث الدكتور الفضل في الحلقة الرابعة عشر عن نصيحته لحكّام الدول العربية، فذكر أنّ الوحدة العربية التي سعت الجامعة العربية إلى تحقيقها عند قيامها عام 1945 هي ضرب من الأوهام.

ومن الواضح أنّ الإشارتين التي وردتا عن الواقع كانت مقتضبتين وساذجتين، وكان الأولى أن يتعمّق الدكتور فضل في تحليل سبب سقوط الخلافة العثمانية وأن يورد أسباباً أخرى غير الذنوب، ويربط ذلك بالواقع التاريخي كنشوء الفِرَق ونهضة الغرب واكتشاف أمريكا إلخ…، وأن يتفحّص الفكر القومي العربي وبنيته من الداخل ويضع يده على مكمن الخلل في بنية هذا الفكر، فالوحدة العربية غير الفكر القومي العربي، فهي هدف من أهداف القومية العربية، وهي هدف نبيل لدى عموم أفراد الأمّة: القوميين منهم والإسلاميين.

لاشكّ بأنّ ضعف وعي الواقع، والقصور في تحليله، وغياب مفهوم الأمّة هو الذي جعل الحركات الجهادية تتخبّط وتنتقل من النقيض إلى النقيض أحياناً، وهذا ما وجدناه في مراجعات “الجماعة الإسلامية” المصرية، وفي مراجعات “حركة الجهاد” عند الدكتور فضل، ورأينا بعضا منه فيما رشح من أقوال عن مراجعات “الجماعة الإسلامية المقاتلة” الليبية، وسيتأكد أن هذه “المراجعات” تحتوي على القصور نفسه عندما تصدر بشكل كامل.

ضعف وعي الواقع والقصور في تحليله قراءة في مراجعات الجماعات الإسلامية الجهادية من موقع سعورس

اترك رد