هل ستنجح مخططات التحالف في العراق أم ستفشل؟
لقد تغيّرت خريطة المنطقة العربية بعد الحرب العالمية الأولى وقامت دول لم تكن موجودة كالأردن وفلسطين وسورية ولبنان إلخ…، كما ضمّت دول أقاليم لم تكن موجودة فيها في أية فترة تاريخية سابقة، ثم تبيّن أن جانباً كبيراً من التخطيط والتغيير والتبديل الذي وقع في المنطقة كان لصالح قيام دولة اسرائيل والتمهيد له، فلولا الانتداب البريطاني على فلسطين لما تيسّرت هجرة اليهود إلى فلسطين، ولولا الانتداب البريطاني والتشريعات التي استحدثها لما استطاعت الصهيونية أخذ الأراضي من الفلسطينيّين، ولولا الانتداب البريطاني لما استطاعت الصهيونية سرقة أراضي الوقف والأراضي المملوكة للدولة، ولولا الانتداب البريطاني لما استطاعت الصهيونية إقامة المستعمرات التي تعتبر قلاعاً عسكرية إلخ…
والآن تشهد المنطقة العربية تغييرات جذرية أبرزها احتلال العراق من قبل قوات التحالف الأمريكي البريطاني في 9 نيسان/ابريل 2003م. وقد زاد الحديث بعد الاحتلال عن الطائفية، وعن مظلومية بعض الطوائف والأعراق في عهد صدّام، وهنا تمّ التذكّر بأن صدّام سنّي، مع أن صدّام لم يكن سنّياً على الحقيقة، بل كان قوميّاً علمانيّاً واضطهد جميع الطوائف بما فيها أهل السنّة، وقتل كثيراً من علمائهم وأبرزهم الشيخ عبد العزيز البدري رحمه الله تعالى.
واستغلّت قوّات الاحتلال هذا المناخ فأقامت مجلس الحكم على أساس طائفي وعرقي، ومخططات التحالف تجتهد في أن تعمّق الانقسام الطائفي والعرقي والمذهبي في العراق في كل مجالات الحكومة والجيش والسلطة والمجتمع من أجل التوصّل إلى تقسيمه على هذا الأساس، ويأتي ضمن هذا السياق الحديث عن الفيدرالية بين الإقليم الكردي وغيره من الأقاليم العربية، والحديث عن كركوك: هل هي تركمانية أم كرديّة؟ والحديث عن الأكثريّة في العراق: هل هي شيعيّة أم سنيّة؟ ولا شك أن تقسيم العراق سيكون في صالح تمكين اسرائيل كما كان التغيير الذي أصاب المنطقة بعد الحرب العالمية الأولى لصالح قيام اسرائيل، فهل ستنجح قوّات التحالف في تقسيم العراق على أساس عرقي وطائفي أم أنها ستفشل؟
يحتاج إفشال مخططات قوّات التحالف إلى وعي من كل طوائف الأمة وأحزابها وأعراقها وقياداتها بخطورة تلك المخطّطات من جهة، ويحتاج إلى تقديم مصلحة الأمة على مصالحها الآنيّة والذاتيّة من جهة ثانية. فهل ستفعل الطوائف والأعراق والمذاهب والإثنيّات ذلك أم أنها ستنساق وراء مصالحها الخاصة ودوافعها الأنانية؟ هذا ما ستجيب عليه الأيام القادمة، ولا شك أننا نأمل أن تقدّم جميع الطوائف والمذاهب والعرقيّات والإثنيات مصلحة الأمة على مصالحها الخاصة، وألاَّ تنساق وراء دعاوى قوّات الاحتلال، هذا ما نأمله وندعو الله أن يحقّقه، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
الخميس في 7 من ذي الحجّة 1424ﻫ
الموافق 29 من كانون الثاني/يناير 2004م