إنّ ما يجري في غزّة من حصار وتجويع وإبادة لشعبنا الفلسطيني، لهو مما يُدمع العين فتسيل دماً ويدمي القلب ويفطر الفؤاد، فإلى الله المُشتكى، وهو وحده حسبنا –أمة الإسلام- ونعم الوكيل.
وإن نحن بحثنا في ثنايا التاريخ عن عزاء وتسلية ومواساة لأهل غزة المكلومين، فليس هناك من تذكرة هي أفضل لهم من سيرة خير البشر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهو محاصر في شِعب أبي طالب، ذلك الحصار الظالم الفاجر الذي قاطعت فيه قريش بني هاشم ومنعت عنهم وعن المسلمين كل شيء حتى الطعام والشراب إلى أن اضطر كثير من المسلمين إلى أكل أوراق الشجر، وكاد هذا الحصار أن يستأصل شأفة المسلمين ويهلكهم وهم ما زالوا بعد أقلية قليلة في مهد الدعوة ولمّا يشتدّ عودهم الغض بعد، ولكنّ الله يمنّ عليهم في النهاية بالفرج من عنده بعد أن رأى عز وجل منهم صبراً و عزيمة لا تلين وثقة في دين الله ووعد رسوله، كما رأى عز وجل منهم يقيناً بأنّ النصر في نهاية الأمر هو لرسوله الكريم والذين آمنوا معه: “إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد”.
ونحن في خضمّ هذه المجزرة الجماعية للشعب الفلسطيني في غزة نود أن نكون منصفين في المقارنة بين حصار شِعب أبي طالب وحصار غزّة، فنسجّل لمشركي قريش على قباحة شركهم وفداحة إجرامهم أنّ ضمائر بعض كبرائهم قد صحت من سباتها وغيّها فاتفقت بعد حين على وقف تلك المذبحة الجماعية، بينما نسجّل ضد الغرب استمراره في غيّه بكل وقاحة وبجاحة مع أنّه يدّعي أنه قائد العالم الحر وأنه رائد الحضارة والمدنيّة والحريّة والديمقراطية، ومع ذلك فإنه يستكثر على أهل غزّة قراراً من مجلس الأمن لا يسمن ولا يغني من جوع يدين إسرائيل، فتبّاً للغرب وسحقاً له.
وحوصر الرسول الكريم وصحبه الكرام من جديد يوم الخندق، وتكالبت عليهم قريش بقدّها وقديدها وألّبت عليهم جزيرة العرب فأتى المجرمون المعتدون يزحفون من كل حدب وصوب وهم يأملون القضاء النهائي على الإسلام ونبيه وأهله، ولكنّ النبي الكريم وصحبه الكرام لم يضعفوا ولم يلينوا، وأخذوا بحفر الخندق والرسول قائدهم للدفاع عن دولة الإسلام في المدينة المنورة، ليس ذلك فحسب بل إنّ رسولنا العظيم أخذ يبشّر المسلمين -وهم في ذلك الظرف الصعب وهو يرفع فأسه ويهوي بها ليضرب بها صخرة اعترضت المسلمين- أخد يبشّرهم بشارات عظيمة تشحذ النفوس وترفع المعنويات وتعلي الهمم، وصدق الله العظيم حيث يقول: “إن تنصروا الله ينصركم ويثبّت أقدامكم” وصدق رسوله الكريم حيث يقول: “لن يغلب عسر يسرين”.
وإنّ من خير ما نذكّر به أهل غزة وهم في مصابهم الجلل هو حديث الرسول صلى الله عليه وسلم وكأنه يخاطبهم من خلال مخاطبته لابن عمه ابن عباس رضي الله عنهما وهو رديفه إذ يقول صلى الله عليه وسلم: “يا غلام، إنّي أعلّمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أنّ الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضرّوك بشيء لم يضرّوك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفّت الصحف ” رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح، وفي رواية غير الترمذي: “احفظ الله تجده أمامك، تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدّة، واعلم أنّ ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أنّ النّصر مع الصبر، وأنّ الفرج مع الكرب، وأنّ مع العسر يسراً ” .
كما لا يفوتنا أن نذكّر المسلمين بواجبهم تجاه إخوانهم في غزة والأحاديث في ذلك كثيرة ومنها ما رواه أبو موسى رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “المؤمن للمؤمن كالبنيان، يشدّ بعضه بعضاً”، وشبّك بين أصابعه. متفق عليه. وما رواه النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحُمّى”رواه البخاري ومسلم. وما رواه مسلم من حديث أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض. وكونوا عباد الله إخوانا. المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله ولا يكذبه ولا يحقره. التقوى ها هنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات. بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم. كل المسلم على المسلم حرام دمه، وماله وعرضه”.
لكم الله يا أهل غزة….وكفى….
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الجمعة في 23 من محرم 1429 هـ
الموافق 1 من شباط(فبراير) 2008 م