يحتاج النجاح في أية معركة أو عملية إعمار إلى استكمال البناء في عاملين:
الأول: القيادة الواعية.
الثاني: الجنود المطيعين.
وإذا حدث خلل في أي من العاملين السابقين أو في كليهما وقعت الخسارة أو الهزيمة، ويمكن أن نمثّل على ذلك بغزوة أحد عندما خالف بعض الصحابة رضي الله عنهم تعليمات القائد الرسول صلى الله عليه وسلم فقال تعالى:
(إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (آل عمران،140).
وقد بينت الآيات القرآنية سبب الخسارة بعد ما كان النصر قريباً بأنه التنازع والعصيان وإرادة الدنيا، فقال تعالى:
(وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (آل عمران،152).
ثم بين القرآن الكريم دور الخطايا في الهزيمة فقال تعالى:
(إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) (آل عمران،155).
والآن ما هي أبرز الصفات التي يجب أن تتحلى بها القيادة حتى تكون قيادة فاعلة وعاملاً من عوامل النصر؟ يجب أن تتصف القيادة بثلاث صفات:
الأولى: أن تكون القيادة عالمة بالإسلام تصل فيه إلى مرتبة الاجتهاد:
ليس من شك بأن أول شروط القيادة التي ستقود أمتها إلى النصر والنجاح أن تكون عالمة بالقرآن وعلومه، وأسباب نزوله، والمكي والمدني، والمحكم والمتشابه، ومدارس التفسير إلخ… وأن تكون عارفة بالسنة وعلومها كمصطلح الحديث، وعلوم الرواية والدراية، وعلوم الجرح والتعديل، وكتب الأسانيد إلخ… وأن تكون مطلعة على فنون اللغة العربية في مجال الشعر والنثر والخطابة، وأن تكون متمكنة في علوم اللغة العربية كالنحو والصرف والبلاغة والبيان والبديع وإلخ… وأن تكون فاهمة لمقاصد الشريعة في مجال حفظ الدين والعقل والنفس والمال والنسل … يجب أن تكون القيادة عالمة بكل ما سبق وغيره، يجب أن تصل القيادة بعلمها إلى مرتبة الاجتهاد من أجل أن تتحرى الطريق الصحيح لقيادة الأمة.
الثانية: أن تكون القيادة ربّانية:
وحتى تتحقق صفة الربانية في القيادة يجب أن تطبق تلك القيادة فرائض الإسلام وسننه، وأن تراقب الله في السر والعلن، وأن تتحرى الحلال وتبتعد عن الحرام، وتتقي الشبهات وصغائر الذنوب، وأن ترتقي في مدارج الإيمان حتى تصل إلى مرتبة الإحسان، وأن تحرص على تطبيق الإسلام على الأهل والأولاد وكل ما في حوزتها، وأن تعيش هموم الإسلام والمسلمين، وترتبط بقضايا الأمة إلخ…
الثالثة: أن تكون القيادة عالمة بالحضارة الغربية:
تشكل الحضارة الغربية تحدّياً رئيسياً للأمة الإسلامية منذ قرنين، لذلك يجب على القيادة المسلمة أن تلم بتفاصيل هذا التحدي، وأن تعلم الأصول التي قامت عليها الحضارة الغربية والتطورات التي مرّت بها، وأن تعرف الإيجابيات التي يمكن أن تستفيد الأمة منها، وأن تحيط بالسلبيات التي يجب أن تتجنبها الأمة، وأن تعي سياسات الدول الغربية نحو أمتنا، وأن تفقه تناقضات الحضارة الغربية والعوامل التي ستؤدي إلى ضعفها إلخ…
تلك ثلاث صفات يجب أن تحققها القيادات الإسلامية حتى يكون هناك نجاح أو نصر في أية معركة أو عملية بناء، ولو نظرنا إلى التاريخ الماضي لرأينا أن تلك الصفات كانت متحققة في الخلفاء الراشدين الذين جمعوا القيادتين السياسية والدينية، فكانوا أمراء الأمة وعلماءها، ثم انفصلت قيادة الأمراء عن قيادة العلماء في عهود الدولة الأموية والعباسية والمملوكية والعثمانية، ولكن كان هناك تكامل بين القيادتين، فكنت تجد قيادة العلماء تسدّد قيادة الأمراء، وكنت ترى قيادة الأمراء تلتزم بأوامر الشريعة الإسلامية التي يحرسها العلماء، وعندما سقطت الخلافة العثمانية في مطلع القرن العشرين سقطت معها قيادة الأمراء وبقيت قيادة العلماء.
والآن في وقتنا الحاضر يجب أن تحقق الصفات الثلاثة التي ذكرناها سابقاً حتى تأخذ الأمور مجراها الصحيح، لذلك نجد أن كثيراً من الفشل الذي أصاب الأمة الإسلامية والحركات الإسلامية في مسيرتها الحالية ناتج من أن قياداتها لم تحقق الصفات السابقة بل حققت بعضها، هذا عن العامل الأول، أما عن العامل الثاني وهو الجنود فله حديث خاص. آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.