لماذا الحديث عن الداعية عمرو خالد وهو الذي استطاع أن يجمع مليوناً ونصف مليون من أكياس الثياب المستعملة لتوزّع على الفقراء؟ لماذا الحديث عن عمرو خالد وهو الذي استطاع أن يحقّق تقدّماً جيّداً في محاربة بعض الآفات كالتدخين والشيشة والقات والمخدّرات، وحصل على شهادة تقدير من منظّمة الصحة العالمية؟
لماذا الحديث عن عمرو خالد وهو الذي استفاد من تقنيات العصر وحقّق تواصلاً كبيراً مع جمهور المسلمين من خلال التلفزيون والانترنت؟ لماذا الحديث عن عمرو خالد وهو يملك كل تلك النجاحات؟
أوّلها: أنه استهدف إقامة نهضة من خلال برنامج “صنّاع الحياة” الذي تبثّه قناة “اقرأ” أسبوعياً، وهذا يقتضي منّا دراسة تجربته وتقويمها، ورصد سلبيّاتها وإيجابيّاتها، ومعرفة هل تملك طروحاته إمكانية إحداث نهضة في الأمّة؟ وهل ترتقي أساليبه إلى مستوى أهدافه؟
ثانيها: أن مرجعيّته الإسلام كما صرّح أكثر من مرّة، وأن غالب جمهوره من المسلمين الذين مرجعيّتهم الإسلام أيضاً، لذلك نملك فرصة أن نحتكم نحن وإيّاه إلى الإسلام لنرى إلى أيّ حدّ كان موفّقاً في استلهام الإسلام، وفي وعي رؤاه، واستكناه طرائقه في معالجة قضايا الأمّة ومشاكلها.
في بداية برنامج “صنّاع الحياة” تحدّث عمرو خالد عن التجربتين الألمانية واليابانية وبيّن كيف أنهما انطلقتا بعد الحرب العالمية الثانية عام 1945م، أي بعد التدمير الكامل لهما، وأنهما استطاعتا خلال ثلاثين عاماً أن تبنيا البلد، ولا أريد أن أتعرّض لمدى صحّة تقويمه للتجربتين، لأن ذلك ليس مجال اهتمامي الآن على الأقلّ، وقدّم كلاماً عاماً عن نجاح التجربة الإسلامية بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة والجزيرة العربية.
تحدّث عمرو خالد عن الفرد أثناء حديثه عن النهضة، وهذا أمر جيّد، فلابدّ من الحديث عن الفرد المسلم: واقعه وكيفيّة بنائه، وهو تحدّث في هذا الصدد عن بعض أمراضه كالسلبيّة وعدم الجدّية وضعف الإرادة وعدم إتقان الأعمال إلخ…، كما دعا إلى أن يكون المسلم إيجابياً وجادّاً وذا إرادة ومتقناً لأعماله إلخ…، وسأتناول في دراستي هذه بعض الأمراض التي أشار إليها عمرو خالد وكيفيّة معالجته لها، وإلى أيّ حدّ كانت معالجته مصيبة، ومتوافقة مع الإسلام.
الإيجابية في الفرد من أبرز الأمور التي تحدّث عنها عمرو خالد والتي تطلّع أن يبنى عليها الفرد من أجل تحقيق النهضة، واعتبر السلبية نقيضاً لها، وقد خصّص حلقتين لهذه الصفة، الأولى: سرد فيها أمثلة توضّح المقصود بالإيجابية، كما نقل قصصاً عن أشخاص إيجابيين من الصحابة وغيرهم، وتحدّث في الحلقة الثانية عن معوّقات الإيجابية فذكر أربعة معوّقات هي:
لم يذكر عمرو خالد الطريقة والأساليب التي يمكن أن نتّبعها للتغلّب على هذه المعوّقات،، بل ذكر أمثلة للتغلّب على الخوف من الفشل بتجربته الخاصة في الدعوة، كما قدّم أمثلة من عرض الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه على ستة وثلاثين قبيلة ولم يقبلوه، ثم نجح في المرّة الأخيرة، وضرب كذلك مثلاً بأديسون إذ قام ﺑ 9999 محاولة فاشلة قبل أن يخترع المصباح الكهربائي، ثم ضرب مثلاً بيوسف عليه السلام في تغلّبه على المعوّقات الخارجية، وهو في كل الأحوال السابقة دعا المسلم إلى أن لا يخاف من الخطأ، وأن لا ييأس، وأن لا يهاب من المعوّقات الخارجية، وهذا ليس كافياً لحل المشكلة عند المسلم، إذ لا يكفي أن تدعو إنساناً بمثل هذا الكلام لكي يتغلّب على مثل تلك العقبات، بل لابدّ من رسم الآليّة التي تساعده على ذلك، ولم يتعرّض عمرو خالد للآليّة التي رسمها الإسلام للتغلّب على تلك المعوّقات، فما هي الآليّة التي وجّهنا الإسلام إليها من أجل حلّ تلك المشاكل، والتي أغفلها عمرو خالد؟
لقد تحدّث الإسلام عن نوعين من الخوف:
الأول: يظهر عند مواجهة العبد بعض المشاكل، واعتبره خوفاً فطريّاً يرافق الإنسان مرافقة دائمة، لذلك قال تعالى: “إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا” (المعارج،19-21), وأشار القرآن الكريم إلى أنه خوف اعترى الأنبياء والرسل، فقال تعالى عن موسى عليه السلام عندما أمره الله أن يذهب إلى قوم فرعون: “إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ” (القصص،24)، وقال على لسان هارون وموسى: “قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَىٰ” (طه،45)، وقال تعالى مخبراً عن حال ابراهيم عليه السلام عندما جاءته الملائكة بصورة بشرية: “فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ۖ قَالُواْ لَا تَخَفْ ۖ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَٰمٍ عَلِيمٍۢ” (الذاريات،28)، وقد بيّن القرآن الكريم أن التغلّب على هذا الخوف يكون باستشعار معيّة الله، فقال تعالى مبيّناً لموسى وهارون كيفيّة التغلّب على خوفهما: “قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَىٰ (45) قَالَ لَا تَخَافَا ۖ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىٰ” (طه،45-46)، كما قال القرآن الكريم في موضع آخر: “قَالَ كَلَّا ۖ فَٱذْهَبَا بِـَٔايَٰتِنَآ ۖ إِنَّا مَعَكُم مُّسْتَمِعُونَ” (الشعراء،15).
الثاني: الخوف الناتج من تخويف الشيطان:
وينتج من هذا التخويف خوف العبد خوفاً موهوماً على نفسه وماله وولده ومستقبله وصحّته ومتاعه إلخ…، وهو خوف غير حقيقي، ويتغلّب المسلم عليه بأن يذكر الله، قال تعالى: “وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۚ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ” (الأعراف،200).
وقال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى “الوسواس الخنّاس”: “الشيطان جاثم على قلب ابن آدم فإن سها وغفل وسوس وإذا ذكر الله خنس” (الدر المنثور، ج8، ص694)، وقال تعالى: “أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ” (الرعد،28).
أما اليأس الذي يصيب الفرد بعد الفشل في تحقيق هدف ما فقد عالجه الإسلام بالإيمان بالقضاء والقدر، فالمسلم عندما يتوجّه إلى تحقيق هدف ما سواء أكان مادياً أم معنوياً، يأخذ بالأسباب ثم يسلّم أمره لله، لأنه ما من شيء سيحدث له أو سيصيبه إلا وهو مسجّل في اللوح المحفوظ، قال تعالى:
إن هذا الاستسلام للقضاء والقدر هو الذي يبعد اليأس عن قلب المسلم، وهذا الاستسلام يأتي نتيجة امتلاء القلب بتعظيم الله، ونتيجة اليقين بأنّ ما حدث هو إرادة الله، وأنّ الاستسلام له والصبر عليه سيعظم له الأجر وسيعلي مرتبته يوم القيامة.
أمّا الشعور باستحالة مواجهة المعوّقات الخارجية الذي يصيب الفرد فهو منافٍ لأبسط قواعد بناء نفسية المسلم، فالبناء النفسي للمسلم يقوم على أساس أنّ الله هو القوي الغني الوهّاب السميع البصير القادر المحيي المميت إلخ…، وبالتالي هو لا يواجه أيّ مشكلة خارجية بقوّته إنما يواجهها بقوّة الله سبحانه وتعالى والله لا يعجزه شيء سبحانه وتعالى، وعليه فقط أن يكون مع الله في عبادته واستقامته وتقواه ليكون الله معه، يذلّل له العقبات، ويسهّل له كل ما يواجهه، فهناك ثلاث خطوات مطلوبة من المسلم كي يتغلّب على أيّة معوّقات خارجية:
الأولى: أن يأخذ بالأسباب المادية والدنيوية لتحقيق الهدف.
الثانية: أن يتّقي الله حقّ التقوى فهذه التقوى تسبّب تأييد الله له:
الثالثة: أن يتّجه بالدعاء إلى الله بأنْ يعينه على تحقيق هدفه:
ويستمرّ العبد في التقرّب إلى الله بالنوافل حتى يحبّه الله ويجيبه على كل دعواته، ويحقّق له كلّ أمانيه، ويصبح قَدَراً من أقدار الله، قال الرسول صلى الله عليه وسلم:
“مَنْ عادى لي ولياً فقد آذَنْتُه بالحرب وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحبّ إليَّ مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبّه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينّه ولئن استعاذني لأعيذنّه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته” (صحيح البخاري، ج5، ص2384).
جاء حديث عمرو خالد عن المعوّقات التي تواجه المسلم من خوف ويأس وتضخيم للعقبات الخارجية حديثاً يقتصر على دعوته إلى التغلّب عليها، كما جاء خالياً من تحديد أيّة آليّة للتغلّب عليها، مع أنّ تعاليم الإسلام غنيّة في رسم آليّات للتغلّب عليها كما وضّحنا سابقاً، لذلك فوّت عمرو خالد فرصة كبيرة في معالجة هذه المعوّقات معالجة حقيقيّة عندما لم يبرز دور الإسلام في كيفيّة معالجتها.
أشار الداعية عمرو خالد إلى أن شبابنا بشكل خاص ومجتمعنا بشكل عام يعاني من عدم الجدّية، وذكر بصورة أدقّ أنه يعاني من “التفاهة” و”الهيافة”، ودعا إلى التخلّص من هذا المرض، وتحدّث عن أشخاص يمثّلون الجدّية في أبهى حالاتها، فتحدّث عن بعض المواقف الجادّة لأبي بكر الصدّيق وسعد بن أبي وقّاص وعمر بن العزيز رضي الله عنهم أجمعين، واعتبر أن الإعلام يستغلّ جسد المرأة لترويج الميوعة، واعتبر أن مثل هذا الاستغلال احتقار للمرأة، واعتبر أنّ مثل هذه التصرّفات إشاعة للفاحشة، وأنّ احترام المرأة يكون بعدم استغلال جسدها.
نلاحظ من خلال استعراضنا السابق لكلام الداعية عمرو خالد عن فقدان شبابنا للجدّية أنه لم يحدّد الأسباب التي أدّت إلى ذلك، وإنما قدّم خلال الحلقة كلّها أمثلة عن وجود الجدّية عند بعض الشخصيات التاريخية. إنك لا تستطيع أن تحدّد العلاج للخروج من دائرة عدم الجدّية إلا إذا حدّدت الطريق الذي تبني به الجدّية، وليس من شكّ بأنّ ديننا الإسلامي خير من يبني الجدّية في النفس الإنسانية، فكيف بناها الإسلام؟
نفى القرآن الكريم اللعب واللّهو عن الله تعالى عند استهدافه الخلق، فقال تعالى: “وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (38) مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ” (الدخان،38-39)، كما نفى العبث عن خلق الله تعالى للإنسان: “أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ” (المؤمنون،115-116).
وأشارت الآيات القرآنية إلى الحكمة في كل ما خلقه الله، فقال تعالى: “سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ” (الأعلى،1-3)، وبيّن أن كل شيء مخلوق بقَدَر لحكمة عرفها من عرفها وجهلها من جهلها، فقال تعالى: “إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ” (القمر،49)، بعد نفي العبث عن خلق الكون يأتي نفي العبث عن خلق الإنسان ويكون ذلك بمحاسبته وسؤاله، قال تعالى: “أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى” (القيامة،36)، وقال تعالى: “فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ” (الأعراف،6).
وبيّن الله تعالى أن نتيجة المحاسبة تكون بإدخال الطائعين المحسنين الجنّة، وإدخال العاصين النار، فقال تعالى عن الجنّة: “إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَٰلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ” (الذاريات،15-18)، وقال تعالى أيضاً عن نعيم أهل الجنّة: “فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (9) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَٰئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ” (الواقعة،27-40)،
وقال تعالى عن عذاب أهل النار: “وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ (43) لَّا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ (44) إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَٰلِكَ مُتْرَفِينَ (45) وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ (46) وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (47) أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (48) قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (49) لَمَجْمُوعُونَ إِلَىٰ مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ (50) ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51) لَآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ (52) فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53) فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (54) فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (55) هَٰذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ” (الواقعة،41-56)، وقال تعالى عن النار أيضاً: “إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21) لِّلطَّاغِينَ مَآبًا (22) لَّابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23) لَّا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (24) إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (25) جَزَاءً وِفَاقًا (26) إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (27) وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا (28) وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا (29) فَذُوقُوا فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا” (النبأ،21-30).
تتولّد الجدّية عندما يوقن الإنسان أن هناك محاسبة دقيقة، وأن هناك سؤالاً، وأن هناك ناراً، وأن هناك جنّة، عندما يتأكّد من وجود الحساب تبدأ الجدّية. ويمكن أن نمثّل بتلاميذ المدرسة، فلولا الامتحان ويقينهم بأن هناك أسئلة ستأتيهم لما جدّوا في الحفظ والاستيعاب والسهر، إنّ يقينهم بالرسوب والنجاح هو الذي ولّد عندهم الجدّية في التعامل مع المواد الدراسية.
وقد ملأت الشخصيّات الجادّة أُفُق التاريخ الإسلامي على مدار أربعة عشر قرناً في كل المجالات العلمية والاجتماعية والعسكرية والسياسية والفنّية بسبب اليقين بوجود الحساب والسؤال في الآخرة عن نعم الله المتعدّدة التي وهبها الله للإنسان، قال تعالى: “ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ” (التكاثر،8).
ومن هنا يمكن أن نشير إلى أنّ الآيات الكثيرة التي تحدّثت عن الجنّة والنّار، وفصّلت في وصف نعيم الجنّة، وأطنبت في الحديث عن عذاب النّار لم تأت عبثاً إنما جاء القصد منه توليد الجدّية في شخصية المسلم، وإيقاظه من غفلته، وتوعيته إلى أنّ هناك أحد مصيرين: إما الجنّة وإما النّار، لذلك عليك أن تكون جادّاً في الاستفادة من صحّتك وجسمك وعقلك ومالك ووقتك وعلمك فيما يرضي الله تعالى، وفيما يعود عليك بالخير وعلى مجتمعك، لأنك ستسأل عن كل تلك النعم، وستحاسب عليها حساباً وثيقاً.
لذلك كان على الداعية عمرو خالد أنْ يبرز ركن الإيمان باليوم الآخر، ويوجّه قلوب مستمعيه إلى الخوف من نار الله وإلى رجاء جنّة الله، وإلى أنْ يركّز على الحساب الدقيق الذي سيتعرّض له العبد، إنّ كل هذا سيولّد الجدّية في أروع صورها كما ولّدها هذا الركن على مدار مئات السنين السابقة، وهو ما لم يقم به عمرو خالد لذلك نستطيع أن نقرّر أنه لم يعالج الموضوع معالجة سديدة ومفيدة.
ردّاً على التعقيبات: لا يقوى برنامج “صنّاع الحياة” على إحداث نهضة وإليكم الدليل