عامان على الرسوم المسيئة: ما الذي بقي؟ وما الذي خفت؟

لماذا هذه الإساءات في حق رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم؟

عادت الصحف الدنمركية إلى نشر الرسوم المسيئة بحق رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، و المؤسف أنه بأمر من وزير الداخلية، وكانت مجلة “النصرة” التي تعني بقضايا نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم، والتي صدرت عن “منظمة النصرة العالمية” طلبت مني أن أكتب مقالا بمناسبة مرور سنتين على حادثة الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، فكتبت المقال تحت عنوان : (عامان على الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم: ما الذي بقي ؟ و ما الذي خفت ؟ )

وكنت ركزت فيه على ضرورة فهم الغرب بشكل عميق، و بينت فيه أن الإنسان في الغرب ليس محايدا في نظرته إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، بل يتلقى ذلك من الثقافة السائدة، وهي محكومة بعلم الاستشراق الذي يغذي الازدراء بالرسول صلى الله عليه وسلم، و الحقد على المسلمين، وبينت أن خيرَ من وضّح ذلك هما: محمود محمد شاكر في كتاب ” رسالة في الطريق إلى ثقافتنا”، و ادوارد سعيد في كتاب ” الاستشراق”، و أنهما خير من عرفانا بطبيعة الحياة الثقافية الاستشراقية، و أن كتابيهما أهم كتابين يوضحان كيفية تشكيل الثقافة الغربية عن الإسلام و المسلمين و الرسول صلى الله عليه وسلم، وماهية تكوينها.

عامان على الرسوم المسيئة: ما الذي بقي؟ وما الذي خفت؟

الحل: فهم الغرب أوّلاً، وتكوين مؤسسة إسلامية متخصّصة ثانياً

        قامت ضجّة كبيرة إثر الرسوم المسيئة بحق الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في الدنمارك قبل سنتين، وانعقدت مؤتمرات حول الموضوع واتخذت قرارات، وقد دعت القيادات الإسلامية المسلمين إلى مقاطعة البضائع الدنماركية، وقد تجاوبت جماهير المسلمين مع الدعوة وفعلت ذلك، ودعت القيادات الإسلامية -أيضاً- الحكومات الغربية إلى معاقبة أولئك الرسّامين إلخ… والسؤال الآن: هل أفلحت كل تلك الأعمال في إنهاء تلك الظاهرة؟ الجواب: لا، ويدلّ على ذلك أمران:

الأول: أنّ رسّاماً سويدياً يدعى “لارش فيكي” نشر صورة مسيئة بحق الرسول صلى الله عليه وسلم في صحيفة “بيريكس أليها ندا” بتاريخ 26 آب (أغسطس) 2007 وهي صحيفة محلية بمنطقة “أوربرد” وتقع على بعد 200 كم إلى الشمال من استوكهولم عاصمة السويد.

الثاني: وصف بنديكيت بابا روما الحالي للرسول صلى الله عليه وسلم بأقذع الصفات في محاضرة ألقاها قبل سنة في إحدى الجامعات الألمانية، ولم يتراجع عن أقواله تلك  مع كل الضجة التي أثارتها أقواله في العالم الإسلامي، والاستنكارات التي دارت حولها، وبخاصة أنها جاءت من رجل دين يقف في قمّة المؤسسة الدينية الكاثوليكية، وجاءت في سياق وعي لما يقول لأنها جاءت في سياق محاضرة معدّة بشكل مسبق، ولم تأت في سياق كلمة ارتجالية.

        لذلك من أجل أن نتعامل تعاملاً صحيحاً مع ظاهرة الإساءة للرسول صلى الله عليه وسلم ونوجد حلولاً ناجعة لها، علينا أن نفهم الغرب فهماً صحيحاً أوّلاً، ثم يمكن أن نرسم خطّة سليمة بعد ذلك للتعامل مع تلك الظاهرة ثانياً, فالسؤال الآن: ما صورة الإسلام في العقل الجمعي للغرب؟ وما صورة المسلمين في المخيال الجمعي عند الغربيين؟ وما صورة الرسول صلى الله عليه وسلم بالذات؟ وما موقفهم من الحضارة الإسلامية؟ وما نظرتهم إلى الثقافة الإسلامية؟ إلخ…

        ينظر معظم الغربيين إلى المسلمين نظرة سوداء، ويحقدون عليهم، ويكرهونهم، ويعتبرونهم متوحّشين، وينظرون إليهم نظرة دونية، وكذلك ينظرون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في نفس السياق، ويعتبرون -أيضاً- أنّ الحضارة الإسلامية حضارة ناقلة للتراث اليوناني فقط، ولم تبدع شيئاً، وهذا الأمر راسخ في عقلهم ومخيالهم الجمعيين، وقد جاءت هذه الصورة بسبب الاستشراق، وهو العلم الذي أفرزته الحضارة الغربية بعد الحروب الصليبية من أجل معرفة الشرق، ومن ثم نقلها إلى الإنسان الغربي، وهو ليس علماً محايداً، بل يقوم بشكل مسبق على الحقد والاستخفاف والاستهزاء بالمسلمين، وبدينهم، وبقِيَمِهم، وبنبيّهم، وقد أشار إلى ذلك كاتبان مبدعان هما: محمود شاكر في دراسة له تحت عنوان “رسالة في الطريق إلى ثقافتنا”، وإدوارد سعيد في كتاب “الاستشراق”، مع أنّ مرجعيتهما العقائدية والفكرية والثقافية مختلفة إلا أنهما اتفقا على توصيف علم الاستشراق بأنه العلم الذي يتعرّف به الغربي -كل غربي- على الإسلام ونبيّه، وعلى المسلمين وحضارتهم، وعلى كل ما يتعلّق بالعالم الإسلامي من خلال قنواته وطروحاته وآرائه، ولا سبيل له غير ذلك، وهو معاد بشكل مسبق لكل ما هو إسلامي، ولا يقدّم الحقيقة بل يقدّم تشويهاً متعمّداً لكل ما هو إسلامي، وقد وضّحا ذلك في كتابيهما، وهناك تفصيلات كثيرة لا يتسع المقام هنا لنقلها، بل يمكن الرجوع إليها في مظانها لمن أراد الاستزادة(1) .

        والسؤال الذي يرد بعد هذا التوضيح لواقع الحياة الغربية، وبعد معرفة الأساس الذي يقوم عليه العقل والمخيال الجمعيان الغربيان، لماذا لم تصدر مثل تلك الإساءات خلال الخمسين سنة الماضية؟ ولماذا لم تظهر إلا في السنوات الأخيرة بدءاً من سلمان رشدي وانتهاء برسّام السويد؟ السبب في ذلك أنّ الغرب كان محتاجاً لنا بعد الحرب العالمية أثناء صراعه مع الاتحاد السوفييتي والشيوعية، وكان حريصاً  على عدم استفزازنا، وعلى جرّنا إلى جواره من أجل التغلّب على المعسكر السوفييتي، فلمّا تغلّب عليه لم يعد بحاجة لنا، وعلى العكس أصبحنا العدو الأول له، لذلك ظهرت تلك البذاءات نحو رسولنا صلى الله عليه وسلم وديننا وحضارتنا وقِيَمنا وثقافتنا، من مختلف رجالات الغرب العسكرية والسياسية والدينية والفنية إلخ…

وسؤال آخر يرد في هذا المجال وهو: هل يعني سيطرة الاستشراق على العقل والمخيال الجمعيين للغرب أن نكسر أقلامنا، ونولّي ظهورنا للغرب؟ الجواب: لا، فعند النظر في واقع الحياة الغربية نجد أنّ هناك كوى ونوافذ في النظام السياسي الغربي تسمح لنا بأن ندخل من خلالها، ونخاطب عقلاء الغرب بخطأ موقفهم نحو الرسول صلى الله عليه وسلم ونحو ديننا، ونحو حضارتنا إلخ…، لذلك يفترض أن يقوم عدد من مفكّري الأمّة المرمومقين الذين يمتلكون وعياً عميقاًً بالحضارتين الإسلامية والغربية، وأشدّد على عنصر الوعي العميق بالحضارتين الإسلامية والغربية، ثم يشكّلون مؤسسة إسلامية متخصّصة تهتم برصد موضوع الإساءات للرسول صلى الله عليه وسلم بشكل خاص، وتتابع الموقف الغربي من ديننا وحضارتنا بشكل عام، ثم تقوم بعد ذلك بعدّة خطوات، هي:

1-  تقديم عدّة دراسات تتسم بالعقلانية الشديدة وتلقي الضوء على حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وغيرها من المعطيات الإسلامية، وتردّ على الشبهات الواردة في سياق الحياة الثقافية الغربية في هذا المجال، على أن توزّع وتسوّق هذه الدراسات أوسع تسويق في كل مجالات المجتمع الغربي: الرسمية، والجامعية، والمراكز البحثية، والمؤسسات الإعلامية إلخ…

2-  الاستفادة من الجاليات المسلمة في الغرب لاستصدار قوانين على مستوى أوروبا والغرب تعاقب التعرّض للرسول صلى الله عليه وسلم وللمعطيات الإسلامية.

3-  الاستفادة من الإرث السابق في مؤسسات الحوار بين الأديان في التوصّل إلى ميثاق شرف مع الأطراف المحاوِرة في احترام مقوّمات الحياة الإسلامية.

4-  إقامة مؤتمرات حوار علمية تسمح بعرض وجهات نظرنا، وتجلّي الحقائق بشكل عقلاني موضوعي.

5-  عدم إشغال المجتمعات الإسلامية بالمعارك التي يمكن أن يثيرها الغرب في مرّات قادمة، من أجل عدم استهلاك طاقات الأمّة في معارك جزئية وتوجيهها فيما هو أجدى، وترك الردّ لهذه المؤسسة في حال قيامها، على أن تخبر المسلمين بما تتوصّل إليه من نتائج من خلال تغطية إعلامية واسعة لكي يكونوا مطمئنين بأنّ هناك من يسدّ هذه الثغرة، ويذود عن مكانة رسولهم صلى الله عليه وسلم، ويدافع عن دينهم وقِيَمهم وحضارتهم وثقافتهم خير دفاع.


(1) لذلك أعتبر كل من يريد أن يفهم الغرب فهماً صحيحاً عليه أن يدرس هذه الكتابين في البداية، وأنّ كل من لم يدرس هذين الكتابين سيكون فهمه وإدراكه للغرب ناقصاً.

اترك رد