تخطط أميركا وتحضّر لضرب العراق، وتستهدف أشياء أخرى قد تصل الى رسم خرائط، وفرض أنظمة سياسية واقتصادية، وتبديل مناهج تعليمية، وتدخل في الثقافات المحلية، ووضع حلول نهائية لبعض القضايا الرئيسية ومنها القضية الفلسطينية الخ…
وتظهر جماهير الأمة في المقابل بمظهر المنفعل الذي لا يستطيع أن يغير مجرى الأحداث، والعاجز الذي لا يقوى على إحداث منعطف فيها، ويعود ذلك العجز الى أمور أبرزها:
والسؤال الآن: ما العوامل التي أدت الى غياب هذه الأطر المنظمة للجانب الجماعي في حياة الأمة؟
نستطيع ان نصنف الاستبداد الذي يكتم الأنفاس ويكم الأفواه كأول عامل يقف في مواجهة التنظيم الجماعي لجماهير الأمة. لأنه يخاف على ذاته منها، لذلك فهو يحظر التجمعات، ويمنعها، وإذا سمح لها فلكي تدور في فلكه وتردد مقولاته، وتشكّل بوقاً له.
لذلك لم تكن التجمعات والأحزاب التي ارتبطت بالأنظمة فاعلة ولا معبرة عن مشاعر الأمة وضميرها، بل كانت باستمرار تلتقي في المصالح، وتنتهي عندما تنتهي هذه المصالح.
ويأتي التصوف كعامل ثانٍ من العوامل التي أورثت الفرد سلبية واضحة نحو الواقع المحيط به، ويظهر ذلك في بعض المقولات التي تحث على الخلاص الفردي، وتوجه الى عدم الاهتمام بالواقع الجماعي ومنها:
“دع الخلق للخالق”.
ويبرز النفور من فكرة الأحزاب في محيط الرأي العام العربي وعدم الإقبال عليها كعامل ثالث من عوامل ضعف البناء الجماعي لجماهير الأمة. وذلك لارتباط نشوء الأحزاب بمجيء الاستعمار الغربي.
والمشكلة ان الدولة القومية المعاصرة عندما هدمت أشكالاً متعددة من صور التجمعات الموروثة كالتجمعات الحرفية التي يقودها شيخ في كل حرفة، لم تؤسس بديلاً يستوعب طاقات الأمة، ويؤطر نشاطاتها.
ويأتي الموروث الشعبي كعامل رابع من عوامل ضعف البناء الجماعي لجماهير الأمة، ويظهر ذلك من خلال الأمثال الشعبية التي تمجد السلبية والفردية إزاء الواقع المحيط من مثل القول
“الذي يأخذ أمنا هو عمنا”.
إن تحويل جماهير الأمة من الانفعال الى الفعل، ومن العاطفة الى التأثير الإيجابي يقتضي النجاح في تأطيرها، وذلك من خلال معالجة العوامل السابقة التي تحول دون ذلك وتعرقله.