لقد اتضح أن الأسد فريد في وحشيته، ومن الجليّ أنه فاق أعتى القادة المجرمين في التاريخ من ناحية حجم التدمير الذي ألحقه بسورية، فقد فاق نيرون الذي أحرق روما، أو هولاكو الذي دمّر بغداد، أو هتلر الذي دمّر ليس ألمانيا فحسب بل كل أوروبا، لذلك يجدر أن نسميه “وحش سورية” وليس “أسد سورية”.
والغريب أن “وحش سورية” ما زال مُصرّاً على استمرارية التدمير لسورية، فبعد أن دمّر كل مظاهر العمران والبنية التحتية خلال أربع سنوات من عمر الثورة، وقتل مئات الآلاف من السوريين، وبعد أن فشل في الانتصار على الثورة، وكاد أن يسقُط في نهاية عام 2012م، تشبث بالنجاة فاتجه إلى النظام الإيراني واستنجد به، فاستجاب له الخامئني، فأمر حزب الله بأن يساند “وحش سورية”، فخضع حزب الله لأمر الولي الفقيه، وأرسل مقاتليه الذين قُتل منهم الآلاف في مختلف أنحاء سورية، كما أرسل الخامئني جيوشاً من الغوغاء من مختلف أنحاء الأرض لنصرة “وحش سورية”، فجاءت عدّة مليشيات وعصابات من العراق واليمن وأفغانستان وباكستان.
وعندما أخفقت كل تلك الجيوش والعصابات والمليشيات التي حشدها وسلّحها النظام الإيراني في الحيلولة دون انهيار “نظام الوحش” في صيف 2015م، فاستنجد “وحش سورية” بـ “الدب الروسي“، فجاءه “الدب الروسي” مُدّعياً أنه يريد أن يُقاتل “داعش”، إلى جانب “التحالف الدولي” الذي يضم ستين دولة.
أرسل “الدب الروسي” إلى سورية عدداً من الطائرات المتقدمة كسوخوي، كما أرسل عدداً من أنظمة الصواريخ المتطورة، وعدداً من الدبابات المتقدمة، كما اهتم بالقواعد البحرية على ساحل البحر الأبيض المتوسط في طرطوس واللاذقية، كما أرسل عدداً من الخبراء ليكونوا عوناً للنظام.
وقد ثبت خلال الأيام السابقة التي بدأت الطائرات الروسية طلعاتها الجوية أنه استهدف قواعد الجيش الحر وأسلحته أكثر مما استهدف “داعش”، وهذا يؤكد أن هدف روسيا هو تمكين “وحش سورية” وليس مقاتلة “داعش”. والسؤال الآن: علام تفاهم “الدب الروسي” و”الوحش السوري”؟
أعتقد أنهما تفاهما على تقسيم سورية، وعلى أن يكون دور “الدب الروسي” هو تمكين “الوحش السوري” من استعادة السيطرة على منطقة حمص واللاذقية وسهل الغاب وحماة لتكون ضمن الدولة العلوية التي يتطلع “الوحش السوري” إلى استقطاعها من سورية، ولتكون محميّة بقوات “الدب الروسي”، الذي سيجعلها له منطقة نفوذ مُطلّة على مياه البحر الأبيض المتوسط، وهو الحلم الذي تطلعت إليه روسيا منذ القياصرة القدماء، وهو ما حققه القيصر “بوتين” في العصر الحديث.
والسؤال الآن: كيف يمكن أن يواجه الثوّار والمجاهدون والفصائل والكتائب والحركات كل هؤلاء الأعداء بدءاً من نظام “الوحش السوري” مروراً بعصابات إيران، وانتهاءً بـ “الدب الروسي”؟
أعتقد أنه يمكن أن يواجه الثوار أولئك الأعداء بإنشاء جبهة تجمع هؤلاء المقاتلين، وأنا سأضع عدّة أفكار تُبيّن قيمة هذه “الجبهة” وجدواها، وهذه بعض الأفكار:
1- تكوين أي “جبهة” بين عدة أطراف مقاتلة أو سياسية، متنوعة وغير متطابقة الأهداف والوسائل أمر معروف في السياسة المعاصرة، وقد حقق أسلوب تكوين “الجبهة” عدّة نجاحات، ومعظم الثورات التي نجحت كانت نتيجة تكوين “جبهوي”، وأبرز مثال على ذلك “جبهة التحرير الجزائرية” التي قادت إلى استقلال الجزائر عام 1962م.
2- لو تفحصنا الانتصارات التي حدثت في ثورتنا السورية في السنوات الثلاثة الأخيرة، وجدناها كانت نتيجة تحالفات حدثت بين عدّة فصائل، كتحالف “جيش الفتح” الذي حرّر إدلب وجسر الشغور في عام 2015م، وكذلك تحالف “جيش الفتح” الذي حرّر قسماً كبيراً من درعا والقنيطرة.
3- يجب أن نعترف بأننا – نحن الإسلاميين – من أضعف التيارات في تشكيل “الجبهات” مقارنة باليساريين، ولو مثّلنا على ذلك بالجهاد الأفغاني الذي استمر لمدة عشر سنوات تقريباً بين 1979م إلى 1991م، وكانت جميع الفصائل ذات توجه إسلامي، مما يساعد على اللقاء والتعاون، ولو تساءلنا: لماذا لم يحقق الجهاد الأفغاني الثمرات المرجوة منه في التمكين والانتصار؟ لوجدنا الجواب على ذلك يكمن في أنه فشل في تشكيل “جبهة” موحدة تقود الجهاد، وترسم خطة كاملة لما بعد تحرير أفغانستان، وهذا الفشل في تشكيل “الجبهة” التي تجمع بين قيادات الجهاد الأفغاني من أمثال: حكمتيار وسياف وبرهاني ورباني ومجددي إلخ…، هي التي أدت إلى أن يقطف الثمرة غير المجاهدين.
4- أعتقد أن “المجلس الإسلامي السوري” قام بخطوة موفقة في المجال السياسي، وهي إقرار “وثيقة المبادئ الخمسة” التي وقّعت عليها معظم التكوينات السياسية والعسكرية، وكانت حصيلة إجماع شعبي، وتقوم على عدة مبادئ، وهي: إسقاط نظام الأسد، ومحاسبة أركانه ورموزه، وتفكيك المنظومة الأمنية والعسكرية، وطرد الغزاة من كل نوع، والمحافظة على وحدة سورية، ورفض المحاصصة الطائفية في المستقبل السوري.
وأعتقد أن أي جهد لإنشاء “جبهة” تضم الفصائل والكتائب والحركات العسكرية يجب أن ينطلق مما انتهى إليه “المجلس الإسلامي السوري” ويبني عليه، وأرشّح كذلك أن يقوم “المجلس الإسلامي السوري” بدور أساسي بتحقيق هذه الخطوة.
5- من الواضح أن “الجبهة” ستقوم على أهداف محددة، ويجب أن تُراعي احتفاظ كل فصيل وحركة على كيانه الخاص، ونحن من أجل مراعاة الأحجام المتباينة للفصائل المختلفة، يمكن أن تقوم “الجبهة” على محورين:
الأول: مجلس يكون ممثلاً للفصائل حسب حجمها، بحيث يختار كل فصيل ممثلين عنه حسب عدد مقاتليه، وبالتالي نكون قد راعينا الفروقات بين أحجام الفصائل، وجعلنا الجميع يشارك في المناقشة، وفي اتخاذ القرار، ويكون دور هذا المجلس قيادة “الجبهة” واتخاذ القرارات المناسبة للانتصار على “وحش سورية” وحلفائه.
الثاني: اعتبار “المجلس الإسلامي السوري” هو المرجعية الشرعية في التوجيه الديني، وفي تحقيق التواصل والتعاون وزيادة اللحمة بين مختلف الفصائل، وفي فض الخلافات عند وقوعها.
6- يجب أن يقوم “المجلس الإسلامي السوري” بعمل دعوي وإعلامي وثقافي ضخم يُركّز فيه على دعوة الفصائل إلى الالتقاء والاجتماع والتوحد، وإلى نبذ الفرقة، تحقيقاً لقوله تعالى:﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾[آل عمران:103]، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( يد الله مع الجماعة )، ويجب أن يقوم “المجلس الإسلامي السوري” بدور عملي يجمع فيه الفصائل على الحد الأدنى من العوامل المشتركة والمتفق عليها، وفي مقدمتها المبادئ التي أُقرّت في وثيقة “المبادئ الخمسة”.
7- نعتقد أن الفصائل والكتائب والحركات والتجمعات في ساحة الثورة تقوم على معطيات وأجزاء من أمرين: “الحق الشرعي” و”الحق الكوني”. لكن لا بد من أجل أن نُحقق الانتصار من الاستمرار في البحث عن تحرّي “الحق الشرعي” و”الحق الكوني”، والتطلع إلى استكمالهما – قدر الإمكان – في كل المجالات، وهذا يقتضي “المراجعات” المستمرة على مستوى الذات، ويقتضي “الحوار” مع الآخرين من أجل الوصول إلى صورة واضحة وأكيدة عنهما، والآخر الذي يجب “الحوار” معه هو أولئك العلماء الربانيون الذين يحملون هموم الأمّة والدين في ذواتهم من جهة، ويعقلون الدين والواقع والحضارة بشكل عميق من جهة ثانية.
الخلاصة: استنجد “الوحش السوري” أخيراً بـ “الدب الروسي”، والأرجح أن الهدف هو تقسيم سورية، ويمكن أن تحقق الثورة الانتصار على العدوين: “الوحش السوري” و”الدب الروسي” وتحول دون “تقسيم سورية” بأن يُشكّل الثوار “جبهة” عريضة، ويقاتلوا تحت قيادة واحدة، ويجب أن يكون لـ “المجلس الإسلامي السوري” دور في تكوين هذه “الجبهة”، ويجب أن تواصل الفصائل والكتائب المقاتلة سيرها نحو استكمال الحقين: “الشرعي” و”الكوني” في بناء كياناتها من خلال “المراجعات” المستمرة، ومن خلال “الحوار” مع العلماء الربانيين، لذلك نخاطب الثوار – في هذه المرحلة – بأعلى صوتنا قائلين: (أيها الثوار: اتحدوا في جبهة عريضة، وتحرّوا الحقين: “الشرعي” و”الكوني”، لتكون سورية في حالة”انتصار” لا “تقسيم”).
رابط المقال من موقع السورية نت سورية بين التقسيم والانتصار