سلبيات الاستشراق وإيجابياته: المجالات والأسباب

كيف يجب أن نتعامل مع الاستشراق؟

يعتبر إدوارد سعيد أن الاستشراق تعريفاً هو المعرفة التي يركزها الغرب على الشرق لفهمه، وهو يمتد من ناحية الزمان حسب ما قال مكسيم رودنسون منذ القرن السادس عشر، وبعضهم يعيده إلى ما قبل ذلك بكثير، فيجعل بدايته مع يوحنا الدمشقي الذي عاصر الأمويين، وناقش المسلمين في قضية المسيح عليه السلام وقولهم إنه كلمة الله، من أجل إثبات أن القرآن مخلوق.

إن الاستشراق عمل إنساني معرفي ذو سعة في الزمن والمكان، فلا يمكن القبول بنزع الصبغة التاريخية عنه، وقد عبّر صادق جلال العظم عن ذلك فقال: “وأما فيما يخص أطروحة إدوارد سعيد التي تقول بأن الاستشراق (بالمعنى السلبي للكلمة) هو عبارة عن معطى دائم للعقل الأوروبي، وأنه يتكرر بنفس الشكل عبر القرون والعصور من هوميروس إلى المستشرق المعاصر غوستاف فون غرونباوم مروراً بدانتي وفلوبير وكارل ماكس، فإننا نرفضها كلياً. وذلك لأنها تواصل الاعتقاد بتلك الأسطورة القائلة بوجود طبيعة غربية (أو أوروبية) جوهرانية وثابتة بشكل دائم، كما وتعتقد بوجود عقل ذي خصائص ثابتة وحدها تجلياته السطحية تتحول مع الزمن”[i]

والأفضل أن نتعامل مع هذا التراث الاستشراقي تعاملاً نقدياً كما قال عبد النبي اصطيف: “أن نأخذ ونرفض على هدي البصيرة النقدية، والفحص المتمعن، أو قل أن نواجهه مواجهة إيجابية”

ويكمل عبد النبي اصطيف فيدعو إلى أن تكون الدراسات العربية هي الأصل والدراسات الاستشراقية هي الروافد، فيقول: “يبدو لي أن هذه المواجهة يجب أن تهدف إلى قلب الأوضاع القائمة في الدراسات العربية ووضعها مرة أخرى على قدميها. فبدلاً من أن تكون الدراسات الاستشراقية الخارجية هي التيار الرئيسي المحدد والمرجع الأساسي لدراسة الثقافة العربية في حين تبقى الدراسات التي تقدم بها الداخليون هي الروافد، يجب أن تصبح إسهامات العرب أنفسهم هي التيار الرئيسي والمجرى المحدد. في حين تصبح إسهامات المستشرقين هي الروافد”[ii]

ولقد أسف المستشرق الإيطالي فرانسيسكو غابرييلي لوضع الاستشراق كله في كفّة واحدة عند بعض الدارسين العرب وبيّن كيف أنه أنصف الحضارة الإسلامية وأمضى عمره في خدمتها فقال: “لقد أمضى كاتب هذه السطور حياته كلها في الدراسة المفعمة بالحماسة لواحدة من الحضارات الشرقية على الأقل: قصدت الحضارة العربية الإسلامية. ومما يدعو للاستغراب والدهشة أنه من هناك جاءتنا، ويا للأسف الشديد، أكبر الاتهامات وأكثرها جحوداً وإنكاراً لعمل الاستشراق. وعلى الرغم من أني ابن هذا الغرب ومرتبط بحضارته بكل حواسي ومشاعري إلا أني كنت دائماً أشعر بمدى عظمة هذه الحضارة العربية الإسلامية، ومدى شرفها وكرامتها بصفتها إحدى المكونات الشرقية لتاريخ البشرية.

وبالتالي عالم بالأمور وأستطيع أن أحكم فيها أو عليها. إني أرفض قطعياً هذا التقييم الظالم لأعمال الأجيال المتتالية من المستشرقين، أو المختصين بمعرفة الشرق والذين لا يهدفون إلى أي غرض أو مصلحة شخصية من وراء هذه المعرفة، إنهم يهدفون إلى خدمة العلم والفضول العلمي الذي يشكل إحدى خصائص الإنسان. وليس لي إلا أمنية واحدة: هي أن يخترع الشرق قيماً جديدة ومبتكرة قادرة على إغناء ميراث البشرية على هذه الأرض. وإذا لم يفعل ذلك واختار نقل القيم الغربية بعد إجراء التعديلات الضرورية عليها لكي تتأقلم معه فأتمنى أن يختار من بينها الأفضل والأكثر كرماً وغنىً بالخميرة النقدية. أتمنى أن يختار من بينها الأكثر قدرة على جعل البشر يكنون (حباً للآخرين كما يحبون أنفسهم) كما يقول شاعر إيطالي كبير، بدلاً من أن يتعلقوا بأتفه ما أنتجه الغرب وأكثره قمعاً وضرراً. ولكن إذا كانت الضرورة أو الاختيار الحر قد دفعاه إلى تفضيل هذه الأخيرة أي القيم السلبية في الغرب فأتمنى أن يعرف مصدرها ومنشأها ضمن منظور تاريخي صحيح لكيلا يسيء فهم الغرب أو يعمم حكمه السلبي عليه.”[iii]

وفي المقابل يمكن أن نتحدث عن نموذج قديم لبشرية وإنسانية الاستشراق وتاريخيته يلتقي مع المستشرق غابرييلي وهو المستشرق الألماني يوهان. ج. رايسكJ.J.Reiske  (1716-1774)، فقد كان عالماً لا يجاريه أحد في ذلك الوقت، ونذر نفسه لدراسة الأدب والتاريخ الإسلامي، وأدى به هذا التفاني إلى التوفق لاضطهاد اثنين من الأساتذة هما: شولتز وميخائيلس لأنهما كانا يريدا إبقاء الدراسات العربية الإسلامية ضمن نطاق الفيلولوجيا الدينية، وتفسير الكتاب المقدس، ولأن موقفه كان إيجابياً من الإسلام فقد تجاهله علماء عصره، واتهموه بالزندقة لأنه امتدح الإسلام في كتاب له باللاتينية، ورفض وصف النبي بالكذب والتضليل، ووصف دينه بأنه خرافات مضحكة، ورفض تقسيم العالم إلى تاريخ مقدس وتاريخ غير مقدس، وقد جر عليه ذلك ويلات كثيرة، وعاش طول حياته في ضائقة مالية، ومات يائساً مسلولاً في الثامنة والخمسين من عمره.[iv]

وعلى ضوء النظر النقدي، والنظر إلى السلبيات والإيجابيات في الأعمال الاستشراقية، فإننا نجد أن هناك سلبيات في الدراسات التي تناولت القرآن الكريم والوحي والسنة وسيرة النبي (ص)، وأبرز هذه السلبيات تقوم على غياب العلمية والموضوعية والمنهجية في معظم الأحيان, وتقوم على التشكيك في إلهية القرآن الكريم، ونزول الوحي على الرسول (ص)، وعلى اتهام المستشرقين الأحزاب السياسية والفرق التاريخية بوضع الأحاديث على لسان الرسول (ص)، وإلى اتهامهم بالوضع في وقائع سيرة الرسول (ص)، وعلى الأرجح أن هذه السلبيات جاءت من أسباب متعددة مرتبطة بظروف نشأته من جهة، ومرتبطة بظروف الحضارة الغربية من عنصرية وعرقية ومركزية وادعاء بالتفوق إلخ…. من جهة ثانية.

وبالمقابل نجد أن الاستشراق يصبح إيجابياً إذا ابتعد عن كل ما يتعلق بمفردات الدين الإسلامي، ويقدم مادة علمية يمكن أن تكون مفيدة إذا تحدث عن الاقتصاد أو العمارة أو الفن إلخ…..، ولكنه يصبح أكثر إيجابية عند تناوله المعاجم والفهارس والمخطوطات إلخ….، ونحن في هذه المداخلة سنرصد نماذج من سلبيات الاستشراق أولاً، ثم سنذكر الأسباب التي ولدت تلك السلبيات وجعلبتها أكثر من الايجابيات ثانيا، ثم سننتقل إلى الحديث عن نماذج من إيجابياته ثالثا.

أولاً: نماذج من سلبيات الاستشراق:

أ-موقف الاستشراق من القرآن الكريم:

لقد اعتبر الاستشراق والمستشرقون إلى أن القرآن الكريم من تأليف محمد -صلّى الله عليه وسلم- وأنه ليس وحياً، وأن محمداً ليس نبياً، وحاولوا أن ينسبوا كل ما فيه إلى تأثيرات يهودية ونصرانية، أو إلى تأثير المحيط الذي كان يعيش فيه، أو إلى أنه لم يكن يدعو إلى دين جديد بل كان يدعو إلى نوع من الاشتراكية فقد ذكر المستشرق الألماني هوبرت جريمي: “لم يكن محمد في بادئ الأمر يبشر بدين جديد، بل إنما كان يدعو إلى نوع من الاشتراكية، فالاسلام في صورته الأولى الأصلية لم يكن يحتاج إلى أن نرجعه إلى ديانة سابقة تفسر لنا تعاليمه، ذلك لأننا إذا نظرنا إليه عن كثب، نراه لم يظهر إلى الوجود كعقيدة دينية، بل كمحاولة للإصلاح الاجتماعي تهدف إلى تغيير الأوضاع الفاسدة، وعلى الأخص إلى إزالة الفروق الصارخة بين الأغنياء الجشعين ، والفقراء المضطهدين….. لذلك نراه يفرض ضريبة معينة لمساعدة المحتاجين. وهو إنما يستخدم فكرة الحساب في اليوم الآخر كوسيلة للضغط المعنوي وتأييد دعوته.”[v]

وأعاد المستشرق الانجليزي جب (Gibb) القرآن الكريم إلى ظروف البيئة الجاهلية فقال: “إن محمداً ككل شخصية مبدعة قد تأثر بضرورات الظروف الخارجية المحيطة به من جهة ، ثم هو من جهة أخرى قد شق طريقاً جديداً بين الأفكار والعقائد السائدة في زمانه، والدائرة في المكان الذي نشأ فيه….وانطباع هذا الدور الممتاز لمكة يمكن أن نقف على أثره واضحاً في كل أدوار حياة محمد، وبتعبير إنساني: إن محمداً نجح، لأنه كان واحداً من المكيين.” ثم يقول: “ويبدو أن معارضة المكيين له لم تكن من أجل تمسكهم بالقديم، أو بسبب عدم رغبتهم في الإيمان… بل ترجع أكثر ما ترجع إلى أسباب سياسية واقتصادية.”[vi]

وقد ذكر المفكر الفرنسي جوستاف لوبون أن الرسول محمداً (ص) كان مصاباً بالصرع فقال: “قيل أن محمد كان مصابا بالصرع, ولم أجد في تاريخ العرب ما يجيز القطع بذلك، وكل ما في الأمر ما رواه معاصروه وعائشة منهم: أنه كان إذا نزل الوحي عليه اعتراه احتقان فغطيط فغثيان. وإذا عدوت هوس محمد ككل مفتون، وجدته حصيفاً سليم الفكر.” ثم يقول: “ويجب عد محمد من فصيلة المتهوسين من الناحية العلمية كأكبر مؤسسي الديانات. ولا أهمية لذلك ، فلم يكن ذوو المزاج البارد من المفكرين هم الذين ينشئون الديانات، ويقودون الناس، وإنما أولو الهوس هم الذين مثلوا هذا الدور… وهم الذين أقاموا الأديان، وهدموا الدول، وأثاروا الجموع، وقادوا البشر. ولو كان العقل لا الهوس هو الذي يسود العالم، لكان للتاريخ مجرى آخر.”[vii]

وقرر جولدتزيهر أن المعرفة الدينية التي تلقاها محمد صلى الله عليه وسلم تعود إلى عنصرين داخلي وخارجي فقال: “فتبشير النبي العربي ليس إلا مزيجاً منتخباً من معارف وآراء دينية عرفها بفضل اتصاله بالعناصر اليهودية والمسيحية التي تأثر بها تأثراً عميقاً، والتي رأها جديرة بأن توقظ في بني وطنه عاطفة دينية صادقة، وهذه التعاليم التي أخذها عن تلك العناصر الأجنبية كانت في وجدانه ضرورية لإقرار لون من الحياة في اتجاه يريده الله.

لقد تأثر بهذه الأفكار تأثراً وصل إلى أعماق نفسه، وأدركها بإيحاء قوة التأثيرات الخارجية، فصارت عقيدة انطوى عليها قلبه، كما صار يعتبر هذه التعاليم وحياً إلهياً.”[viii]

وذكر بلاشير تشابه القصص القرآني مع القصص اليهودي والمسيحي، واعتبر أن محمداً (ص) أخذ قصص من المصادر اليهودية والمسيحية فقال: “وقد كان التأثير المسيحي واضحاً في السور المكية الأولى، إذ كثيراً ما تكشف مقارنة بالنصوص غير الرسمية كإنجيل الطفولة الذي كان سائداً في ذلك العهد عن شبه قوي. ويعرض في هذا الصدد آراء بعض الباحثين، مبينأ رأيه فيما يستنتج من العلاقات المستمرة التي كانت تربط بين مؤسس الإسلام والفقراء المسيحيين بمكة.”[ix]

وقد ركز المستشرقون شكوكهم حول القرآن الكريم وألوهيته في قضيتين:

  • الأولى: جمع القرآن ونسخه
  • الثانية: اختلاف القراء والقراءات.

 فقد ذكر جولدتزيهر اضطراب المسلمين في إثبات النص القرآني فقال: “فلا يوجد كتاب تشريعي اعترفت به طائفة دينية اعترافاً عقدياً على أنه نص منزل أو موحى به يقدم نصه في أقدم عصور تداوله مثل هذه الصورة من الاضطراب وعدم الثبات كما نجد في النص القرآني.”[x]

ب-موقف الاستشراق من السنة:

أنكر معظم المستشرقين السنة إنكاراً كاملاً، واتهموها بأنها موضوعة من المسلمين، وأن الأحزاب والفرق وصفت الأحاديث حسب مصلحتها، واخترعت إسناداً معيّناً لرواية هذه الأحاديث، وأبرز من تحدث عن هذا الموضوع (شاخت)، في كتابين هما: ( المدخل إلى الفقه الإسلامي) (Introduction to Islamic Law) وكتاب (أصول الشريعة الإسلامية)، وقد حاول شاخت أن يقلع جذور الشريعة الإسلامية، ويقضي على تاريخ التشريع قضاء كاملاً، ووصف ذلك الكتاب علماء المسلمين كافة –لحقب عديدة- من القرون الثلاثة الأولى، بأنهم كذابون وملفقون وغير أمناء، لذلك اعتبر المدارس الفقهية التي نشأت مع أبي حنيفة والشعبي ومالك والشافعي إلخ….. هي مدارس من اختراع هؤلاء الرجال، فليست هناك أحكام شرعية من الرسول (ص)، ثم جاء المحدثون واخترعوا أحاديث على لسان الرسول (ص) لينافسوهم، واحتدم الصراع بين الطرفين، ولاشك أن في هذا الكلام تشكيكاً غير معقول في كل التشريع الإسلامي، وكل السنة النبوية.

فقد تحدث (شاخت) عن مكانة الشريعة في الإسلام فقال: “إن القانون (أي الشريعة) تقع إلى حد كبير خارج نطاق الدين” ثم ردّد هذا بوضوح أكثر في كتابه (المدخل إلى الفقه الإسلامي) حيث قال: “في الجزء الأكبر من القرن الأول لم يكن للفقه الإسلامي-في معناه الاصطلاحي- وجود كما كان في عهد النبي، والقانون – أي الشريعة- من حيث هي هكذا كانت تقع خارجة عن نطاق الدين، وما لم يكن هناك اعتراض ديني أو معنوي روحي على تعامل خاص في السلوك فقد كانت مسألة القانون تمثل عملية لا مبالاة بالنسبة للمسلمين.”[xi]

ثم نفى وجود حديث واحد فقهي تصح نسبته إلى الرسول (ص) فقال: “من الصعوبة اعتبار حديث ما من الأحاديث الفقهية صحيح النسبة إلى النبي (ص).”[xii]

ثم فصل ذلك في أماكن متعددة في الكتابين المذكورين، فذكر أن الفقهاء نسبوا مدارسهم إلى فقهاء كبار قدماء، فمدرسة الكوفة نسبت فقهها إلى إبراهيم النخعي ثم أشركت ابن مسعود فقال: “وكان الكوفيون سبّاقين في نسبة نظرياتهم إلى إبراهيم النخعي ، وتبعهم في ذلك المدينون فيما بعد في هذا المجال. وعملية قذف الآراء إلى الماضي لإيجاد أساس نظري للفقه الاسلامي.. لم تتوقف على شخصيات متأخرة نسبياً، بل توغل العلماء في نسبتها إلى الماضي أكثر فأكثر حتى وصلوا إلى نقطة بداية الإسلام في الكوفة حيث أشرك ابن مسعود في هذا العمل.”[xiii]

ثم تحدث عن اختراع السنة من قبل المحديثين، فقال: “أما حركة المحديثين في القرن الثاني، فهي في الواقع نتيجة طبيعية لاستمرار حركة المعارضة للمدارس الفقهية القديمة، والتي كانت متأثرة بالدين والأخلاق، والفكرة الرئيسية التي كانت عند المحدثين هي أن الأحاديث –المأخوذة عن النبي صلى الله عليه وسلم- يجب أن تغلب على سنن المدارس الفقهية ولهذا الغرض اخترع المحدثون بيانات مفصلة أو أحاديث وادعوا أنها من مرئيات أو من مسموعات أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته وأنها وصلت إلينا شفهياً بأسانيد غير منقطعة وعن طريق رواة موثوقين. ومن الصعوبة بمكان أن نعتبر أي حديث منها خاصة فيما يتعلق بالأحاديث الفقهية صحيحاً موثوقاً به.”[xiv] 

ثم تحدث عن اختراع المدارس الفقهية لبعض السنن والأحاديث التي تدعم فقههم، وعدم استيراد الأحاديث التي يضعها المحدثون، فقال: “وأحسن ما كان يمكن عمله لأصحاب المدارس القديمة هو التقليل من استيراد الأحاديث النبوية عن طريق التفسير وإدخال آرائهم الفقهية ومواقفهم الشخصية في أحاديث أخرى منسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولو أن الفقهاء شاركوا المحدثين في وضع الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم بحيث نسبوا أقاويلهم إليه إلا أنه كان هذا انتصاراً لمبدأ المحدثين.”[xv]

واعتبر شاخت أن إسناد الأحاديث عمل اعتباطي، وهو شطب علماً كاملاً اعتزت به الأمة الإسلامية وتميزت به بكلمة واحدة دون أدنى تحقيق أو تمحيص فقال: “إن أكبر جزء من أسانيد الأحاديث اعتباطي، ومعلوم لدى الجميع أن الأسانيد بدأت بشكل بدائي، ووصلت إلى كمالها في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري، وكانت الأسانيد كثيراً ما لا تجد أقل اعتناء، وأي حزب يريد نسبة آرائه إلى المتقدمين كان يختار تلك الشخصيات ويضعها في الإسناد.”[xvi]

وأكد شاخت موقفه من السنة والأسانيد في مكان آخر فقال: “إن أكبر جزء من أسانيد الأحاديث اعتباطي، ومعلوم لدى الجميع أن الأسانيد بدأت بشكل بدائي، ووصلت إلى كمالها في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري، وكانت الأسانيد كثيراً ما لا تجد أقل اعتناء، وأي حزب يريد نسبة آرائه إلى المتقدمين كان يختار تلك الشخصيات ويضعها في الإسناد.”[xvii]

ج-موقف الاستشراق من السيرة:

لقد كان موقف الكنيسة ورجال الدين المسيحين متشنجاً نحو سيرة الرسول (ص) فلم يكونوا يرون فيه إلا الشرور والإثم والهمجية والتوحش فقال المونيسنيور كولي في كتاب (البحث عن الدين الحق): “برز في الشرق عدو جديد هو الإسلام الذي أسس على القوة وقام على أنواع التعصب. ولقد وضع محمد السيف في أيدي الذين تبعوه وتساهل في أقدس قوانين الأخلاق. ثم سمح لأتباعه بالفجور والسلب، ووعد الذين يهلكون في القتال بالاستمتاع الدائم بالملذات في الجنة. وبعد قليل أصبحت آسيا الصغرى وافريقيا وإسبانيا فريسة له. حتى إيطاليا هددها الخطر، وتناول الاجتياح نصف فرنسا، ولقد أصيبت المدينة.. ولكن انظر!! هاهي النصرانية تضع بسيف شارل مارتل سداً في وجه سير الإسلام المنتصر عند بواتيه (752م) ثم تعمل الحروب الصليبية في مدى قرنين تقريباً (1099-1254م) في سبيل الدين، فتدجج أوروبا بالسلاح وتنجي النصرانية، وهكذا تقهقرت قوة الهلال أمام راية الصليب، وانتصر الانجيل على القرآن وعلى ما فيه من قوانين الأخلاق الساذجة.”[xviii]

ثم قال المسيو كيمون في كتاب (ميثولوجيا الإسلام): “إن الديانة المحمدية جذام فشا بين الناس وأخذ يفتك بهم فتكاً ذريعاً. بل هو مرض مروع وشلل عام وجنون ذهني يبعث الإنسان على الخمول والكسل، ولا يوقظه منها إلا ليسفك الدماء ويدمن معاقرة الخمور، ويجمح في القبائح. وما قبر محمد في مكة إلا عمود كهربائي يبث الجنون في رؤوس المسلمين ويلجؤهم إلى الإتيان بمظاهر الصرع (الهستريا)، والذهول العقلي، وتكرار لفظة (الله الله) إلى ما لا نهاية، وتعود عادات تنقلب إلى طباع أصلية ككراهية لحم الخنزير والنبيذ والموسيقى وترتيب ما يستنبط من أفكار القسوة والفجور في الملذات.”[xix]

ثم قال جويليان في كتاب (تاريخ فرنسا): “إن محمداً، مؤسس دين المسلمين، قد أمر أتباعه أن يخضعوا العالم، وأن يبدلوا جميع الأديان بدينه هو. ما أعظم الفرق بين هؤلاء الوثنيين والنصارى!! إن هؤلاء العرب قد فرضوا دينهم بالقوة وقالوا للناس :أسلموا أو موتوا، بينما أتباع المسيح أراحوا النفوس ببرهم وإحسانهم. ماذا كانت حال العالم لو أن العرب انتصروا علينا؟ إذن لكنا مسلمين كالجزائريين والمراكشيين.” [xx]

ثم جاء مستشرقون بعد ذلك، لكن نظرتهم إلى سيرة الرسول (ص) لم تتغير، ولم تقم على منهجية علمية موضوعية، بل قام بعضها على المبالغة والشك والافتراض والنفي الكيفي، واعتماد الضعيف الشاذ، وقد أشار درمنغهم إلى هذه المسألة فقال: “من المؤسف حقاً أن غالى بعض هؤلاء المتخصصين – من أمثال موير ومرغوليوث ونولدكه وشبرنجر ودوزي وكيتاني ومارسين وغريم وغولدزيهر وغود فروا وغيرهم – في النقد أحياناً، فلم تزل كتبهم عامل هدم على الخصوص، ولا تزال النتائج التي انتهى إليها المستشرقون سلبية ناقصة. ولن تقوم سيرة على النفي، وليس من مقاصد كتابي أن يقوم على سلسلة من المجادلات المتناقضة.. ومن دواعي الأسف أن كان الأب لامانس- الذي هو من أفضل المستشرقين المعاصرين- من أشدهم تعصباً، وأنه شوه كتبه الرائعة الدقيقة وأفسدها بكرهه للإسلام ونبي الإسلام، فعند هذا العالم اليسوعي أن الحديث إذا وافق القرآن كان منقولاً عن القرآن فلا أدري كيف يمكن تأليف التاريخ إذا اقتضى تطابق الدليلين تهادمهما بحكم الضرورة، بدلاً من أن يؤيد أحدهما الآخر؟.”[xxi]

وقام بعضها على التأثيرات البيئية المعاصرة وعلى الوقائع التاريخية، ومما يذكر في هذا المجال اتهام المستشرقين للدعوة الإسلامية بأنها لم تكن دعوة عالمية، ولكنها كانت اقليمية خاصة بالعرب، ثم حوّلها الرسول محمد (ص) إلى عالمية، فقد قال السير وليم موير: “إن فكرة عالمية الرسالة قد جاءت فيما بعد. وإن هذه الفكرة على الرغم من كثرة الآيات والأحاديث التي تؤيدها، لم يفكر فيها محمد نفسه. وعلى فرض أنه فكر فيها فقد كانت الفكرة غامضة فإن عالمه الذي كان يفكر فيه، إنما كان بلاد العرب، كما أن هذا الدين الجديد لم يهيأ إلا لها. وأن محمداً لم يوجه دعوته منذ بعث إلى أن مات إلا للعرب دون غيرهم وهكذا نرى أن نواة عالمية الإسلام قد غرست ولكنها إذا كانت قد اختصرت ونمت بعد ذلك فإنما يرجع ذلك إلى الظروف والأحوال أكثر منه إلى الخطط والمناهج.”[xxii]

ثم إن كثيراً من المستشرقين ردوا معطيات السيرة إلى أصول مسيحية أو يهودية، ويمكن أن نستشهد بما قاله بروكلمان، فنتحدث عن الصراع بينه وبين اليهود، فقال: “لم يطل العهد بمحمد حتى شجر النزاع بينه وبين أحبار اليهود. فالواقع أنهم على الرغم مما تم لهم من علم هزيل في تلك البقعة النائية كانوا يفوقون النبي الأمي في المعلومات الوضعية وفي حدّة الإدراك” ونقرأ “كان على محمد أن يعوض خسارة أحد التي أصابت مجده العسكري، من طريق آخر، ففكر في القضاء على اليهود، فهاجم بني النضير لسبب واه” ويضرب فلها وزن على الوتر نفسه فيقول: “لم يبقى الإسلام على تسامحه بعد بدر بل شرع في الأخذ بسياسة إرهاب في داخل المدينة. وكانت إثارة مشكلة المنافقين علامة على ذلك التحول.. أما اليهود فقد حاول أن يظهرهم بمظهر المعتدين الناكثين للعهد، وفي غضون سنوات قليلة أخرج كل الجماعات أو قضى عليها في الواحات المحيطة بالمدينة حيث كانوا جماعات متماسكة كالقبائل العربية، وقد التمس لذلك أسباباً واهية.”[xxiii]

ثانياً: أسباب سلبيات الاستشراق:

جاءت سلبيات الاستشراق وابتعاد المستشرقين عن الموضوعية والعلمية في كثير من الأحيان لعدة أسباب:

الأول: ارتباط بعض المستشرقين بالكنيسة، وتعبيرهم عن وجهة نظرها، وربما كان هذا أكثر وضوحاً في القرون المتوسطة، حيث كان رجال الدين المسيحيين هم الذين يقومون بترجمة القرآن الكريم، ويقومون بترجمة بعض الكتب الإسلامية، ويتابعون شؤون المشرق، ثم يقومون بالدفاع عن الدين المسيحي في مواجهة الإسلام، وبالهجوم على الإسلام ومعتقداته ومن هؤلاء: البير الكبير الألماني (1206-1280م) ورايموند مارتيني (1230-1284) وقد تعلم اللغة العربية وأتقنها واهتم بدراسة القرآن الكريم وصحيحي البخاري ومسلم، ثم رايموند لول (1235-1314) الذي تعلم اللغة العربية على يد أسير في جزيرة ميورقي  بأسبانيا واستمر على ذلك لمدة تسع سنوات. واستمرت الأمور على هذا المنوال إلى العصر الحديث، وقيام هؤلاء الرهبان ورجال الدين بالتبشير في مختلف أنحاء العالم الإسلامي.

الثاني: ارتباط بعض المستشرقين بالدوائر الاستعمارية.

أوضح مثال على ذلك إنشاء حكومة الثورة الفرنسية مدرسة اللغات الشرقية بباريس 1795م، وكان ناظرها سلفستر دي ساسي وعلى يديه تعلم كبار المستشرقين الاستعماريين في أوروبا، وكان في تلاميذه نخبة كبيرة صاحبت نابليون في احتلال مصر عسكرياً من جانب قوات نابليون 1798م، واحتلال الشام 1799م.

ثم اهتموا بدراسة اللغات المحلية، واللهجات الدارجة فأسسوا مدارس نابولي والنمسا وموسكو وبريطانيا، ثم ألفوا أطلس لغوي عن لهجات الوطن العربي من تأليف برجستراشر بعنوان أطلس لهجات سورية وفلسطين طبع في ليبزج 1915م.

وهناك سلسلة طويلة من أسماء المستشرقين المرتبطين بالدوائر الاستعمارية على مدار القرنين التاسع عشر والعشرين، ويمكن أن نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: ماسينيون الذي عمل مستشاراً للإدارة الاستعمارية في الشؤون الإسلامية، ودي ساس الذي ترجم بيان الغزو الفرنسي للجزائر عام 1830، وكان يؤخذ رأيه من قبل وزيري الخارجية والحربية الفرنسيين، ولورنس الذي عمل مستشار للملك فيصل بي الحسين أثناء الحرب العالمية الأولى، وبرنارد لويس الذي يوجه الإدارة الأمريكية في الشؤون العربية إلخ…..

الثالث: الاعتقاد بمركزية أوروبا وتفوق الحضارة الغربية:

انعكست المقولة السابقة على الاستشراق فاعتقد المستشرقون بأن حضارتهم هي الحضارة الأرقى في تاريخ البشرية، وأنها الحضارة الأمثل، وأنها هي التي يجب أن تسود.

الرابع:الاعتقاد بتفوق العرق الأبيض:

اعتقد المستشرقون بأن العرق الأبيض هو العرق الأرقى تجاوباً مع المقولات العرقية السائدة آنذاك، والتي كانت ترى الاستعمار رسالة واجبة لصالح الشعوب المستعمَرة، وأن المستعمرين يحققون الإرادة الإلهية في استعمار آسيا وأفريقيا وإدخالهما عالم الحضارة.

الخامس: الاعتقاد بأن اللغات الأوروبية أرقى من اللغات السامية:

انتشرت نظريات في القرن التاسع عشر تحدثت عن تفوق اللغات الآرية على اللغات السامية، وانتقلت هذه العدوى إلى المستشرقين فقالوا بما قالت به النظريات المعاصرة لهم.

وقد تحدث إدوارد سعيد عن تضافر العوامل السابقة في خلق جو ثقافي استعلائي خدمه المستشرقون، فقال: “ففي ثقافة أواخر القرن التاسع عشر كانت النظرية العرقية بكلمات ليونيل تريلينغ، وقد نشطتها وحفزتها القومية الصاعدة والامبريالية المتوسعة، وأيدتها العلوم المتمثلة بصورة سيئة تكاد تكون غير متنازع عليها. وكانت النظرية العرقية ، والأفكار الشائعة حول الأصول البدائية والتصنيفات البدائية، والانحلال الحديث، وتقدم الحضارة، ومصير العروق البيضاء أو الآرية والحاجة إلى أرض مستعمرة، كانت هذه جميعاً عناصر في المزيج الغريب من العلوم والسياسة، والثقافة الذي كان نزوعه، دون استثناء تقريباً، نزوعاً إلى رفع أوروبا، أو عرق أوروبي ما، إلى مرتبة السيادة فوق القسم غير الأوروبي من بني البشر.”[xxiv]

ثم ذكر الكتب والعلماء الذين أصلوا ونظّروا للأفكار العرقية الاستعلائية في الاستشراق فقال: “فإن ملاحظة حول ما كان الشرقيون قادرين أو غير قادرين على القيام به كانت مؤيدة بحقائق علم حياتية كتلك التي أفصح عنها بي.تشارلس ميشيل في مقالته ( نظرة علم حياتية في سياستنا الخارجية (1896)، وتوماس هنري هكسلي في كتابه الصراع من أجل الوجود في المجتمع الإنساني (1888)، وبنجمن كد في كتابه الارتقاء الاجتماعي (1894)، وجون ب.كروزيير في تاريخ التطور الفكري على نسق الارتقاء الحديث (1897-1901)، وتشارلس هارفي في التركيب الحيواتي للسياسة البريطانية (1904)، وقد افترض أنه إذا كانت اللغات من الاختلاف فيما بينها بالقدر الذي وصفه اللغويون، فإن مستخدمي اللغات –عقولهم، وثقافاتهم، وطاقاتهم الكامنة، بل حتى أجسامهم- كانت مختلفة بطرق مشابهة. وكان وراء هذه التمييزات قوة الحقيقة الوجودية (الانطولوجية) التجريبية بالإضافة إلى البرهان المقنع على مثل هذه الحقيقة في دراسات الأصول، والتطور، والشخصية، والمصير.”[xxv]

وقد أكد الكلام السابق (جورج كوفيير) الذي كتب عام 1800 أي بعد سنوات قليلة من الثورة الفرنسية بياناً توجيهياً للبعثات الفرنسية المزمعة التوغل في البلاد الشرقية رسالة عن “اللامساواة بين الأعراق البشرية” وذكر فيها أن سلوك أبناء الشعوب وحضارتهم تتوقف على شكلهم التشريحي، وقسم العالم إلى عرق أبيض وأصفر وأسود، وأعطى الأعراق المختلفة درجات من الحضارة حسب هذا التسلسل اللوني، ونقل كوفيير رسالته هذه في التمييز العنصري من ميدان الدين (اليهودي) والتقاليد القبلية إلى ميدان العلم، ورسم الارتباط بين الأعراق، والسعي الاستعماري للغرب، وكأنه حتمية حضارية يحملها الغرب على عاتقه لتحضير الشعوب الأخرى.

ثالثاً: نماذج من إيجابيات الاستشراق:

تبرز إيجابيات الاستشراق كلما ابتعدنا عن الدين الإسلامي ورسوله وقرآنه وحديثه وفقهه إلخ….، وهناك عدة مجالات برزت فيها هذه الإيجابيات منها المعاجم, والاقتصاد، والعمارة, والفن إلخ…, وسنستعرض بعضها، وهي:

1-المعاجم والفهارس، وحفظ المخطوطات وتحقيقها:

لقد عمل المستشرقون منذ فترة مبكرة على عمل المعاجم التي تسهل تعاملهم مع التراث، ومن أبرز هذه المعاجم التي عملوها والتي سنتحدث عنها على سبيل المثال لا الحصر، من أبرزها:

  • المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم:

كان معجم “نجوم الفرقان في أطراف القرآن” لمؤلفه المستشرق الألماني فلوجل والذي طبع لأول مرة عام 1842م، خير ما ألّف في هذا الفن وأكثره استيعاباً دون منازع حسب إقرار محمد عبد الباقي، الذي جعل معجم فلوجل أساساً لمعجمه الذي وضعه، بعد أن راجع معجم فلوجل مادة مادة، والذي طبع لأول مرة في أربعينيات القرن العشرين أي بعد مائة سنة من طباعة معجم فلوجل، والذي استفاد منه استفادة عظيمة.

  • مفتاح كنوز السنة:

وهو معجم يجدول الأحاديث حول مضامين الحديث، ويدلّك على ما ورد فيها من كل موضوع بمراجعة أخص كلمة تدل على أصل الموضوع، ثم ما يليها من فروعه.

وقد ألفه المستشرق الهولندي فنسنك وترجم إلى العربية من الانكليزية واعتبر محمد رشيد رضا وهو المتخصص في السنة النبوية أنه لا يستغني عنه أعلم علماء الحديث، وذكر أنه لو وجد بين يديه مثل هذا المفتاح لوفّر عليه ثلاثة أرباع عمره الذي أنفقه في المراجعة، وقد قال مثل ذلك العلامة أحمد شاكر في مقدمته –أيضاً- للكتاب، والمفتاح يفهرس مضمون أحاديث أربعة عشر كتاباً وهي: صحيحا البخاري ومسلم وسنن أبي داوود والترمذي والنسائي وابن ماجة والدارمي، وموطأ مالك، ومسند زيد بي علي وطبقات ابن سعد ومسند أحمد بن حنبل، ومسند الطيالسي، وسيرة ابن هشام، ومغازي الواقدي.

ج-المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي:

بفهرس لكل ألفاظ الحديث في كل أحاديث الصحاح والسنن والمسانيد، وهو من أضخم المعاجم في مجال كتب الأحاديث، وهو للمستشرق الألماني فنسنك، وقد طبع لأول مرة في مكتبة بريل عام 1936.

د-جمع المخطوطات وأوراق البردي:

جمعت آلاف المخطوطات من العالم الإسلامي، وحُفظت في مكتبات مدن أوروبا كباريس ولندن إلخ….، كما حفظت أوراق البردي المنقولة من مصر وغيرها، وعقد مؤتمران عالميان في نهاية القرن التاسع عشر عن هذه المخطوطات والأوراق في برلين في ألمانيا، كما يعتبر كارل بروكمان وتلميذه فؤاد سركيين من أبرز المستشرقين الذين جمعوا المخطوطات وفهرسوها.

2-دراسات في المجال الاقتصادي:

قد كانت دراسات بعض المستشرقين نحو الاقتصاد الإسلامي علمية وموضوعية ذات فائدة، فقد ألقت أضواء على جوانب خفية من اقتصادنا، ويمكن أن نأخذ كتابين كنموذج لهذه الدراسات: الأول: كتاب (الإسلام والرأسمالية) الذي ألفه مكسيم رودنسون، ودرس فيه السبب في عدم نشوء الرأسمالية كتطور اقتصادي في العالم الإسلامي، وعلل ذلك بعوامل داخلية للنظام الاقتصادي الإسلامي، ومنها: نظام المواريث الذي يفتت الثروة من جهة، وإلى تحريم الربا من جهة ثانية. والثاني: (الحرفيون والتجار في القاهرة في القرن الثامن عشر) للمؤلف أندريه سيمون الذي أنفق ما يزيد من نصف القرن من عمره في البحث عن تاريخ ذلك العصر، ومما يلفت النظر الجهد الكبير الذي بذله المؤلف في جمع مادة الكتاب من مختلف الأرشيفات والمكتبات، ومما يلفت النظر –أيضاً- هو استكشاف جانب غامض من تاريخ مصر من خلال دراسة البناء الاقتصادي.

3-دراسات في مجال العمارة:

بينت دراسات المستشرقين شخصية العمارة في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، وبينت ميزات كل بلد إسلامي، فهناك العمارة الهندية (العصر الإسلامي) للمؤلف ب. براون، (العمارة الفارسية) للمؤلف أ. يو. بوب، العمارة التركية للمؤلف ب. أتسال، تاريخ العمارة في أذربيجان للمؤلف م. أومينو وآخرون، فن البناء الإسلامي في مصر للمؤلف د. براندبيرغ، العمارة الإسلامية الأولى للمؤلف ل. أ. سي. رويزويل، الروضة التيمورية في جازرجا للمؤلف ل غولومبك، المسجد الأموي في المدينة جان سوفاجيه، عمارة إيران الإسلامية في العصر الإيلخاني د. ويير.

4-الفنون والتصوير والزخارف:

تحدث المستشرقون عن مواضيع دقيقة من مثل الفن الإسلامي، والناحية الجمالية، ووحدتها في كل المجالات، وتحدثوا عن الزخارف التي اعتمدت التقسيم الهندسي الذي يقوم على وحدات اتخذت أشكالاً نجمية، ثم طورت هذا الأسلوب فاتخذت أشكالاً زهرية على هيئة غصون الشجر تغطي بها مسطحات كالبسط وصفحات المخطوطات والأبواب وجوانب المنابر وما إلى ذلك.

وكانت هذه الدراسات علمية وموضوعية في أغلب الأحيان، ويمكن أن نشير إلى بعضها: التصوير العربي للمألف ريتشارد إتنجهاوزن، فن الإسلام (الفنون والطراز والأساليب الفنية) للمألف جورج مارسيه، ملاحظات عن شخصية الفن الإسلامي للمألف م. أجا. أوجلو، روح الفن الإسلامي للمألف سي. ج. لام، طرائق العمل الفني عند الشعوب الإسلامية للمألف لوي ماسينيون.


[i] الاستشراق والاستشراق معكوسا, صادق جلال العظم, 1981, ص 9

[ii] المستقبل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، 1983، ص34

[iii] مجلة (ديوجين)، العدد 50، 1965.

[iv] د. حمدي زقزوق، الاستشراق، ص(35)

[v] هوبرت غريمي، محمد

[vi] جب، المذهب المحمدي، ص (27)

[vii] جوستاف لوبون، حضارة العرب ترجمة أكرم زعيتر، (ط. بيروت 1399)، ص(141-145)

[viii] جولدتزيهر، العقيدة والشريعة في الإسلام، ترجمة يوسف موسى، (ط.مصر 1948)، ص(12)

[ix] بلاشير، معضلة محمد، باريس 1960، ص(60)

[x] جولدتزيهر، مذاهب التفسير الإسلامي، ص(4)

[xi] شاخت، المدخل إلى الفقه الإسلامي، ص(19)

[xii] المصدر نفسه، ص(34)

[xiii] المصدر نفسه، ص(32)

[xiv] المصدر نفسه، ص(34)

[xv] المصدر نفسه، ص(35-36)

[xvi] شاخت، أصول الشريعة الإسلامية، ص(163-164)

[xvii] المصدر نفسه، ص(163-164)

[xviii] عن النصوص السابقة انظر محمد البيهي الفكر الإسلامي الحديث وصفة الاستعمار الغربي ص(507-521)، عمر فروخ ومصطفى الخالدي، التبشير والاستعمار في البلاد العربية(16-14)

[xix] عن النصوص السابقة انظر محمد البيهي الفكر الإسلامي الحديث وصفة الاستعمار الغربي ص(507-521)، عمر فروخ ومصطفى الخالدي، التبشير والاستعمار في البلاد العربية(16-14)

[xx] عن النصوص السابقة انظر محمد البيهي الفكر الإسلامي الحديث وصفة الاستعمار الغربي ص(507-521)، عمر فروخ ومصطفى الخالدي، التبشير والاستعمار في البلاد العربية(16-14)

[xxi] أميل درمنغهم، حياة محمد، المقدمة ص(8-11)

[xxii] وليم مور، الخلافة، ص(43-44)

[xxiii] يوليوس فلهاوزن، تاريخ الدولة العربية، ص(15-16)

[xxiv] ادوارد سعيد، الاستشراق، ترجمة كمال أبو ديب، ط.4 بيروت، ص(240)

[xxv] المصدر نفسه، ص(241)

المصادر والمراجع

1-صادق جلال العظم، الاستشراق والاستشراق معكوساً، 1981.

2-جوستان لوبون، حضارة العرب، ترجمة أكرم زعيتر، بيروت 1993.

3-جولدتزيهر: أ-العقيدة والشريعة في الإسلام، ترجمة يوسف موسى، مصر 1948.

ب-مذاهب التفسير الإسلامي.

4-بلاشير، معضلة محمد، باريس 1960.

5-شاخت: أ-المدخل إلى الفقه الإسلامي.

ب-أصول الشريعة المحمدية.

6-محمد البهي، الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي، الطبعة الخامسة، دار الفكر ببيروت.

7-عمر فروخ ومصطفى الخالدي، التبشير والاستعمار في البلاد العربية، المكتبة العصرية، بيروت 1970.

8-وليم مور، الخلافة: الصعود والسقوط، لندن 1891.

9-ادوارد سعيد، الاستشراق، ترجمة كمال أبو ديب، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت 1994.

10-محمد فؤاد عبد الباقي، المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، مؤسسة جمال، بيروت.

11-فنسنك، مفتاح كنوز السنة، ترجمة محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت 1983.

12-أندريه ريمون، الحرفيون والتجار في القاهرة في القرن الثامن عشر، ترجمة ناصر أحمد إبراهيم وباقر جمال الدين، مراجعة رؤوف عباس، إصدار المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2005.

13-فلهاوزن، تاريخ الدولة العربية، ترجمة محمد عبد الهادي أبو ريدة، ط2 لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، 1968.

14-مونتغمري وات، محمد في مكة، ترجمة شعبان بركات، المكتبة العصرية، بيروت.

15-أميل درمنغم، حياة محمد، ترجمة عادل زعيتر، الطبعة الثانية، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة 1949.

16-كارل بروكلمان، تاريخ الشعوب الإسلامية، ترجمة فارس والبعلبكي، الطبعة الخامسة، دار العلم للملايين، بيروت 1968.

اترك رد