tawbahlike@hotmail.com +(00) 123-345-11

رسالة مفتوحة إلى الفلسطينيين في سورية

رسالة مفتوحة إلى الفلسطينيين في سورية

أبدأ رسالتي إليكم -إخواني فلسطينيي سوريا- بأن أترحم على شهداء فلسطين في مخيم الرمل في اللاذقية، ومخيم اللاجئين في درعا، ومخيم العودة في حمص، ومخيم النيرب في حلب، ومخيم اليرموك في دمشق، وبأن أدعو بالشفاء العاجل لجميع الجرحى.

إخواني فلسطينيي سوريا: من الواضح أن هناك معركة حامية الوطيس تدور رحاها بين الشعب السوري وبين نظام البعث، وتنطلق أصوات بين وقت وآخر تدعوكم إلى الوقوف على الحياد في هذه المعركة، وتدعي أنه لا ناقة لكم ولا جمل في هذه المعركة. وليس من شك بأن هذه الأصوات تدعوكم إلى الوقوع في الخطأ وإلى ارتكاب الخطيئة، وذلك لعدة أسباب:

أولها: أن هذه المعركة قائمة بين الحق والباطل، بين الخير والشر، بين الحرية والاستبداد، بين الصلاح والفساد، وليس من شك بأنه ليس هناك حياد بين هذه الثنائيات، فأنتم مع الحق والخير والحرية والصلاح، وأنتم ضد الباطل والشر والاستبداد والفساد والسرقة والنهب.

ثانيها: أن إخوانكم السوريين ليسوا غرباء عنكم، بل أنتم وإياهم أبناء أمة واحدة، تجتمعون على لغة واحدة وتاريخ واحد، وتشتركون في ثقافة واحدة، وتتطلعون إلى آمال واحدة، وتلتقون في بناء نفسي وعقلي واحد, وهذا يعني أن معركة سوريا هي جزء من معركة الأمة التي نلتقي سوياً على صعيدها, وهذا يستلزم مساعدتنا للثورة ووقوفنا إلى جانب الثوار.

ثالثها: أن استخذاء النظام السوري أمام إسرائيل من جهة، وغياب الخطوات الجدية في استرجاع الجولان المحتل منذ عام 1967 من جهة ثانية، وهدوء الحدود مع إسرائيل لمدة تزيد على أربعين عاماً من جهة ثالثة، كانت عوامل من أجلها ثار الشعب السوري، لذلك فإن انتصار الثورة يشكل انتصاراً لثورة فلسطين وشعب فلسطين.

من الجلي أن أعداءنا عندما حللوا واقعنا وجدوا أن قوتنا تأتي من وجود أمة واحدة تحتل أرضا واسعة في بلاد الشام والعراق والجزيرة العربية ووادي النيل، لذلك عملوا على تقسيم هذه البلاد، وكان تقسيم سايكس بيكو بعد الحرب العالمية الأولى هو الثمرة الأولى لهذا المخطط، ولكن الأعداء لم يستطيعوا أن يجعلوا هذه الحدود حواجز بين أبناء الأمة الواحدة، وبقي أفراد هذه الأمة متواصلين رغم الحدود المصطنعة، لذلك فإن القضية الفلسطينية في ثورة عام 1936 استقطبت مجاهدين من سوريا ومن لبنان ومن العراق، وكانت قيادة عز الدين القسام -وهو من سوريا- حركة جهادية مسلحة عام 1935 واستشهاده على ثرى فلسطين أكبر دليل على تجاوز أبناء الأمة لكل الحدود المصطنعة، وقيامهم بالواجب المطلوب منهم دون اعتبار لهذه الحدود المصطنعة.

وقد جاءت قيادة الحاج أمين الحسيني للقضية الفلسطينية في منتصف الثلاثينيات، وهي القيادة التي تلت قيادة القسام سائرة على نفس المنهج، فلم يكن يقيم وزنا لهذه الحدود المصطنعة، وكان يساهم في كل الأحداث المحيطة، ويضع ثقل فلسطين في كل قضايا أمته حسبما يتطلب الموقف، ومن الوقائع البارزة في هذا المجال، والتي تؤكد ما نذهب إليه، مساهمته مع رشيد عالي الكيلاني في عام 1942 في عمل انقلاب على الحكم الهاشمي في العراق، من خلال التعاون مع دول المحور وأبرزها ألمانيا، واضطراره إلى الهرب من العراق والفرار عبر تركيا إلى ألمانيا عندما فشل الانقلاب.

ومن الجدير بالملاحظة أن حركة فتح التي أنشأها ياسر عرفات عام 1964 هي أول حركة فلسطينية، وربما أول حركة عربية قامت على الوطنية الصرفة ودون أي محتوى أيديولوجي مع أن المنطقة كانت تعج بالتوجهات الإسلامية والقومية والاشتراكية والشيوعية، وقامت على مبدأ الحياد بين الحكام والشعوب وأكملت ذلك بأن جعلت القضية الفلسطينية خاصة بالفلسطينيين وليست قضية عربية إسلامية، وقد جاء ذلك بعد هزيمة الأنظمة القومية العربية أمام إسرائيل عام 1967 واحتلال إسرائيل لسيناء من مصر، وللضفة الغربية من الأردن، والجولان من سوريا، فأرادت تلك الأنظمة القومية العربية المهزومة أن تغطي جانبا من عجزها وفشلها فأبرزت حركة فتح بعد معركة الكرامة في ربيع عام 1968 في غور الأردن في الإعلام، ودعمتها بالمال والسلاح من أجل أن تمتص جانبا من نقمة الشعوب العربية عليها جراء هزيمتها المنكرة.

وقد قبلت حركة فتح أن تلعب هذا الدور نتيجة فراغها الأيديولوجي من جهة، ونتيجة وقوفها على الحياد بين الحكام والشعوب من جهة ثانية، وكانت نتيجة ذلك أن حركة فتح لم تستطع أن تحرز تقدما حقيقيا للقضية الفلسطينية، وذلك بسبب تلك الأخطاء التي سبقت الإشارة إليها.

ثم تبعت بعض الحركات الإسلامية -للأسف- حركة فتح في تكرار الخطأ نفسه، وهو الحياد بالنسبة للأوضاع الداخلية للأنظمة العربية، وهو يعني السكوت على فساد الحكومات واستبدادها وظلمها وتقصيرها وسرقتها وخيانتها وخطأ منهجها الاقتصادي والسياسي. وقد بدأت حركة الجهاد الإسلامي بذلك المنهج، وتبعتها حركة حماس بصورة أقل.

لقد ثبت خطأ ذلك المنهج الذي بدأته فتح، وهو تجاهل الأوضاع الداخلية للدول العربية، والسكوت عن الخطأ والفساد والاستبداد الذي فيها، فنحن أبناء أمة واحدة مع إخواننا في سوريا ومصر وتونس ولبنان, وإن كل خير وصلاح وعدل وصواب يحصلون عليه هو خير وصلاح وعدل وصواب نحصل عليه ويدفع قضيتنا إلى الأمام، وإن كل شر وفساد وظلم وباطل يقع عليهم هو شر وفساد وظلم وباطل يقع علينا ويدفع قضيتنا إلى الوراء. لذلك فعلينا أن نقلع عن منهج السكوت عن المظالم والفساد والاستبداد الذي يصيب إخواننا إلى الأبد، ولنساهم معهم في اقتلاع هذا الظلم والفساد والاستبداد، فينعكس ذلك علينا جميعا حرية ونورا وضياءً وعدلاً.

من أخطر الأمور التي واجهت أمتنا في المرحلة الماضية بروز التوجهات القطرية ورسوخها في حياتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية, وكان التخطيط لهذه التوجهات القطرية من أجل أن تصبح هذه الحدود المصطنعة نهائية بين أمتنا الموحدة، وتتحول هذه الأمة الواحدة إلى أمم: فتكون هناك أمة أردنية، وهناك أمة فلسطينية، وهناك أمة لبنانية، وهناك أمة سوريا، وهناك أمة كويتية.. إلخ.

وقد أصابت شرور القطرية القضيتين: الفلسطينية والسورية، أما القضية الفلسطينية فقد أضعفها تحولها إلى قضية فلسطينية تخص الفلسطينيين، وهو ما بدأت به فتح، فجعل انتصارها صعبا إن لم يكن مستحيلا على العدو الصهيوني، لذلك يجب أن يسعى جميع المخلصين إلى أن تكون قضية فلسطين قضية الأمة -مرة ثانية- كما كانت في السابق منذ القرن التاسع عشر، وعليهم أن يفعّلوا كل الأدوات والمناهج التي تحقق ذلك.

أما الثورة السورية فقد أصابتها شرور القُطرية، بأن استفرد النظام السوري المجرم بالشعب السوري فأعمل فيه آلته العسكرية والأمنية قتلا وتدميرا وتشريدا, وقد رافق ذلك سكوت دولي وعربي على هذه الجرائم بسبب تغليب المصالح على المبادئ في هذه المواقف، فلم يبق أمام الشعب السوري إلا أن يعود إلى حضن أمته، وتعود أمته إليه وتنجده وتمده بكل أنواع العون، وهذا ما يجب أن يتحقق، وسيكون ذلك بداية الانعتاق من القطرية وشرورها على مستوى الثورة السورية وثورات الأمة  القادمة. 

Lorem Ipsum

اترك رد