حقيقة التوحيد وجوهره
تتصف علاقة الإنسان الفطرية بالإله الذي يعبده بأنها علاقة توجّه نفسي في جوهرها: يرجو ذلك الإله ويخاف غضبه، ويخضع له، ويحبّه، ويثق فيه، ويؤكّد ذلك الاشتقاق اللغوي لكلمة الإله التي تعني في بعض معانيها: الإجارة والشوق، والتعلّق، والسكون، ويؤكّده أيضاً تاريخ علاقة الشعوب بآلهتها.
وقد تعبّدنا الله تعالى في دين الإسلام بشعائر كثيرة لكنّ جوهر عبادته تعالى يبقى واحداً مهما اختلفت: من صلاة وصيام وحجّ إلخ…، وهذا الجوهر هو تأليهه تعالى، ويشمل التأليه تعظيمه تعالى، والخضوع له، وخوفه، ورجاءه، وحبّه، والثقة فيه.
وقد أشارت الآيات القرآنية إلى هذه المعاني عند الحديث عن العبادات مما يؤكّد أنها اللبّ المقصود منها، والجوهر المستهدف فيها، فقد أناط الله فلاح المؤمن بالخشوع في صلاته، فقال تعالى: “قد أفلح المؤمنون . الذين هم في صلاتهم خاشعون” (المؤمنون،1-2).
فمتى يحدث الخشوع ؟
يحدث عندما يكون هناك تعظيم له تعالى، أو خوف منه، أو رجاء فيه، أو حب له، أو ثقة فيه، أو عندما تكون هذه المعاني جميعها، إذن هناك دعوة قرآنية إلى هذه المعاني التي تؤدّي إلى الفلاح.
وقد بيّن الله تعالى لنا في آية أخرى الحالة التي تكون الصلاة فيها ثقيلة على العبد وذلك عندما لا يكون هناك خشوع، ولكنها تكون غير ثقيلة ومحببة إلى النفس التي تؤمن بلقاء الله وحسابه وهذا اليقين يأتي عندما يكون هناك تعظيم لله وحده، أو خضوع له وحده، أو خوف منه وحده، أو رجاء فيه وحده، أو حب له أكثر من كل محبوبات الدنيا، أو ثقة فيه أكثر من كل أسباب الدنيا، قال تعالى: “واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين . الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم أنهم إليه راجعون” (البقرة،45-46).
وقد صرّحت الآية التي أمرت بأخذ الزكاة من المسلمين أنّ القصد من ذلك هو التوصّل إلى تطهير المسلمين وتزكيتهم والمقصود بذلك جعلهم يعظمون الله عوضاً عن المال، يقول تعالى: “خُذ من أموالهم صدقة تطهرهم بها وتزكيهم وصلّ عليهم إنّ صلاتك سكن لهم والله سميع عليم” (التوبة،103).
وقد صرّحت الآية التي تحدّثت عن فرض الصوم على العباد بأن الله فرضه أياماً معدودات لعل خوف الله ينمو في قلوب العباد، يقول تعالى: “يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون” (البقرة،183).
وقد صرّحت بعض الآيات إلى أن الهدف من أحد أعمال الحج وهو الذبح توليد التقوى والخوف في قلوب العباد من الله، لأنّ الله لن يصل إليه شيء من لحوم الأضاحي ودمائها، ولكن تصله التقوى التي تتمثّل في الخوف منه تعالى: “وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ . لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ” (الحج،36-37)
إذن أبانت الآيات السابقة عن جوانب من تأليه الله تعالى التي ترافق بعض العبادات أو تنتج عنها مثل التقوى، والخشوع.
أمّا حقيقة تأليه الله تعالى وجوهره فيتركّز في المعاني التالية:
تعظيمه تعالى، والخضوع له، وخوفه، ورجاءه، وحبه، والثقة فيه.
وسنتكلّم عن كل معنى من المعاني السابقة إن شاء الله في المرات القادمة
… يتبع