انتقلت أمتنا من كارثة إلى أخرى خلال القرن الماضي، و جرى التركيز على الأشخاص، و على جوانب من أسلوبهم في الحكم. كالاستبداد و الانفراد و الاستئثار بالأموال الخ…، و ليس من شك بأن مثل هذه التصرفات ذات نتائج سيئة و معيقة لمسيرة الأمة، و لكن الأسوأ و الأكثر تدميرا هي المناهج التي حكم بها أولئك الحكام من أمثال: القومية العربية و الاشتراكية الماركسية ألخ…
مرت ثلاث سنوات على الغزو الاميركي للعراق، وكان الاحتلال سريعاً، فلم يستغرق سقوط النظام العراقي سوى ثلاثة أسابيع تقريباً، وقد صدرت دراسات متعددة حول وقائع الحرب، وعللت أسباب انهيار النظام السريع، وفسرت ذلك بأنها ديكتاتورية صدام حسين، وانفراده بالقرار والقيادة، وأبرزت عبادة الفرد في النظام العراقي، وربطت ذلك بتاريخ الاستبداد في المنطقة إلخ…
وكل ما قيل في هذا المجال صحيح، لكن هذا التحليل لا يضع يدنا على الحقيقة الكاملة، إذ أنه يغيب دور المنهج في إحداث الكارثة، وعلى العكس فإن دور المنهج أكبر بكثير من دور الشخص في تكوين الأحداث وصياغتها وتوجيهها وإعطائها حجمها النهائي، وفي حال حديثنا عن النظام العراقي تبرز الفكرة القومية العربية التي كانت هي المنهج الذي استند إليه صدام حسين، والذي استمد منه برنامجه في العمل، والذي أخذ منه رؤاه في التعامل مع الواقع وفي صياغة القوانين والمواقف السياسية والاجماعية والاقتصادية.
لكننا نجد أن الدراسات التي تحدثت عن الكارثة أبرزت دور الشخص، وغيبت دور المنهج في وقوع الكارثة، أو قل بصورة أدق لم تتحدث عن دور المنهج في المستوى نفسه، وكان الأجدر والأصح هو التركيز على المنهج، ومعرفة دوره وأثره في وقوع الكارثة، وفي هذه الحال يفترض أن تتم مساءلة القومية العربية، وفحص مضمونها، وإجلاء نواحي القصور فيها، وتوضيح جوانب الخلل فيها.
وقبل ذلك وقعت النكسة عام 1967، وبعد وقوعها دار جدل حول ديكتاتورية جمال عبد الناصر، وحول نزعته الفردية، وهو حق، ولم يجر حديث بالمستوى نفسه عن دور المنهج الذي زاوج بين القومية العربية والاشتراكية في إحداث النكسة، ولم يجر تحليل معمق وشامل لهذا الدور.
وقبل النكسة وقعت النكبة عام 1948، عندها جرى الحديث عن الأنظمة الملكية المستبدة، والحكام الفاسدين، والديكتاتورية المتخفية بالشكليات الديمقراطية، لم يجر حديث عن دور المنهج في إحداث النكبة، ولو حدث ذلك، وتمت المراجعة لمضمون القومية العربية، وتم تعطيل محتواها مما يقود إليه التحليل العلمي والموضوعي لأمكن تجنب نكسة عام 1967، ولأمكن تجنب كارثة سقوط بغداد عام 2003، وذلك لأن المنهج المرتبط بالقومية العربية، هو المنهج الذي حكم المنطقة منذ مطلع القرن العشرين، ولم يحدث نظر جذري في قصوره، وعدم مناسبته لواقع الأمة، وهو المسؤول الأول عن كل تلك الكوارث، بل كان يحدث التهرب من هذه الكوارث بشخصنة الموضوع، وإلقاء التبعات على أفراد الحكام وذواتهم، وعلى نزعاتهم الفردية والديكتاتورية، وهذا صحيح، وهو جزء من الحقيقة، وليس الحقيقة كلها، إذ الحقيقة أن الخلل في المنهج الحاكم بالدرجة الأولى.
ليس من شك بأن المشكلة التي عانت منها الأمة هي قصور المناهج، سواء أكانت قومية أم اشتراكية، وعدم مناسبتها للواقع، وحتى الديكتاتوريات التي قامت وظهرت، هي على الأرجح ناتجة من قصور هذه المناهج، فلو أن المناهج سديدة ومحكمة لعالجت الواقع العلاج السليم، ولما أتاحت للديكتاتوريات أن تظهر، ولما أتاحت لشخص أن يلعب دوراً أكبر من حجمه.
Lorem Ipsum