المرأة المسلمة بين التغريب والصحوة الإسلامية

المرأة المسلمة بين التغريب والصحوة الإسلامية

من البديهي القول بأنّ الإسلام كرّم المرأة أيما تكريم، فصان حقوقها، ورفع شأنها، وحفظها بنتاً وأختاً وزوجاً وأمّاً، وقد تعدّدت الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة التي تتحدث عن تلك المعاني.

فقد أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بالنساء، فقال:

“رفقاً بالقوارير”.

وأجزل الإسلام الثواب لمن يحسن تربية اثنتين من بناته ووعده بالجنة، ووجّه الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابي الذي جاء يسأله: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: “أمّك”، ثم قال: من؟ قال: “أمّك”، ثم قال: من؟ قال: “أمّك”، ثم قال: من؟ قال: “أبوك”.

وقد أشار القرآن الكريم إلى عقد الزواج بعبارة الميثاق الغليظ فقال تعالى:

(وكيف تأخُذونهُ وقد أَفْضى بعضَكُم إلى بعضٍ وأَخَذْنَ منكم ميثاقاً غَليظاً) (النساء،21) إلخ…

وقد كانت نتيجة كل التعليمات الإلهية والأوامر النبوية والإشارات والتنبيهات الإسلامية أن قامت الحضارة الإسلامية على دعامتين اثنتين: الرجل والمرأة، ولولا قيامها المتوازن العادل على تانك الدعامتين لما استطاعت أن تعطي ذلك العطاء، وتبني ذلك البناء الذي استمر ثلاثة عشر قرناً.

ثم جاءت موجة الاستعمار والتغريب في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين هادفة أن تستغل خيرات وطننا، وتقتلع مجتمعنا من جذوره، وتلغي شخصية أمتنا، وكان ممن جاءت به تلك الموجة الادعاء البرّاق بوجوب تحرير المرأة، والمقصود إفسادها، وجعلها تتفلّت من كل قيم وأخلاق، وتنقلب على كل الفضائل والمثل، وزيّنت ذلك كتابات قاسم أمين وسلاّمة موسى ونوال السعداوي إلخ…، وساهمت في توسيع دائرة الفتنة الآداب الرخيصة والفنون الهابطة.

وقد توهّم المخططون لموجة الاستعمار والتغريب أنّ المرأة هي الرقم الضعيف في بناء أمتنا ومعادلة حضارتنا، وظنوا بأنّ استثارتها العاطفية تمكّنهم من حصد أوسع النتائج بأقل الجهود الممكنة، لكنّ الله تعالى خيّب ظنهم، لذلك عندما دعا العلماء والربّانيّون الأمة إلى التصدي لموجة الاستعمار والتغريب وجاءت الصحوة الإسلامية التي قلبت الطاولة على رأس المخططين، وجعلتهم يتفاجأون بها، ويندهشون منها، وكانت عودة المرأة إلى الحجاب أبرز حقائق الصحوة الإسلامية التي جعلتنا نوقن بأنّ الخير الكامن في هذه الأمة أكبر من مكرهم وكيدهم وإفسادهم.

والآن يعود الغرب إلى زعزعة شخصية الأمة، وتفكيك كيانها، ولكن من باب آخر هو الأمم المتحدة، فانعقدت مؤتمرات عن الأسرة والمرأة في القاهرة وبكين واستامبول خلال العقد الماضي، ودعت إلى تغييرات في التشريعات المتعلقة بالمرأة والأسرة بحجة العدل، ودعت إلى إطلاق الفوضى الجنسية بحجة الحرية.

ومع أنّ الصحوة الإسلامية قد أفشلت جانباً كبيراً من مخططات الغرب منذ مطلع القرن العشرين إزاء أمتنا وحضارتنا، إلا أنه مازال يراهن على المرأة من أجل تعميق التفكك والانهيار في أوضاعنا الاجتماعية ونموذجنا الحضاري، وقد أكّد ذلك المستشرق برنارد لويس أكبر المتخصصين في دراسات الشرق الأوسط في العصر الحديث عندما أبرز ذلك في مقال أخير له فأعلن إنّ الغرب يراهن على ثلاثة عوامل من أجل إحداث التغيير الكامل باتجاه الأمركة والتحديث في الشرق الأوسط هي: إسرائيل، تركيا، المرأة.

لقد علّمتنا التجارب التاريخية الماضية على أنّ نجاح أي تغيير في مجتمعنا المسلم مرهون بارتباطه بمنظومة القيم والمبادئ والمثل التي شرعها الإسلام، وأملنا كبير أن نضع هذه التجارب أمام أعيننا ونستفيد منها ونعمل على هداها في أي تغيير أو بناء نريد أن نقيمه أو أن نحدثه.

الغرب ما زال يصر على أن يستخدم المرأة المسلمة كسلاح رئيسي في إفساد مجتمعنا، والصحوة تصر على أنّ المرأة ستكون بوابة الإصلاح الشامل لأمتنا، وكما انتصرت الصحوة الإسلامية في الجولات الماضية ستنتصر بإذن الله في الجولات القادمة.  

مقال عن تطور خطاب دعاة التحرر في قضية المرأة المعاصرة

 

اترك رد