من المفترض أن يكون حزب البعث العربي الاشتراكي هو الذي قاد سوريا في نصف القرن الماضي منذ عام 1963 عندما قفز إلى الحكم في 8 مارس/آذار من ذاك العام، ومن المفترض أن يكون الفكر القومي الذي صاغه ميشيل عفلق ونقله عن القومية الألمانية التي تعتمد اللغة والتاريخ مقومين أساسيين في بناء الأمة، وأن يكون الفكر الاشتراكي الذي تأرجح بين الماركسية المادية حينا وبين الاشتراكية الاقتصادية حينا آخر، هو الذي طُبق، لكن المدقق في تطورات الأحداث يجد أن الحقيقة غير ذلك، فما الحقيقة إذن؟
الحقيقة أن اللجنة العسكرية التي تشكلت أثناء الوحدة بين مصر وسوريا من بعض عسكريي حزب البعث والتي بدأت بخمسة ضباط معظمهم علويون، هي التي قادت انقلاب البعث في 8 مارس/آذار 1963 إثر انقلاب 8 فبراير/شباط 1963 في العراق، وهي التي اختبأت وراء قيادة حزب البعث في البداية، ثم أبعدت الناصريين في يوليو/تموز 1963 من قيادة ثورة آذار، بعد أن هاجم الناصري جاسم علوان الإذاعة، وفشل في الانقلاب على البعثيين، وقام أمين الحافظ الذي كان وزيرا للداخلية آنذاك بحركة الإعدامات في عشرات المهاجمين للإذاعة.
ويمكن أن نعتبر أن هذا الإبعاد للناصريين هو أول إقصاء طائفي، لأن الناصريين كان معظمهم من السنة، وكانت طائفة السنة متوافقة مع الناصريين، ثم قامت هذه اللجنة العسكرية بتصفية الطوائف واحدة تلو الأخرى، فبدأت بإبعاد ميشيل عفلق عن قيادة البعث وأبعدت معه الطائفة المسيحية من الحزب، ثم أبعدت الطائفة الدرزية في عام 1966 عندما حاصرت جبل العرب واضطر سليم حاطوم ممثل الدروز في حزب البعث إلى الهرب إلى الأردن ثم تم إعدامه في عام 1967 بعد هزيمة يونيو/حزيران إثر القبض عليه في دمشق، ثم تغلبت اللجنة العسكرية على الطائفة الإسماعيلية عندما انتحر عبد الكريم الجندي، ثم انقلبت اللجنة العسكرية على أمين الحافظ الذي تولى رئاسة الدولة والذي كان آخر ممثل للسنة واعتقلته في ربيع عام 1967، ثم أفرجت عنه بعد نكسة 1967 لتبعده إلى بيروت، ثم لينتقل إلى العيش بقية حياته في بغداد في كنف نظام صدام حسين.
بعد أن تخلصت اللجنة العسكرية من الطوائف الأخرى: السنة أولا، والمسيحيون ثانيا، والدروز ثالثا، والإسماعيليون رابعا، أصبحت الطائفة العلوية سيدة المشهد السوري، لكن حافظ الأسد صفّى منافسيه في قيادة الطائفة، فقتل محمد عمران في طرابلس، وسجن صلاح جديد إلى أن مات في سجنه، وقد تم له ذلك بعد الحركة الانقلابية التي قام بها في نوفمبر/تشرين الثاني 1970، ثم اختزل حافظ الأسد الطائفة في أسرته، فأصبح هو وأخوته وأعمامه وأخواله حكام سوريا الفعليين، لذلك رتب الحكم على أن يرثه باسل الأسد، ورتب كل أمور الدولة حسب ذلك التصور، لكن وفاة باسل في حياة أبيه جعله يرتب أمور الحكم لابنه الآخر بشار، وكأن سوريا شركة أو مزرعة له، وقد تأكد في كل المفاوضات السرية التي أجراها حافظ الأسد مع أميركا وإسرائيل أنه كان يطرح بقاء حكم سوريا في عائلته مقابل تحقيق طلبات إسرائيل وأميركا.
فمن المؤكد أن سوريا انتقلت من حكم اللجنة العسكرية إلى حكم أسرة حافظ الأسد عام 1970، التي استغلّت الطائفة العلوية من أجل استمرار حكمها وسيطرتها على البلد، وقد استخدمت أسرة آل الأسد مع الطائفة مختلف الإغراءات والترهيبات من أجل تحقيق هذه الغاية، وأعطتها بعض الامتيازات التي كان يمكن أن تحصل عليها في كل الأحوال وفي كل العهود.
ومع ذلك فقد أبقى حافظ الأسد حزب البعث أداة علنية لحكم سوريا، وقد وضع مادة في الدستور تعتبر أن حزب البعث هو القائد للدولة والشعب، ومن المعلوم أن حزب البعث قام على مبدأين -كما ذكرنا- هما: القومية العربية والاشتراكية.
وقد استبدل حافظ الأسد زكي الأرسوزي بميشيل عفلق في التنظير للفكر القومي العربي في حزب البعث، بعد إزاحته بالتعاون مع اللجنة العسكرية في عام 1966، وجاء هذا الاستبدال من أن حافظ الأسد كانت تربطه علاقة خاصة بزكي الأرسوزي وهي أنه تتلمذ على يديه في المرحلة الثانوية من جهة، وأنه علوي الطائفة من جهة أخرى.
وأهم ما ترتب على هذين المبدأين اللذين قام عليهما حزب البعث: أيديولوجية القومية العربية، والاشتراكية هي العداء للدين، الذي اعتبره (هذا الحزب) سبب التخلف والانحطاط والتأخر إلخ، لذلك لا بد من محاربته ومحاربة أتباعه، وتضييق المساحات التي يوجد فيها، ووضع المناهج المختلفة التي تستأصله من حياة الناس إلخ، لذلك كان تاريخ حكم حزب البعث من عام 1963 إلى 1970 أثناء فترة حكم اللجنة العسكرية، ومن عام 1970 إلى 2000 أثناء فترة حكم حافظ الأسد، حلقات متتالية من العداء للدين، والتصادم الدموي مع الإسلاميين.
وقد بدأت هذه التصادمات بتدمير مسجد السلطان في حماة عام 1964، ثم التصادم الذي وقع في المسجد الأموي عام 1965، ثم التصادم من أجل الدستور عام 1973، ثم التصادم الذي استمر عدة سنوات وابتدأ عام 1979 بحادثة مدرسة المدفعية وانتهى بتدمير حماة عام 1982، وها هي الأوضاع تنفجر مرة أخرى في عهد بشار في 15/3/2011 نتيجة الفساد والظلم والاستبداد وسوء الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية إلخ، ومع ذلك فهو قد نسبها إلى الإرهاب الإسلامي، والعصابات والتجمعات الدينية، في انسجام مع منهج أبيه. والآن على ضوء هذه الحقائق: ما المطلوب من الطائفة العلوية؟ ما المطلوب من الثورة السورية؟
المطلوب من الطائفة العلوية أن تتخلّى عن أسرة آل الأسد التي اتضح أنها استغلت الطائفة العلوية، والمطلوب منها أن تبتعد عن هذه الأسرة وتساهم في إسقاطها من أجل المشاركة في بناء سوريا الجديدة التي تقوم على العدل والإنصاف وعدم إيقاع الظلم على أحد من طوائف الشعب السوري.
والمطلوب من الثورة السورية أن تعلن أنها تستهدف آل الأسد وحدهم، وأنها لا تستهدف الطائفة العلوية، وأنها ستعطيها حقوقها كاملة، وأن تعلن أنه لا يجوز أن تستأثر طائفة بحكم سوريا.
رابط المقال كما ظهر في الجزيرة الطائفة العلوية وحكم آل الأسد
Lorem Ipsum