مثّلت الصحوة الإسلامية التي تفجّرت في سبعينات القرن العشرين انعطافاً مهماً في حياة الأمة الإسلامية.
وجاءت تلك الصحوة تعبيراً عن فشل هجمة التغريب الشرسة التي بدأت في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين والتي أرادت أن تلغي هوية أمتنا وتجعلها تابعاً للحضارة الغربية في كل شؤونها.
وقد استندت تلك الصحوة في قيامها إلى رصيد الأمة الثقافي وإلى وحدتها الثقافية وإلى جهود العلماء المخلصين على مساحة العالم الإسلامي من أمثال:
مصطفي صبري، وحسن البنا، وعز الدين القسام، وأبي الأعلى المودودي، وعبد الحميد بن باديس إلخ. . .
لذلك يجب على علماء الأمة وقادتها وأهل الرأي فيها تعضيد هذه الصحوة وتطويرها، والبناء على إيجابياتها، من أجل أن تستكمل الأمة دورها الحضاري الفاعل والمنشود لها.
وفي هذا السياق أقترح أن تنجز الصحوة يجب أن تنجز الخطوات التالية:
من المفيد جدّاً للصحوة الإسلامية دراسة التجارب الإسلامية المعاصرة وتقويمها من أجل الاستفادة من إيجابياتها والابتعاد عن سلبياتها.
ويجب الاعتراف منذ البداية بقلة تلك الدراسات التي تناولت التجارب المعاصرة.
ويمكن أن نمثّل على ذلك بالجماعة الإسلامية التي أنشأها أبو الأعلى المودودي في باكستان والتي امتدّ عملها ثلاثة أرباع القرن الماضي.
ولو قمنا بإحصاء الكتب التي تناولت تلك الجماعة، وأنشطتها، وأفكارها، ومواقفها، لوجدنا ذلك محدوداً لا يتجاوز عدد أصابع اليد.
مازالت الحضارة الغربية تمثل التحدي الأكبر لأمتنا كما كانت على مدار القرنين الماضيين، ويقتضي ذلك وعي أسسها التي قامت عليها وعياً تفصيلياً، ووعي تطوراتها.
أما وعي أسسها فقد حقق علماؤنا جانباً كبيراً من هذا في الأيام السابقة، ولكن الصحوة الإسلامية مطالبة بوعي تطوراتها العلمية والتكنولوجية والاقتصادية والسياسية إلخ….
والاستفادة من إيجابياتها لتسديد مسيرة الأمة في مجال الإدارة والاقتصاد والاجتماع والسياسة إلخ…
ومما يصعّب القيام بهذه المهمة حجم المعلومات التي تطرحها الحضارة الغربية، والتي تتضاعف بشكل مذهل بسبب تقنيات الكمبيوتر المتقدمة.
نملك تراثاً غنياً في كل المجالات وهو واسع في بعضها ومحدود في بعضها الآخر، فهو واسع في مجالات الفقه وعلم الأصول وعلوم الحديث وعلوم القرآن وعلوم اللغة العربية
إلخ. . .
وهو محدود في مجال الدراسات الاقتصادية والسياسية وتعليل التاريخ وفلسفة العلوم إلخ. . .
لذلك فالمطلوب من الصحوة الإسلامية التخطيط لكل قطاع على حدة، فالتراث الواسع لا يحتاج إلى مزيد من بذل الجهود العلمية فيه، بل علينا تقنين خطوات الاستفادة منه.
وأما التراث المحدود فعلى العلماء بذل جهود علمية في إغنائه وتوسيعه وتطويره على ضوء العلوم والمعارف التي اكتشفتها البشرية في القرون الأخيرة.
ولكننا بكل أسف نجد أن جهود كثير من أبناء الصحوة تذهب إلى القطاع الواسع الذي ربما كانت سعته مصدر مشاكل للمسلمين المعاصرين، وتترك القطاع المحدود مع أنه بحاجة إلى إبداع وتفكير وتوسيع.
ويمكن أن نمثل على ذلك بكثرة الدراسات الفقهية، وقلة الدراسات التي تناولت كتب السياسة الشرعية والحسبة والاقتصاد الإسلامي وعوامل قيام الدول وسقوطها.
من أجل استخلاص النظريات الشرعية في مجالات الاقتصاد الإسلامي، والحكم الإسلامي، والسياسة الإسلامية، وحركة المجتمع الإسلامي إلخ. . .
والتي تساعد الصحوة في الرد على أعداء الدين الإسلامي من جهة، وبناء خطواتها القادمة من جهة ثانية.
شغلت الأوقاف الإسلامية ثلث ثروة العالم الإسلامي في القرون الماضية، ولعبت دوراً واسعاً في حياة الأمة الإسلامية في مختلف المجالات العلمية والاقتصادية والاجتماعية والصحية والعسكرية إلخ. . .
لذلك يجب على الصحوة الإسلامية أن تستفيد من هذا الماضي المشرق وتخطط لإيجاد أوقاف واسعة وغنية تساعد على تدعيم الجوانب العلمية والصحية والاجتماعية في حياة أمتنا.
حققت الصحوة الإسلامية بعض الإنجازات المهمة في مجال العقيدة الصحيحة البعيدة عن التراث الصوفي المرتبط بالشركيات والخرافات والأوهام.
وفي مجال العمل بالسنة الصحيحة المرتبطة بالحديث الصحيح والمبتعدة عن البدعة وعن الحديث الضعيف.
وقد تحقق ذلك على أيدي علماء مخلصين في مختلف أقطار العالم الإسلامي بدءاً من الشيخ محمد بن عبد الوهاب في نجد وانتهاء بالشيخ ناصر الدين الألباني في دمشق.
لذلك يجب على الصحوة الحرص على هذه الإنجازات، واعتمادها، والبناء عليها، وعدم التفريط بها، والاستفادة منها.
يلاحظ الدارس غياب مفهوم الأمة أو انحساره إلى حدّ ما في معرض النظر إلى الأحداث التي يمُر بها العالم الإسلامي.
لذلك يجب على الصحوة الإسلامية ألا يقتصر نظرها وموقفها وتقويمها لشؤون العالم الإسلامي على اعتماد الجوانب الشرعية فحسب، بل يجب أن يتم النظر والموقف والتقويم من خلال عاملين:
وتشمل مصلحة الأمة: اقتصادها، ووحدتها، وقوتها، وسيادتها، وثقافتها إلخ. . .
من الأمور المهمة التي يجب أن تتسم بها الصحوة وعي أبرز الأخطار الداخلية والخارجية التي تواجه الأمة، وتصنيفها، وإعداد العدة لمواجهتها.
ويأتي في مقدمة الأخطار الداخلية التي تواجه أمتنا:
ويستند هذا الخطر القطري على تأسيس ثقافي مستقل لكل قطر بعد إلغاء وتجاوز التأسيس الثقافي للأمة الإسلامية وإلغائه.
لذلك فمن أولى واجبات الصحوة الإسلامية إبراز هذين الخطرين، ومتابعة تطوراتهما، وقيادة الأمة في مواجهتهما.
وفي النهاية لابدّ من التذكير بأنه ما لم يقم علماء الأمة وقادتها وأهل الرأي فيها بمثل تلك الخطوات لتعضيد الصحوة الإسلامية وتطويرها، فستكون نتائج ذلك وخيمة على الأمة الإسلامية في حاضرها ومستقبلها.