قامت الثورة في سورية في 15/03/2011م، وساهمت فيها كل أطياف الشعب السوري، وقد قامت المساجد بدور كبير في تغذية هذه الثورة، وقد مرّت هذه الثورة منذ انطلاقتها بثلاث مراحل، وهي:
المرحلة الأولى: الصمود والانتصار:
بدأت الثورة من درعا بكتابة أطفال صغار تفاعلوا مع الربيع العربي الذي حدث في البلدان المجاورة، وكتبوا على جدران الشوارع: “إجاك الدور يا دكتور”، ثم حاسب النظام الأطفال وأهليهم، وإن دلّ هذا الأمر على شئ فهو يدل على جبروت النظام وتعنته.
عندما بدأت الثورة في سورية كانت الأوضاع بلغت الذروة في الاستبداد، فهناك ثلاثة عشر جهاز أمني يحتوي مئات الآلاف من الموظفين الذين يحصون أنفاس الناس وتحركاتهم وأقوالهم، وقد ربط نظام الأسد كل حياة الناس من السفر والزراعة والصناعة والتعليم والاجتماع والثقافة والبيع والشراء وحتى إجراءات الموت بهذه الأجهزة الأمنية.
وقد بلغ القهر السياسي قمته عندما ورّث حافظ الأسد الحكم لابنه بشار بعملية مزرية اقتضت تغيير الدستور، والقوانين، وما يتعلق بحزب البعث من قيادة قطرية وقومية، وما يتعلق بقيادة الجيش من تراتبية عسكرية، فلم يحترم رجال الدولة ما رسموه وأقرّوه بأيديهم من هياكل ومؤسسات وأُطُر سابقة.
أما الفساد المالي فقد بلغ الذروة، فهناك سرقات الكبار المحيطين بحافظ الأسد وابنه لأموال مشاريع الدولة، ولقد كان قتل محمود الزعبي رئيس الوزراء السوري جزءاً من معطيات عملية الفساد المالي التي كانت تلف معظم المسؤولين السوريين إن لم يكن كلهم، أما الفساد والسرقات فقد انعكست على الشعب، فقد أصبح معظم السوريين تحت خط الفقر، كما زادت العشوائيات في العاصمة وغيرها من المدن السورية، كما ساهمت هجرة أهل الريف إلى المدن في تدني المردود الاقتصادي الزراعي.
إنّ رسوخ الاستبداد والقهر والاذلال، وإنّ انعدام حرية الرأي، وارتباط العملية السياسية بأجهزة الأمن والأسرة الحاكمة وحدها، وإنّ تعميم الفقر وتدني مستوى الدخل الذي شمل معظم أفراد الشعب إلخ…، كل تلك العوامل وغيرها هي التي عجّلت في شمول الثورة لكل المدن السورية وريفها، وعجّلت في تقدم الثورة وانتصارها على النظام، لذلك كان النظام على وشك السقوط في نهاية عام 2012م، ولكن التدخل الإيراني هو الذي أنقذه من السقوط، وهنا بدأت مرحلة ثانية في حياة الثورة السورية.
المرحلة الثانية: التدخل الإيراني:
لقد تلقى النظام بعد قيام الثورة عام 2011م مساعدات من طرفين هما: إيران وروسيا، وقد كان الدعم من إيران مالياً واستخبارياً ولوجستياً إلخ…، وقد كان الدعم من الروس دبلوماسياً.
ولكن عندما اهتز النظام، وكاد أن يسقط في نهاية عام 2012م، أمر خامئني حزب الله من لبنان، وقوات الحرس الثوري من إيران، ومليشيات شيعية في العراق واليمن وباكستان بإرسال قواتها إلى أرض سورية لمساندة النظام، لذلك تدفق آلاف المقاتلين من حزب الله ومن الحرس الثوري ومن المليشيات الأخرى مثل عصائب الحق وغيرها، وانتشرت كل هذه العصابات في مختلف أنحاء سورية، في دمشق ومحيطها بحجة المحافظة على المقدسات الدينية مثل: منطقة السيدة زينب، كما انتشرت في ريف حمص، وإدلب.
ونستطيع أن نعتبر أنّ معركة “القصير” التي وقعت في حزيران من عام 2013م هي المعركة التي عدّلت ميزان القوى لصالح النظام، وحالت دون سقوطه، لكن مع كل هذا الدعم الذي جاءه من دولة إيران ومليشياتها التي بلغت أربعين مليشيا وعصابة، لم يستطع أن يصمد النظام، بل تفكك جيشه، وأصبح محاصراً في دمشق ومنطقة الساحل، ويسيطر – الآن – فقط على 18 بالمائة من مساحة سورية، وهذا ما استدعى مرحلة ثالثة، هي: التدخل الروسي.
المرحلة الثالثة: التدخل الروسي:
لم يستطع النظام أن يستعيد نفوذه على أية أرض جديدة رغم الدعم المتواصل الذي جاءه من إيران وعصاباتها خلال ثلاث سنوات متتالية، ورغم حجب أصدقاء سورية عن ثوار سورية أية أسلحة نوعية تتعلق بمواجهة الدبابات أو الطيران، ورغم عدم تحديد أية منطقة آمنة يحتمي بها الشعب من البراميل المتفجرة التي يلقيها طيران النظام السوري، ومع ذلك جاء التدخل الروسي – في هذه الأيام – من أجل الحيلولة دون سقوط النظام وانهياره المفاجئ، ومن أجل الحيلولة دون انتصار الثوار واحتلالهم مزيداً من الأرض، وتحقيقهم مزيداً من التمكين في الأرض، بعد أن بدا واضحاً لكل المتابعين علامات الانهيار على النظام والتقهقر المستمر.
لذلك أمدّ الروس نظام بشار بطائرات حديثة متقدمة، وأنظمة صواريخ متقدمة أيضاً، لم تخرج إلى أحد خارج روسيا، سوى النظام السوري، كما أمدّت روسيا نظام الأسد بعدد من الخبراء يتراوح عددهم بحدود ( 500 ) خبيراً، كما أقامت روسيا قاعدة بحرية جديدة في جبلة بالإضافة إلى القاعدة القديمة التي كانت تستخدمها في طرطوس، وبهذا تحقق روسيا حلم روسيا القديم في الوصول إلى المياه الدافئة.
وقد صرّح الروس بأن هدفهم الرئيسي من هذه المساعدات هو محاربة “داعش”، ونعتقد أنهم كاذبون في ذلك، هم وأمريكا بشكل خاص، والغرب بشكل عام، ونعتقد أن أمريكا لو أرادت إنهاء “داعش” لأنهتها في أيام، لذلك ترغب أمريكا والغرب في استمرار وجودها من أجل هدف بعيد هو توليد “الإسلام الأمريكي” الذي يقوم على أسس متفقة مع الحضارة الغربية من خلال لَيْ النصوص الإسلامية، وتطويعها لمفاهيم الحضارة الغربية المتصادمة مع الإسلام من مثل: نسبية الحقيقة، واعتبار عالم الغيب خرافات وأوهاماً، واعتبار الكون مادة صلبة لا روح فيها، واتخاذ البراغماتية أساساً في التعامل، وتقديمها على الأخلاق إن حدث تعارض بين البراغماتية والأخلاق، إلخ…
وقد وضّح هذا جنرال القوات الجوية الأمريكية مايكل هايدن لجريدة لوفيغارو في 8/7/2015م، وكان الجنرال قد ترأس وكالة الأمن القومي الأمريكية من 1999-2005م، ونائب منسق المخابرات في إدارة المخابرات القومية بين عامي 2005-2006م، وترأس الاستخبارات المركزية C.I.A من 2006-2009م، فقد اعتبر أن الصراع الذي يحدث بين “داعش” والمسلمين في المنطقة يشبه الصراع الذي شهدته المسيحية في القرن السابع عشر خلال حرب الثلاثين عاماً، إذ يُعيد المؤرخون الحداثة الأوروبية إلى معاهدة وستفاليا، لحظة ظهور الفصل بين الكنيسة والدولة. والإسلام لم يقم بهذه الخطوة حتى الآن، ويجب علينا مساعدة المعتدلين، والجنرال مايكل هايدن يعتبر دعوة عبدالفتاح السيسي إلى التجديد الديني والتي طرحها في الأزهر الشريف قبل عدّة أشهر، يعتبرها في هذا الإطار لخلق “الإسلام المعتدل” أي “الإسلام الأمريكي” كما وضحنا سابقاً.
ومن الجدير بالملاحظة فإن الإسلام الذي يقوم عليه أهل السنة والجماعة هو إسلام معتدل في طبيعته، وهو الذي عليه معظم مسلمي الأرض، فلم تُشكّل “داعش” إلاّ جزءاً يسيراً جداً من وجود المسلمين، كذلك لم يُشكّل أسلافها “الخوارج” إلاّ جزءاً يسيراً من المسلمين على مدار التاريخ الماضي، عدداً ووجوداً وحضوراً.
فمن الواضح أن أمريكا تريد هذه الحرب الدينية بين داعش والمسلمين من أجل أن تُولّد هذه الحرب إسلاماً جديداً ترضى عنه أمريكا، ويكون بداية ل “الحداثة الغربية” في حياتنا، على غرار الحداثة الأوروبية التي بدأت في أوروبا بعد معاهدة وستفاليا في القرن السابع عشر.
لذلك نقول لروسيا التي تدخلت في سورية بحجة مقاتلة “داعش”، لا تنطلي علينا هذه الكذبة، لا منها ولا من أمريكا، بل تدخلت روسيا من أجل مصالحها، ومن أجل توسيع امبراطوريتها، ومن أجل الوصول إلى المياه الدافئة الذي هو حلم روسيا القديم.
ولكننا نحذر الروس ونذكرهم بأن سورية كانت باستمرار مقبرة للغزاة، فقد انتهى الهجوم الوحشي التتري والذي دمّر شرقي العالم بدءاً من الصين وانتهاءً ببغداد، والذي قاده هولاكو، لقد انتهى في معركة عين جالوت عام 1260 جنوبي سورية، كما انتهى الهجوم الصليبي الذي استمر مائتي عام بعد معركة حطين التي قادها صلاح الدين عام1187 في جنوبي سورية أيضاً.
الخلاصة: انطلقت الثورة شعبية في سورية ربيع 2011، وكادت تسقط النظام في نهاية عام 2012، لكن تدخل إيران هو الذي أخَر سقوطه بعد معركة القصير في حزيران (يونيو) 2013.
ثم جاء التدخل الروسي كمرحلة ثالثة لتلافي الانهيار المفاجئ للنظام، وقد جاء الروس بحجة محاربة “داعش”، لكنهم جاؤوا –في الحقيقة- من أجل مصالحهم الاستراتيجية، ونقول لهم بأعلى صوتنا: “أيها الروس ستكون سورية مقبرة لكم كما كانت للغزاة من قبلكم”.