بقلم: رمزي حكيم
في سياق الحديث عن مستقبل الأقلية الفلسطينية في اسرائيل في ظل الهجمة اليمينية المتطرفة وتضييق “الهامش الديمقراطي” المرافق لطروحات حكومة نتنياهو – براك – ليبرمان فيما يختص بالتعامل مع العرب في “دولة اليهود”، لا يجوز تجاهل المخاطر الجمة والجدية التي تواجه الفلسطيني في الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة، النابعة من ميول صهيونية، صريحة في وضوحها، تطمح لإلغاء العربي وشطب هويته، كمقدمة، هي تجريبية بالأساس (مجموعة القوانين العنصرية الجديدة كمثال)، لإشاعة فكرة اخطر وهي فكرة الترحيل (الترانسفير). هذا خطر قائم يتواجه معه عرب الداخل، مواجهة ساخنة، الى حد أصبحت فيه الدعوة الى الترانسفير مباحة وعلنية ومؤطرة حزبيًا وأيديولوجيًا. وتزداد الخطورة، بشكلها التصاعدي، حين نلتفت الى حقيقة كون هذه المناداة بالترانسفير منتظمة ومترابطة، غير عابرة وغير متفرقة. وهي تجد انعكاسها القوي في الإجماع الصهيوني القائم حول مقولة ان العرب في اسرائيل هم “خطر استراتيجي” و”خطر ديمفرافي” وانهم بمثابة “قنبلة موقوتة” يجب العمل على تفكيكها قبل ان تنفجر في وجه “دولة اليهود” بعد التوصل الى حل للقضية الفلسطينية على أساس الدولتين.
ويجد هذا الطرح رواجًا له، في هذه الإثناء، ضمن الصراع الجاري داخل اسرائيل على شكل “الحل النهائي” للقضية الفلسطينية. اسرائيل تجاهر، الآن، بأن مشكلتها الأساسية بعد إقامة الدولة الفلسطينية ستكون مع “العرب القاطنين في داخلها”. هنا تجد المؤسسة الإسرائيلية الرسمية، أو الأصح انها تضع نفسها وتحاصرها في حدود حالة من “الصراع الوجودي” المتأسس على مقولة “الخطر” الكامن في العربي في الحاضر والذي يهدد مستقبلها الديمغرافي وبالتالي طابعها في المستقبل. وهناك محاولات جارية لتأسيس هذه المقولة وترسيخها في الذهنية الصهيونية الجماعية لأهداف مستقبلية قد تتعلق بمخططات إسرائيلية رسمية للتخلّص من “خطر العرب”. وواضح انه لا يمكن عزل فكرة الترانسفير (الترحيل) عن الموضوع. بل لها ارتباط مباشر، ذلك ان أي “خطر” بحاجة الى “علاج”، وأية “قنبلة موقوتة” بحاجة الى “جهود لتفكيكها ومنع انفجارها”.
جوهر الأشياء هو “يهودية الدولة”. وربما يكون المجتمع الصهيوني الاسرائيلي بحاجة الى فكرة يتولد معها الشعور لديه بنوع من الإجماع والتوحّد الداخليين، من منطلق حاجته الى الخروج من حالة الإرهاق الناتجة عن عدم القدرة، خلال ستين عاما، على التخلص من الفلسطيني، وبالتالي بطلان مقولته المشهورة حول “ارض بلا شعب”. هذا المجتمع ينتابه الشعور بأزمة ثقة هي في تصاعد منذ الانتفاضة الأولى مرورًا بالثانية وانتهاءً بحرب لبنان وحرب غزة. لذلك نراه يحاصر نفسه في حدود حالة من “الصراع الوجودي” يراد لها ان تقوم بمهمة التوحيد وضمان الإجماع.
ثمة جديد يلفت النظر بين التشديد على “يهودية الدولة” وبين فكرة “التبادل السكاني” التي تطرحها اسرائيل الرسمية والأكاديمية كتوجه جدي مرتبط بالحل النهائي، وهي فكرة تقوم على مفهوم “الترانسفير” (الترحيل). وبالمقابل يمكننا الدخول الى عمق وجوهر الشرط الإسرائيلي، المطروح بلغة غير قابلة للجدل، بضرورة الحصول على اعتراف من المفاوض الفلسطيني بـ “يهودية الدولة” كشرط للتقدم في العملية التفاوضية!!. وهذا الشرط يوحي أيضًا بموضوعة الترانسفير (الترحيل) من حيث انها فكرة قد تلجأ اسرائيل اليها مستقبلاً في حال وجود علامة سؤال على استمرارية الطابع اليهودي للدولة!.
الموضوع هو إذن هذا المجال المسمى “التكتل والتوحّد لصد الخطر”. هذا ما جرى بالضبط في أحداث اكتوبر 2000. وهو قابل لإنتاج نفسه من جديد في حال تهيئة الظروف. والكل يعلم الآن دور أجهزة الاستخبارات و”الشاباك” والأجهزة الأمنية في الجر نحو مواجهة غير متكافئة مع العرب في أكتوبر 2000 وكيف جرى تهيئة الظروف لهذه المواجهة بتخطيط سلطوي مسبق والسيطرة التامة على الرأي العام اليهودي الاسرائيلي الى حد عدم خروج أي صوت يدعو الى وقف القتل والمذبحة. على العكس، فقد نجحت المؤسسة الاسرائيلية، في “أحداث أكتوبر”، بالحصول على شرعية للمواجهة من كافة أطياف التشكيلة الصهيونية داخل المجتمع الاسرائيلي مما أعطاها مساحة أكبر لتوجيه الضربة دون كوابح على الإطلاق وبتغطية من مجمل المجتمع الصهيوني الاسرائيلي.
واذا اخذنا واقع انزياح الرأي العام الصهيوني الإسرائيلي، بكل أطيافه وأحزابه وتشكلاته، من “الليكود” و”كاديما” وحزب “العمل” و”ميرتس” وحزب ليبرمان والأحزاب المتدينة المتطرفة، الى فكرة “يهودية الدولة”، فان الجماهير العربية في اسرائيل تجد نفسها أمام حالة غاية في الخطورة قال فيها رئيس الحكومة الاسرائيلية الأسبق، اريئيل شارون، قبل سنوات من على منصة الكنيست مخاطبا النواب العرب بما ترجمته الحرفية التالية: “لا تتورطوا اكثر حتى لا توقعوا انفسكم وشعبكم بذات المصير الذي آل بآبائكم واجدادكم عام 1948”. القول لا يحتاج الى تفسير. ففيه ما يكفيه من الوضوح. وهو يشرح نفسه بنفسه. هذه اشارة تراجعية واضحة الى النكبة وما حملت معها من مأساة وترحيل وضياع. وقد قالها الرجل السياسي الأول في إسرائيل (في حينه).
وفي سياق آخر قال رئيس الحكومة الحالي، بنيامين نتنياهو، في مؤتمر هرتسليا الأخير، ما ترجمته الحرفية التالية: “ان الخطر الحقيقي على اسرائيل ليس الفلسطينيين في الضفة والقطاع وانما العرب هنا داخل اسرائيل”!. في حين ان زعيمة المعارضة، رئيسة “كاديما”، تسيبي ليفني، قالت ما ترجمته الحرفية: “ان المواطنين العرب يستطيعون ممارسة حقوقهم القومية في الدولة الفلسطينية فقط”. بينما في اجتماع ضم رئيس “الشاباك”، يوفال ديسكين، وكبار رجالات الجهاز، مع رئيس الحكومة الأسبق، ايهود أولمرت، اكد قادة “الشاباك” ان “ما يحدث بين الأقلية العربية يشكل الخطر الاستراتيجي الأكبر للمدى البعيد على الطابع اليهودي للدولة ولمجرد وجود دولة اسرائيل كدولة اليهود” (موقع “معاريف” الألكتروني – 13 آذار 2007).
هذه التصريحات تفسر ذاتها بذاتها. وهي تدل على نوايا وعلى استراتيجية عمل جاهزة في الجارور قد يتم اللجوء اليها في المستقبل. وهي تدشين لمرحلة جديدة، في الستين الثانية لقيام اسرائيل، تريد اسرائيل فيها إعادة صياغة تعريف ذاتها بمعزل عن الوجود العربي ضمن مفهوم “الدولة اليهودية”. فهذا المفهوم ليس “تعبيرًا عن حق تقرير المصير لليهود” فحسب، وإنما هي مقولة واضحة بأن للعرب بعض الحقوق المشروطة بالولاء في الأرض، ولكن لا “حقوق لهم على الأرض”، وهي جملة قالها دافيد بن غوريون وكررها أيضًا شارون.
وفي اجتماع جرى قبل أشهر ضم مسؤول كبير في السفارة المصرية وقادة لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في اسرائيل واللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية، أبدى المسؤول المصري تخوفه من امكانية قيام اسرائيل بتنفيذ ترانسفير بحق العرب الفلسطينيين في داخلها في وضعية حرب قادمة.
هذا ليس مجرد “إنطباع”. فالأصوات التي تخرج، حاليًا، مشترطة البقاء والحقوق بمسألة “ولاء” الأقلية القومية الفلسطينية في اسرائيل “لدولة اليهود” (حزب وزير الخارجية ليبرمان)، او تلك التي ربطت بين اقامة الدولة الفلسطينية وبين الحل القومي للعرب الفلسطينيين في اسرائيل (رئيسة حزب كديما تسيبي ليفني)، او “الخطر العربي” (رئيس الحكومة الحالي بنيامين نتنياهو)، او فكرة “التبادل السكاني” للتخلص من التجمعات العربية عبر تبادل في الأراضي وما عليها من سكان (هناك اجماع بين كافة الأحزاب الصهيونية على هذه الفكرة) – كل هذه الأفكار ليست خارجة عن سياق التفكير بخطر العرب المستقبلي (استنتاج “الشاباك”)، وبالتالي ضرورة اتخاذ الإجراءات والاحتياطات للتخلّص من نسبة كبيرة منهم لا يراد لها ان تبقى في “دولة اليهود” بعد التوصل الى “الحل النهائي”.
ضمن هذا السياق شهدنا هجمة جديدة عبر مجموعة من القوانين والشرائع الاسرائيلية الجديدة التي تهدف الى تغييب العربي وشطب وجوده، او محاولة للتدجين وخلق انسان عربي جديد على مقاس “العقلية الصهيونية”، يعلن “الولاء لدولة اليهود” ويقبل بشطب هويته، القومية والثقافية والجغرافية والتاريخية، وبالتالي التنازل عن حقه في هذه البلاد طوعًا!.
هناك هجمة لسن مشاريع قوانين عنصرية في غضون الأشهر الأخيرة: “المواطنة مقابل الولاء”. “خصخصة الأراضي” بعد مصادرتها من أصحابها العرب. “تبديل التسميات العربية وتحويلها الى الكنية العبرية”. منع احياء النكبة. منع العرب من السكن في البلدات اليهودية للمحافظة على الطابع اليهودي لهذه البلدات. اسقاط كلمة النكبة من الكتب الدراسية العربية وبالمقابل الزام المدارس العربية بتعليم ثلاث حصص اسبوعية على الأقل من أجل “تعليم الصهيونية وتاريخ أرض إسرائيل ودولة إسرائيل”. اعطاء وزير الداخلية تخويلاً كاملاً بـ “نزع المواطنة” من دون حاجة إلى موافقة المحكمة أو المستشار القضائي للحكومة. تمديد اعتماد “قانون المواطنة” العنصري لعام 2003، كأمر مؤقت، لمنع جمع شمل عائلات أحد شقيها من مناطق “الخط الأخضر” والشق الآخر من الأراضي المحتلة في الضفة الغربية او قطاع غزة. اعطاء جهاز “الشاباك” حق سحب المواطنة من أي مواطن.
الصوت الاسرائيلي واضح في هذه القوانين والتشريعات:إما إعلان “الولاء” لـ “دولة اليهود”، وإما التفتيش عن بلاد أخرى!!. لا معنى لهذه القوانين غير هذا المعنى. والأمر الثاني يراد من هذه القوانين أيضًا إخافة العرب وبالتالي جعلهم يتنازلون طوعًا عن مطالبهم وحقوقهم العادلة من خلال تخفيض سقف المطالب تحت يافطة التفكير “بعدم استفزاز اسرائيل للحيلولة دون تنفيذ مخططاتها بالترحيل”. والمقصود تحويل قضية عرب الداخل الى قضية مدنية. قضية مواطنة في “دولة اليهود”. بينما قضيتهم هي ليست مدنية حتى ترتبط فقط بحقوق مدنية. والمواطنة هي حقوق مدنية. قضية عرب الداخل هي قضية قومية، قضية جماعية (قومية) وليست فردية (مواطنة)، لذلك يؤكد عرب الداخل على مطلب أساسي تريد اسرائيل الرسمية شطبه وهو “اعتراف اسرائيل بالعرب فيها كأقلية قومية جماعية، كشعب واحد وكمجموع، كونهم أهل البلاد الأصليين، وما يترتب على هذا الاعتراف من حقوق قومية ومدنية جماعية”. كذلك يرفض عرب الداخل أي حديث عن “يهودية الدولة”، لما يحمله هذا التعريف من مخاطر على مستقبلهم.
ثم هناك ما يسمى بـ “الترانسفير البطيء”. هذا المفهوم يجد تعبيرا له في مجالات متعددة، في الحياة اليومية للعربي الفلسطيني في اسرائيل، منها التشريد اليومي الحاصل للعرب في القرى غير المعترف بها. او تضييق الخناق على عرب يافا. او عرب اللد وعرب عكا. هناك نجد الفقر والحرمان والتمييز والبطالة وانسداد أي أفق للتطور. او محاصرة المدن والقرى العربية بمستوطنات يهودية ضمن مخطط “تهويد الجليل” او “تهويد النقب” (هناك قرار حكومي جديد صدر مؤخرا لإقامة مستوطنات يهودية جديدة بالقرب من التجمعات العربية لإسكان عشرات آلاف اليهود المتدينين المتطرفين فيها – الحراديم). او مصادرة الاراضي العربية وحرمان العرب من أي احتياط من الأراضي للتطور الطبيعي مستقبلاً. او حرمان المدن والقرى العربية من مناطق صناعية، واماكن عمل، ومصادر للرزق. أو سياسة هدم البيوت. أو التضييق عليهم في مجالات استكمال التعليم الجامعي بحجج مختلفة. أو اشتراط الحصول على وظائف بالخدمة العسكرية. او إثارة الفتن الداخلية، بين أبناء الشعب الواحد، وبأيدٍ من أجهزة “الشاباك”، من خلال التلاعب بمصائر الناس وإثارة المشاعر الطائفية والعشائرية والقبلية (كما حدث في الناصرة وشفاعمرو والمغار). او ضرب العرب ببعضهم البعض لإلهائهم عن قضاياهم الأساسية. بمعنى ان هناك جهد اسرائيلي رسمي باتجاه توليد حالات من اليأس والإحباط والشعور بقلة الحيلة والمقدرة، يراد لها، وبالذات لدى الجيل الشاب، ان تقود العربي الى الإستنتاج بترك البلاد والتفتيش عن حياة أخرى له في الخارج (هذا ما نسميه بالترانسفير البطيء). يضاف الى ذلك سياسة هدم البيوت العربية التي شهدت في الفترة الأخيرة تصعيدًا خطيرًا يدلل على النوايا الحقيقة للمؤسسة الاسرائيلية.
ما يجري هو نتاج عملية تراكمية. وهو الترجمة الفعلية والتفصيلية لمفهوم “يهودية الدولة”. وأحداث أكتوبر ألفين، في هبة القدس والأقصى، وقتل 13 شهيدًا عربيًا، هي المثال الأكبر على ما نذهب إليه. هناك جرى التعامل مع العربي على انه “عدو لدولة اليهود”. لذلك فإن قتله كان مباحًا. لم يجر التعامل معه على انه “مواطن في دولة اسرائيل” له حق التظاهر والاحتجاج ورفع صوته. إنما كان التعامل معه من خلال فوهة بندقية. وقد أقرت لجنة التحقيق التي أقيمت في أعقاب “أحداث أكتوبر” (لجنة أور) بأن “الشرطة الاسرائيلية تعاملت مع العرب كأعداء وليس كمواطنين”.
وإذا عدنا الى مذبحة يوم الأرض وقتل ستة شهداء نجد هناك أيضًا كيف ان المؤسسة الاسرائيلية لا تتوانى عن القتل وتنفيذ المذابح اذا ما نجحت بتسويق مقولة “الخطر” وبالتالي منح المجتمع اليهودي الاسرائيلي الشعور بتهديد داخلي من قبل الأقلية العربية الفلسطينية التي تعيش في حدود دولتها. هذا يسمى اشتغال على الرأي العام وعلى الإجماع الصهيوني لإنتاج “الخطر” والكراهية ووجوب التفكير بحتمية المواجهة. هنا بيت القصيد: “حتمية المواجهة”. هكذا تحاول المؤسسة الاسرائيلية ان تقنع شعبها، ان تفسّر وان توضح. وهذا ما نشهده حاليًا من تبديل للخطاب الرسمي يقود أكثر فأكثر نحو التخويف من العربي. من هنا نجد مؤرخين، حتى من اليهود، يحملون آراء تقول ان سياسة اسرائيل لم تتغير، وانها مستعدة لتنفيذ مذابح جديدة في المستقبل أيضًا للحد من ما تسميه بـ “الخطر العربي”. وانها تمضي، بمنهجية، نحو قمع العربي والقضاء عليه لضمان “ديمغرافية دولة اليهود” (المؤرخ التقدمي إيلان بابي مثلا الذي يحمل نظرية مفادها ان المؤسسة الاسرائيلية لن تتوانى في تنفيذ مذابح اضافية وتهجير جديد بحق العرب في الداخل).
نعود الى الأسئلة الصعبة: هل هناك محاولة جديدة لجر العرب الى مواجهة غير متكافئة بهدف تهيئة رأي عام لتوجيه ضربة مستقبلية للعرب من خلال وضعهم، في أطار هذه المواجهة، في خانة “معاداة الدولة” وتسويق هذه الفكرة محليًا وعالميًا لتبرير أية خطوة مستقبلية تهدف الى التخلّص منهم او من جزء منهم؟. هل قضية العرب هي “مواطنة” و”ولاء” ام قضية قومية. وهل يمكن لاسرائيل ان تقبل بالطرح العربي. واذا لم تقبل هل يمكن ان تنفذ ترانسفيرًا جسديًا بحقهم (في حالة حرب وفوضى مثلاً).
ونسأل أيضًا:
لماذا هذا التشديد الآن على “يهودية الدولة”؟. وماذا يعني هذا التعريف بالنسبة للوجود العربي بعد التوصل الى حل نهائي مع الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة؟. هل حقًا اسرائيل يمكن ان تتعايش – او ان تقبل التعايش- مع أقلية عربية فلسطينية في حدود دولتها نسبة وتيرة التزايد السكاني فيها أكبر بكثير من نسبة التزايد السكاني الطبيعي لدى اليهود؟. وكيف يمكن لإسرائيل – حسب وجهة نظرها – حل “معضلة” ما تسميه “الخطر الديمغرافي” العربي الذي يهدد مستقبلها؟. وكيف يمكن التعامل مع مجموعة تصفها اسرائيل بأنها “خطر على امن الدولة” و”قنبلة موقوتة يجب تفكيكها قبل ان تنفجر في وجهها”؟. هل هاجس الترانسفير (الترحيل) ما زال قائمًا بالنسبة لها؟.
ماذا تحضّر المؤسسة الاسرائيلية للعرب في داخل حدودها؟. هذا هو السؤال المركزي في ظل المعركة الجارية على الهوية. وهنا ندخل في صلب الفكرة الصهيونية الجديدة القائلة بـ “الصراع الوجودي”. فهل تحاول اسرائيل اشاعة هذا المصطلح لتهيئة الظروف لتنفيذ الترانسفير الجديد؟. وهل ستستطيع اسرائيل ان تحسم موضوع التسيّد وهوية الدولة على حساب الأقلية الفلسطينية في داخلها. وأصلاً – وهذا هو الأهم في الموضوع – هل يمتلك عرب الداخل قدرة على المواجهة غير المتكافئة. هل هم مهيئون لهذه المواجهة. هل يملكون أدواتها؟.
للحديث وجهان. والممكن ممكن بالفكر الصهيوني. ومن المفيد ان يدرك العرب في اسرائيل أن ما يتعرضون له من انفلات عنصري غير مسبوق، انما يتساير مع السعي لتكريس مفهوم “الدولة اليهودية الصهيونية” التي لا مكانة فيها للعرب، تمهيداً لنقلة نوعية على مسار “الحل الصهيوني النهائي” لوجود العرب الفلسطينيين داخل حدود 48، واستدراجهم إلى مواجهة محتومة غير متكافئة قد تحدث وتقع في ظروف معينة. وهذا ما يجب استكشافه والتعاطي معه بجدية لمواجهته وللحيلولة دون وقوعه، وعدم الإرتكان الى مقولة ان الدنيا تغيرت منذ عام 48 وان العالم المتنور لن يسمح لاسرائيل، بعد مرور كل هذه السنوات، بتهجير وترحيل السكان الأصليين عن اراضيهم ووطنهم.
رابط المقال في جريدة الشرق الأوسط الترانسفير الجديد.. مستقبل «عرب 48» في «دولة اليهود»