طلب مني الأخ الكريم الصحفي سمير أبو الهيجاء تقديم كتابه (أنا من هناك ولي ذكريات) وهو كتاب قد جمع فيه مقابلات أجراها لعدد من الفلسطينيين الذين تركوا ديارهم عام 1948 ويحكون فيها قصص اقتلاعهم من بيوتهم وعذاباتهم في مغادرة بلادهم، ويحكي أشواقهم إليها.
تقديم كتاب “أنا من هناك ولي ذكريات”
بقلم: د.غازي التوبة
لقد كانت النكبة عام 1948 زلزالاً في حياة الشعب الفلسطيني من جهة، وفي وجود الأمة وكيانها من جهة ثانية، ومن هنا كان الواجب على قيادات الأمة الفكرية والثقافية والسياسية والأدبية إلخ…، أن تدوَن وقائع هذه النكبة بالتفصيل في مختلف المجالات، وتحلل أسبابها، وتستنتج العبر والدروس من تلك التدوينات.
وقد قامت بعض قيادات الأمة ببعض الواجب عليها نحو النكبة، لكن الدراسات والأبحاث والتحليلات –بكل أسف- لم تُحط بكل ما هو مطلوب، ولم تقوَم مسيرة الأمة، لتجعلها تأخذ الاتجاه الصحيح في طريق النصر وتحرير فلسطين، ويدل على ذلك أن التعثر والسقوط حدث مرة أخرى في عام 1967 فجاءت النكسة عام 1967، وكانت الخسارة أكبر من خسارة 1948، إذ استكملت اسرائيل احتلال بقية فلسطين وهي (الضفة الغربية) من الأردن، واحتلت سيناء و(قطاع غزة) من مصر، واحتلت الجولان من سورية. وحدثت هجرات أخرى في هذه الاحتلالات الجديدة، ووقعت مآسي جديدة –إن لم تكن أكثر فظاعة من التي حدثت في نكبة 1948- سنقول على الأقل: إنها مشابهة لما حدث في نكبة 1948.
وإذا وقفنا عند الناحية الإنسانية في نكبة عام 1948، وتساءلنا: ماذا تعني النكبة؟ لقلنا إن النكبة تعني في أحد معانيها أن آلاف الأسر قد اقتلعت من فلسطين: من بيوتها، وديارها، وبساتينها، وأملاكها، وأثاثها، ورياشها، ومصانعها إلخ….. اُقتلعت ورُميت في الآفاق، وسارت في كل اتجاه إلى الشمال باتجاه سورية ولبنان، وإلى الشرق باتجاه الأردن والعراق، وإلى الجنوب باتجاه غزة ومصر، وإلى الغرب باتجاه البحر إلخ….
النكبة تعني أن عشرات الآلاف من الأشخاص تركوا مدنهم وقراهم، وغادروا مساكنهم هائمين على وجوههم لا يدرون مصيرهم، يبحثون عن ملجأ يأوون إليه، وخيمة يستترون بها. غادروا مساكنهم خائفين مرعوبين من عدو يطاردهم، يريدون أن ينجو من هلاك محقق إلخ….
إن تصوير الجانب الإنساني في النكبة، ونقل أحداث الهجرة ووقائعها، وإلقاء الضوء على عذابات المنكوبين، وتدوين آلامهم، وأشواقهم إلى بلادهم وديارهم وبيوتهم وبساتينهم إلخ…. هو جزء من ذاكرتنا الجماعية التي يجب أن نحرص على المحافظة عليها، لتبقى صلة الوصل بين الأحفاد والأجداد، تذكر الأحفاد بماضي الأجداد وتضحياتهم وبطولاتهم وعذاباتهم وآلامهم إلخ….
لقد قصرنا في بناء الذاكرة الجماعية تقصيراً كبيراً، وإن كل فلسطيني غادر بيته في نكبة عام 1948 يحمل خزاناً من الذكريات المؤلمة والحزينة والفاجعة إلخ….. لكن الأخ الكريم سمير أبو الهيجاء استدرك جانباً من التقصير، واشتغل عليه، ودوَن كثيراً من الوقائع التي حصلت لبعض الفلسطينين المقتلعين والمشردين والمطرودين من قراهم ومدنهم بعد نكبة عام 1948.
فجاء هذا الكتاب سفراً يقص جانباً من معاناة هذا الشعب الفلسطيني، ويروي حكايات من النكبة والخروج والتشرد والخوف والقتل والتدمير إلخ…. ويوثق ارتباط الفلسطينين بأرضهم وشوقهم إليها مع كل الظروف القاسية التي مرَوا بها، وكل محاولات اقتلاعهم منها.
في الختام: إنني أثمَن الجهد الذي بذله الأخ الصحفي سمير أبو الهيجاء في إجراء هذه المقابلات مع بعض الفلسطينين المنكوبين، وجمع عذاباتهم وذكرياتهم وأشواقهم بين دفَتي كتاب واحد من أجل إغناء الذاكرة الجماعية، ولتكون لنا مناراً في طريق العودة، وأدعو الله أن يجزيه خير الجزاء على ما بذل وأعطى، وأشكر له دعوته لي بكتابة مقدمة الكتاب، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
السبت 17 من جمادى الآخرة 1434هـ
27 من نيسان (أبريل) 2013م