فهرس المقال
حتى نستطيع أن نستكشف آفاق علاقة أمريكا بالمقاومة الفلسطينية ومستقبلها، علينا أن نستعرض جانباً من ماضي وحاضر علاقة أمريكا بالمقاومة الفلسطينية فنجد الحقائق الآتية:
1- دعمت أمريكا إسرائيل دعماً كاملاً منذ إنشائها عام 1948 في مختلف المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية.
أ- سياسياً: دعمت أمريكا إسرائيل ووقفت إلى جانبها في مختلف المحافل والمؤسسات الدولية، واستخدمت الفيتو عشرات المرات لصالحها في مجلس الأمن. كما دعمتها في كل المجالس المرتبطة بالأمم المتحدة مثل مجلس حقوق الإنسان، واليونسكو وغيرهما.
ب- عسكرياً: زوّدت أمريكا إسرائيل بكل أنواع الأسلحة المتقدمة في كل الحروب التي خاضتها عام 1967، ثم حرب عام 1973، كما تنسق معها أمنياً على أعلى المستويات.
ت- اقتصادياً: تحصل إسرائيل على أكبر قسم من المعونات المالية الأمريكية الخارجية.
ماسبب هذا الوضع المتقدم لإسرائيل في أمريكا؟
هناك سببان:
الأول: لوبي إسرائيلي قوي في مختلف المجالات الاقتصادية والإعلامية والسياسية ومراكز الأبحاث، ومثال ذلك: منظمة (إيباك) التي تعتبر من أهم أدوات الضغط الصهيونية على صانع القرار الأمريكي.
الثاني: المسيحيون الصهاينة. هناك مسيحيون صهاينة في أمريكا لكنهم أشد ولاء لإسرائيل من الصهاينة اليهود، وذلك بسبب ميراثهم الديني البروتستنتي الذي يعتمد (التوراة) (العهد القديم) كأصل من أصول ديانته التي يؤمن بها وقد تجسّد هؤلاء في “المحافظين الجدد” الذين منهم بوش وغيره من المسؤولين الأمريكيين.
هناك دعم أمريكي كامل لإسرائيل في مختلف المجالات السياسية والإعلامية والعسكرية أثناء معركة “العصف المأكول” التي استمرت خمسين يوماً، وهناك تماه كامل من قبل أمريكا مع الموقف الإسرائيلي.
وسنشير إلى بعض المواقف التي تؤكد الدعم الأمريكي الضخم واللامحدود لإسرائيل:
من الواضح أن الأمة متمثلة بالمقاومة الفلسطينية مصممة على استرداد حقوق شعبنا الفلسطيني في استرداد أرضه من الغاصب الصهيوني، وقد اتضح ذلك في استمرار المقاومة منذ وعد بلفور حتى الآن في عدد من الانتفاضات والحروب وعشرات آلاف الشهداء والجرحى والمفقودين والتدمير المستمر للحجر والبشر على مدار العقود الماضية.
لكن أمريكا وإسرائيل والغرب بدأت بخطة استراتيجية مترافقة مع المعركة العسكرية من أجل وأد المقاومة، وتجفيف منابعها، وإضعاف فاعليتها وقوتها، وإخفات حيويتها، وقتل روحها تقوم على تفعيل “مبدأ الفوضى الخلاقة” الذي يعني “التدمير” ثم “البناء”، وهو مبدأ معتمد في السياسة الخارجية الأمريكية، وقد أوجده (تايرماهان) عام 1902، وأعاد صموئيل هننجتون وكوندليزا رايس توظيفه في الشرق الأوسط، وستنفذه أمريكا من خلال ثلاثة محاور:
ونحن سنستعرض هذه المحاور في السطور الآتية:
تستخدم أمريكا ثلاث أدوات لأداء هذه المهمة:
الأداة الأولى: الديمقراطية: للديمقراطية جانبان إجرائي وثقافي أما الإجرائي فيتمثل في إجراء الانتخابات، واختيار المسؤولين، ومحاسبة المسؤولين، وحرية إبداء الرأي، وتشكيل مجالس الشورى.. وغيرها. وهذه لا مشكلة لنا معها، بل بالعكس لها جذور في تاريخنا.
أما الثقافي فيتمثل في أن الديمقراطية تقوم على أربعة مبادئ ثقافية وهي ملازمة للإجرائية وهي ما يحرص عليها الغرب عندما يدعو إلى تطبيق الديمقراطية وهي:
ليس من شك بأن الإسلام يتفق مع الثقافة الديمقراطية في تحقيق المصلحة والمنفعة والفائدة في كل عمل، لكنه يختلف معها عندما يحدث التعارض بين المصلحة والقيمة الخلقية، فيقدم الأخلاق على المصلحة.
ليس من شك بأن نشر الديمقراطية بجانبيها: الإجرائي والثقافي –وهو ماتصر عليه أمريكا- سيؤدي إلى تفتيت وحدتنا الثقافية التي هي أهم ما نملك في توليد التضحية والفداء والصبر إلخ..
الأداة الثانية: سياسة إيران الطائفية: قامت ثورة إيران عام 1979، وأصر الخميني على أن تكون ثورة شيعية وليست ثورة الأمة، ووضع مادة في الدستور تؤكد أن الجمهورية الإسلامية ملتزمة بالمذهب الشيعي إلى الأبد، ثم أقامت إيران سياستها الخارجية على تصدير الثورة.
تواصلت إيران مع الطوائف الشيعية في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، وقامت بتفعيلها، وجعلتها تتصادم مع محيطها السني، مما أوجد تفتيتاً ثقافياً من جهة وأوجد صراعاً طائفياً بين أبناء البلد الواحد من جهة أخرى، وهذا أضعف الأمة وجعلها تنصرف عن معركة البناء الحضاري، وجعل أمريكا وإسرائيل تستفيد من هذا التشرذم والانقسام.
الأداة الثالثة: داعش: ترتبط ثقافة “داعش” وعناصرها الفكرية ب (المكوّن الخارجي) بشكل كامل من ناحية التساهل في التكفير، والتساهل في استباحة دماء المسلمين، والنظر السطحي إلى النصوص، وعدم القدرة على تدبرها إلخ..
لذلك فهي تصطدم بشكل قوي ب(المكون السني)، بالإضافة إلى تمزيقها وتدميرها المجتمعات الإسلامية التي تعيش فيها، وهذا ما يجعل حصيلة أعمالها تصب في صالح أمريكا وإسرائيل من ناحية التفتيت الثقافي والتجزيء السياسي.
ومن الجلي أن تقسيم العالم العربي استراتيجية صهيونية راسخة قام عليها الكيان الصهيوني، وتطلع إليها قادته منذ نشوء إسرائيل، وقد ظهرت هذه الاستراتيجية في عدة وثائق على مدار العقود الفائتة:
أولها: وثيقة الصحفي الهندي كارانجيا التي نشرها 1957، والتي توضح استهداف إسرائيل إقامة دول طائفية في منطقة بلاد الشام والعراق، والتي يرجح أن أجهزة جمال عبد الناصر سربتها.
ثانيها: المقال الذي نشرته مجلة (Kivunim) ومعناها بالعربية اتجاهات في (فبراير) 1982، وهو مكتوب من صحافي ودبلوماسي إسرائيلي سابق يدعى أوديد ينون، ونشر تحت عنوان “الخطة الصهيونية للشرق الأوسط”.
ثم بين المقال أن الاستراتيجية الإسرائيلية الصهيونية أعدت خطة لتفتيت مصر إلى دولتين: إحداهما قبطية في الجنوب والأخرى سنية في الشمال، وأعدت خطة ثانية لتفتيت العراق وبلاد الشام وأعدت خطة ثالثة لتفتيت المغرب العربي، ورابعة لتفيت الخليج العربي.
ثالثها: نشرت مجلة القوات المسلحة الأمريكية في عدد (تموز 2006) مقالاً تحت عنوان “حدود الدم” فيه تقسيم المنطقة إلى دويلات عرقية وطائفية، وشملت خريطة التغيرات التي اقترحها المقال عدة دول هي: العراق، الأردن، سورية، السعودية، إيران، إلخ…
تقسيم بلدين عربيين: وقد استطاعت أمريكا وإسرائيل إلى الآن أن تقسما بلدين عربيين كبيرين هما السودان والعراق. فقد انقسم السودان قسمين: الأول في الشمال، والثاني في الجنوب، بعد حرب دامت عدة عقود وغذتها إسرائيل، وقد دفع الانقسام بعد استفتاء ومعاوضات استمرت لعدة سنوات.
أما العراق فبعد أن احتلته القوات الأمريكية في عام 2003، فقد انقسم إلى ثلاث دول: كردية في الشمال، وسنية في الوسط، وشيعية في الجنوب، وإن لم يعلن ذلك رسمياً.
وهناك عدة دول مرشحة للتقسيم والتجزيء وهي اليمن وسورية، وليبيا.
احتلت أمريكا العراق عام 2003 بحجة أنه يمتلك أسلحة كيماوية وأنه ينسق وأنه ينسق ويتعاون مع القاعدة، وقد ثبت عدم صحة الحجتين بعد أن تم تفتيش كل شبر في العراق بعد احتلاله عام 2003، وبعد التدقيق في ملايين الوثائق التي صادروها من أجهزة المخابرات العراقية. وتأكد أن احتلال العراق كان لمصلحة إسرائيل وتمكينها بالدرجة الأولى.
وفي النهاية يجب أن تنتبه المقاومة إلى أمرين في مسيرتها الجهادية:
الأول: يجب أن تعي المقاومة أن معركتنا ليست عسكرية سياسية فقط مع إسرائيل وأمريكا بل هي ثقافية إلى جانب ذلك، لذلك وجب عليها أن تنتبه إلى مخاطر التفتيت الثقافي الذي تقوده أمريكا وإسرائيل لتدمير وحدة الأمة الثقافية، وتضع الخطط المناسبة لمواجهته.
الثاني: أن تسعى المقاومة إلى فك الارتباط بين أمريكا وإسرائيل من خلال بث إعلامي يوضح للشعب الأمريكي والغرب أن اللوبي الصهيوني في الغرب يورط أمريكا والغرب في معارك لا تحقق مصلحة الشعب الأمريكي بل مصلحة إسرائيل على حساب الدم الأمريكي وأموال دافعي الضرائب الأمريكيين، والعراق خير مثال.